اقتراح نقل مقر "الدستورية" السورية: محاولة لتجاوز المرجعية الأممية

19 يونيو 2022
من اجتماع اللجنة الدستورية في جنيف، أغسطس 2020 (فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -

لم تتأخر المعارضة السورية في رفض اقتراح روسي، نقل اجتماعات اللجنة الدستورية المخصصة لوضع دستور جديد للبلاد، من جنيف السويسرية إلى مكان آخر، بذريعة أن سويسرا فقدت موقعها المحايد.

وأكد عدد من أعضاء اللجنة الدستورية من طرف المعارضة رفض الدعوة الروسية بشكل مطلق، كونها خطوة في اتجاه نزع المرجعية الأممية للقضية السورية، تمهيداً لتسويق حل سياسي يتماهى مع رؤية الروس، والقائمة على بقاء النظام الحالي ورأسه بشار الأسد.

وقال المتحدث باسم وفد المعارضة إلى أستانة، أيمن العاسمي، لـ"العربي الجديد"، إن المعارضة لن تستغني عن مسار جنيف مهما أرادت موسكو، مضيفاً أن "الغطاء الأممي للملف السوري، والدعم التركي في أستانة وفي المحافل الدولية، ودعم بعض الدول الوازنة كالمملكة العربية السعودية، هي الأساس".

محاولة لسحب مرجعية العملية السياسية السورية

من جهته، أشار أحمد العسراوي، عضو اللجنة المصغرة في اللجنة الدستورية ممثلاً عن المعارضة، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "نقل مقر مباحثات اللجنة من جنيف، وبغضّ النظر عن مرامي الداعين إلى ذلك، يصب في خانة سحب مرجعية العملية السياسية التفاوضية بملفاتها الأربعة (الحكم، الدستور، الانتخابات، مكافحة الإرهاب)، من الأمم المتحدة ومنحها لجهة مجهولة".

وكان مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، قد ذكر، يوم الخميس الماضي، عقب انتهاء الجولة 18 من مسار أستانة في العاصمة الكازاخية نور سلطان، أن بلاده تريد نقل موقع المفاوضات حول الدستور السوري من جنيف، مضيفاً: "الموضوع ليس تقنياً ولوجستياً فقط، وإنما له طابع سياسي، في ظل العقوبات السويسرية ضد روسيا، وفي هذه الأجواء يصبح من الصعب علينا العمل هناك".

وقال لافرينتييف إن روسيا اقترحت نقل مقر اجتماعات اللجنة الدستورية من جنيف إلى مسقط أو أبوظبي أو الجزائر، بحسب ما نقلته وكالة "سبوتنيك" الروسية. ومن الواضح أن اقتراح موسكو يأتي في سياق الضغط الإعلامي على سويسرا، للتخفيف من حدة مواقفها إزاء الغزو الروسي لأوكرانيا.


أقرّ لافرنتييف بالطابع السياسي لاقتراح نقل مقرّ الدستورية

ويرفض الائتلاف الوطني السوري، وهو من أبرز مكونات المعارضة المشاركة في أعمال اللجنة الدستورية من خلال هيئة التفاوض، المقترح الروسي. وفي هذا الصدد، قال أمين سر الهيئة السياسية في الائتلاف عبد المجيد بركات، في حديث مع "العربي الجديد": "نرفض المساس بأي ركن من أركان العملية السياسية، ونعتبر المكان ركناً مهماً من هذه الأركان له ولايته الشرعية والقانونية ضمن القرار 2254، لذلك أي محاولة لنقل اجتماعات اللجنة الدستورية أو أي اجتماع يتعلق بالعملية السياسية هي خطوة باتجاه ضرب شرعية وقانونية هذه العملية".

وأشار إلى أنه "كانت هناك محاولات فاشلة من قبل الجانب الروسي والنظام لعقد اجتماعات اللجنة خارج مدينة جنيف"، مضيفا": "الائتلاف الوطني السوري يرفض هذه المحاولات".

وعُقدت 8 جولات من اجتماعات اللجنة الدستورية المشكّلة من الأمم المتحدة وتضم ممثلين عن المعارضة والنظام والمجتمع المدني من كلا الطرفين، في مدينة جنيف تحت غطاء أممي، إلا أنها لم تنجح في تحقيق أي تقدم، إذ يحرص النظام على حرْف اللجنة عن مسارها لإفراغ التفاوض من مضامينه.

ومن المقرر، عقد الجولة التاسعة في جنيف في الفترة ما بين 25 و29 يوليو/تموز المقبل، إلا أن سقف الآمال بتحقيق أي اختراق منخفض، وبات من الواضح أنه لم تعد هناك جدوى من هذا المسار الذي يريد النظام تبديد الوقت من خلال المشاركة فيه.

روسيا لم تضغط على النظام السوري

وطيلة الجولات السابقة، لم تضغط موسكو على النظام لتليين موقفه الرافض للتعاون مع الأمم المتحدة لوضع العملية السياسية على سكة الحل، وهو ما يجعل هذه العملية تراوح في محلها منذ منتصف عام 2012، بعدما صدر بيان جنيف1 الذي أرسى دعائم هذا الحل استند عليها لاحقا القرار 2254 الذي صدر أواخر عام 2015 وبقي حتى اللحظة من دون تطبيق.


من المرجح فشل الاقتراح على وقع تمسك المعارضة بجنيف

ويندرج المسعى الروسي الذي من المرجح أنه سيصطدم بعقبات ستفشله، في سياق المحاولات الروسية الإيرانية لتصفية القضية السورية، بتقويض كل القرارات الدولية خصوصاً القرار 2254، الذي رسم خريطة طريق لحل سياسي يرفضه النظام وحلفاؤه الروس والايرانيون.

وتوجد للأمم المتحدة العديد من المقرات الرئيسية في العالم، فضلاً عن المقر الرئيسي في مدينة نيويورك، لذا من المرجح أن تتمسك المعارضة السورية ببقاء التفاوض ضمن هذه المقرات، وليس في أماكن أخرى وفق الرؤية الروسية.

وأشار الباحث السياسي في مركز "الحوار السوري" أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "فكرة نقل اجتماعات اللجنة الدستورية ليست جديدة"، مضيفاً: الروس طرحوا ذلك في بداية اجتماعات اللجنة، بل إن وفد النظام طالب بأن تكون هذه الاجتماعات في دمشق.

وتابع: "موسكو تحبذ هذا الأمر لتجاوز الأمم المتحدة والالتفاف حول القرار الأممي 2254. نقل مقر اللجنة الدستورية إلى خارج جنيف محاولة لحرْف المسار الأممي بشكل كامل، ووضع القضية السورية ضمن التجاذبات الإقليمية والدولية تصب في مصلحتها ومصلحة نظام الأسد".

وأعرب عن اعتقاده بأن سبب عودة الروس إلى هذا الطرح "هو الحرب الروسية الأوكرانية"، معتبراً أن روسيا تنظر إلى أوروبا على أنها خصم، وتريد إضعاف الدور الغربي في تطبيق القرار 2254.