- التحالفات السياسية تواجه تغيرات ملحوظة مع اختيار العديد من الأحزاب خوض الانتخابات بشكل منفرد، مما يجعل النتائج غير متوقعة ويفتح المجال لمفاجآت قد تغير الخريطة السياسية.
- الأوضاع الاقتصادية، الاستياء العام، والتحديات الناتجة عن كارثة الزلزال تضيف تعقيداً للانتخابات، مع تبرز الأحزاب الصغيرة كعنصر حاسم قد يؤثر في تحديد مصير الأحزاب الكبرى.
مفاجآت كثيرة تشهدها الانتخابات المحلية التركية كل مرة، ومنها مسألة الأحزاب الصغيرة، فهي وإن لم تتمكن من الفوز بالانتخابات فإنها تساهم في فوز الأحزاب الكبيرة أو خسارتها.
وسعت الأحزاب الكبرى للتحالف مع بعضها وضمّ الأحزاب الصغيرة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقة، التي انتهت لصالح التحالف الجمهوري الحاكم. إلا أنه بعد مرور نحو 11 شهراً على تلك الانتخابات، تغيرت الخريطة السياسية، وفضل الكثير من الأحزاب خوض الانتخابات بشكل منفرد.
وتعد بعض الأحزاب الصغيرة نجماً واعداً صاعداً على الساحة السياسية في تركيا، ومنها "الرفاه من جديد" الإسلامي، و"العمل التركي" اليساري، إذ إنهما تمكّنا من دخول البرلمان بجهودهما الذاتية في الانتخابات البرلمانية السابقة، على عكس أحزاب "دواء" و"المستقبل" و"السعادة"، التي تشير استطلاعات الرأي إلى أن نسبها لا تتجاوز 1 إلى 2% من الأصوات، وقد دخلت البرلمان ضمن قوائم حزب الشعب الجمهوري.
طه عودة أوغلو: سيكون هناك مفاجآت في الانتخابات، خاصة بعد تشتت أصوات الناخبين وتراجع التحالفات السياسية
ويستقطب حزب "الرفاه من جديد" قدماء حزب "العدالة والتنمية" وحزب "السعادة" من التيارات الإسلامية والمحافظة، وترشيح من لم يعد يرشحهم "العدالة والتنمية" في الولايات التركية، وهو ما دفع مسؤول الانتخابات في "العدالة والتنمية" نائب الأمين العام علي إحسان ياووز للقول، أخيراً، إن "حزب الرفاه من جديد قد يساهم في خسارة العدالة والتنمية"، وخاصة في مدينة إسطنبول التي تشهد أكبر تنافس بين الأحزاب.
وجرت محاولات للتفاوض بين "العدالة والتنمية" و"الرفاه من جديد" من دون التوصل إلى نتيجة. وبرر زعيم "الرفاه" فاتح أربكان، في تصريح صحافي أخيراً، سبب ذلك بعدم تقديم عرض مقنع للتعاون وتقديم فقط مواقع في المجالس البلدية، من دون بلديات محددة، فيما أعلن القيادي في "العدالة والتنمية" أفكان آلا، في تصريح صحافي، أن "الرفاه" طلب 100 بلدية في عموم تركيا، وهو ما نفاه الأخير لاحقاً.
فشل التعاون بين "الشعب" و"الجيد" في الانتخابات المحلية التركية
وعلى الطرف الآخر، فشل حزب "الشعب الجمهوري" في استقطاب الحزب "الجيد" بعد دعوته له للتعاون في الانتخابات، إذ قرّر الأخير خوض الانتخابات منفرداً، ما صعب الأمر على "الشعب الجمهوري". وكذلك الأمر مع حزب "العمل" التركي، وخصوصاً في ولاية هاتاي التي تعد واحدة من أبرز محطات الصراع الانتخابي بين طرفي الصراع السياسي في البلاد.
ولاية هاتاي، التي شهدت أكبر ضرر من زلزال 6 فبراير/ شباط العام الماضي، تشهد منافسة بين مرشحي "العدالة والتنمية" محمد أون تورك و"الشعب الجمهوري" لطفي ساواش، الذي ترشح على الرغم من رفض سكان الولاية هذا الأمر، لتحميله مسؤولية عن انهيار المباني في الولاية التي حكمها لمدة 15 سنة. ودفع هذا الأمر بحزب "العمل" لترشيح اللاعب السابق غوغهان زان بدون دعم "الشعب الجمهوري"، على اعتبار أن فرص ساواش قليلة بالفوز أمام مرشح "العدالة والتنمية"، خاصة أن التحالف الجمهوري في الانتخابات الرئاسية حقق الأغلبية في الولاية.
وأعلن "العمل"، قبل أيام، تعليق ترشيح زان بسبب تسجيلات صوتية بحقه تتضمن محاولات تقديم رشوة له للانسحاب من الانتخابات، فيما أفاد زان باستمرار ترشحه وتقديم شكوى بحق أشخاص هددوه، مدعومين من قبل رئيس البلدية الحالي لطفي ساواش، ما يشير إلى دور الأحزاب الصغيرة في التأثير وإلحاق الخسارة بالأحزاب الكبيرة، فيما رفض ساواش في تصريح صحافي صحة الادعاءات بتهديده زان.
نتائج الأحزاب الصغيرة في الانتخابات البرلمانية
حزب "الرفاه من جديد" حقق في الانتخابات البرلمانية بعموم تركيا 2.81% من الأصوات، حاصداً 5 مقاعد في البرلمان. وفي إسطنبول حقق الحزب نسبة 3.3%، أما حزب "العمل التركي" فقد حقق في الانتخابات البرلمانية 1.73% من الأصوات، حاصداً 4 مقاعد، وفي إسطنبول حقق 4.1% وفي هاتاي 8.56% من الأصوات.
وحقق الحزب "الجيد" 8.23% في إسطنبول، وفي عموم تركيا 9.68%، حاصداً 43 مقعداً، انخفضت 5 نواب نتيجة استقالات منه. في المقابل، حقق حزب "اليسار الأخضر" الكردي في إسطنبول 8.18% وفي عموم تركيا 8.82%، حاصداً 61 مقعداً برلمانياً، وهو يدعم بشكل محدود "الشعب الجمهوري"، فيما فاز حزب "الحركة القومية" في الانتخابات البرلمانية بنسبة 10.07% في عموم تركيا محققاً 50 مقعداً، وفي إسطنبول 6% من الأصوات، ويدعم مرشحي "العدالة والتنمية".
الأحزاب الصغيرة سبب لخسارة الأحزاب الكبيرة
وبناء على المعطيات فإنه من الواضح أن الأحزاب السياسية الصغيرة، وإن كانت نسب أصواتها قليلة ولن تحقق نجاحات كبرى، إلا أنها ستكون سبباً لخسارة الأحزاب الكبيرة وتحرجها بشكل كبير في مختلف الدوائر الانتخابية.
محمد جيرين: الأحزاب الصغيرة قد تشكل خياراً للناخبين المترددين الذين شعروا بخيبات أمل من الأحزاب الكبرى
وسبق أن خسر مرشح "العدالة والتنمية" بن علي يلدريم في انتخابات عام 2019 في إسطنبول أمام مرشح "الشعب الجمهوري" رئيس البلدية الحالي أكرم إمام أوغلو بفارق وصل إلى 13 ألفاً و729 صوتاً فقط، قبل أن تعاد الانتخابات ويحسمها بشكل أوضح إمام أوغلو نظراً للظروف التي رافقت إلغاء الانتخابات وإعادتها لاحقاً.
الكاتب والباحث طه عودة أوغلو تطرق، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أهمية الأحزاب الصغيرة ودورها في الانتخابات المحلية التركية.
تشتت أصوات الناخبين وتراجع التحالفات السياسية
وقال عودة أوغلو: "أعتقد أن الانتخابات المحلية ستكون هناك حبلى بكثير من المفاجآت، وخاصة بعد تشتت أصوات الناخبين وتراجع التحالفات السياسية. كل هذه الأمور تجعل من الصعب جداً تخمين الفائز في أي بلدية، حتى لو كان الأمر مضموناً لحزب معين، خاصة أن هناك حالة من السخط والغضب لدى الناخبين بشكل عام على الوضع الاقتصادي، وقد تكون هذه المرة أكبر ضد الحزب الحاكم".
وأضاف: "أعتقد أن بعض الأحزاب ستكون مربط الفرس في الانتخابات المحلية التركية، كحزب الرفاه من جديد الذي انسحب من التحالف الحاكم، وحالياً دخل كمستقل في هذه الانتخابات".
وتابع: "أتصور أن الأمور ستكون نوعاً ما صعبة، وخاصة لكلا المرشحين في إسطنبول، مراد قوروم أو أكرم إمام اوغلو، خاصة أن هناك تراجعاً في عملية التحالفات السياسية. وأيضاً مسألة دعم الأحزاب الكردية، أو عامل الصوت الكردي، ستكون حاسمة هذه المرة أيضاً".
وأعلن عودة أوغلو أنه "من المبكر جداً إعطاء تخمين لنتائج من ومن سيفوز بالمدن الكبرى، خصوصاً التي خرجت من عباءة حزب العدالة والتنمية في العام 2019، وأقصد هنا أنقرة وإسطنبول التي يعول عليها الرئيس (رجب طيب) أردوغان بشكل كبير هذه المرة، ويرى أن الفوز في هذه الانتخابات، خاصة في إسطنبول، سيكون اختباراً حقيقيا لحزبه، وللجهات أو الأشخاص الذين سيأتون بعده لتولي الحكم في الانتخابات التي ستجرى في عام 2028".
وقال: "كل هذه الأمور تجعل هذه الانتخابات مختلفة تماماً، وتكتسب أهمية كبيرة لا تختلف عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت خلال الأشهر الأخيرة الماضية. كما أن الموضوع الاقتصادي بشكل خاص سيتصدر هذه الانتخابات، بالإضافة إلى كارثة الزلزال والمخاوف من زلزال مدمر في إسطنبول، وأيضاً نوعية أو شخصية المرشحين بشكل عام، سواء في إسطنبول أو حتى أنقرة".
وأضاف: "أعتقد أنه ستكون هناك مفاجآت في هذه الانتخابات، ومنها صعود للأحزاب الصغيرة على حساب الكبيرة التقليدية بسبب بعض العوامل المتعلقة بالوضع الاقتصادي وغضب شريحة كبيرة من الشعب، أو الناخبين، من حكومة أردوغان".
كثرة الأطراف السياسية والمستقلين
من ناحيته، قال المحلل السياسي محمد جيرين، لـ"العربي الجديد"، إن "الانتخابات المحلية التركية تشهد حالة جديدة، تتمثل بكثرة الأطراف السياسية المشاركة فيها، بالإضافة إلى المرشحين المستقلين. وفارق الأصوات القليل في انتخابات إسطنبول في 2019 قد يتكرر في انتخابات إسطنبول 2024 وفي مناطق أخرى تتقارب بها الأصوات بين مرشحي حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري".
وأضاف أن "الأحزاب الصغيرة قد تشكل خياراً بديلاً للأحزاب الكبيرة، وللناخبين المترددين الذين شعروا بخيبات أمل من الأحزاب الكبرى".
وأوضح أن "حزب العدالة والتنمية وحكومة أردوغان تواجه مصاعب اقتصادية كبيرة تثير استياء شريحة من المواطنين، وخاصة المتقاعدين الذين يشكون من تضاؤل رواتبهم أمام التضخم في البلاد، وبنفس الوقت هناك استياء داخل حزب الشعب الجمهوري بسبب قلة إنجاز رؤساء البلديات والمشاكل التي رافقت التغييرات في الحزب".
واعتبر جيرين أن "حزب الرفاه من جديد مرشح لاستقطاب أصوات القوميين والمحافظين، ومحبي القيادي الراحل نجم الدين أربكان، فيما حزب العمل مرشح لاستقطاب أصوات العلمانيين الذين شعروا باستبعاد ممثليهم عن قيادة حزب الشعب الجمهوري، أو شعورهم بعدم إمكانية فوز مرشحي العدالة والتنمية. وبهذا يمكن لهذه الأحزاب أن تحقق الفارق. وكذلك الحزب الجيد يراهن بشكل كبير على تحقيق تقدم بعد التحرر من التبعية لحزب الشعب الجمهوري كما أعلنت زعيمة الحزب ميرال أكشنر".