اعتقلت الأجهزة الأمنية الفلسطينية الناشط جهاد عبدو، من محيط ميدان المنارة في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية في 19 من يوليو/تموز 2020، قبل أن يتمكن هو وزملاؤه من إقامة اعتصام ضد الفساد، كان الأمن الفلسطيني قد منع إقامته بذريعة حالة الطوارئ المعلنة لمكافحة فيروس كورونا التي تحظر فيها التجمعات.
وجد عبدو نفسه متهمًا، كما يروي لـ"العربي الجديد"، بالاشتراك في تجمهر غير مشروع، ومخالفة القرارات والتدابير المتخذة بموجب حالة الطوارئ، لكنه يعلق على ذلك: "وجهوا لي تلك التهم، ولكن أنا كنت ملتزما بارتداء الكمامة والقفازات، واعتقلوني منفرداً قبل أن يقام أي تجمع، لكن الأجهزة الأمنية هي التي لم تلتزم بالإجراءات، وفي أول ليلة في الاعتقال بتنا أكثر من 50 شخصاً في غرفة صغيرة لا تتسع لأكثر من 20، وعندما نقلونا للفحص الطبي، كنا 25 شخصاً في حافلة تتسع لـ15 شخصاً، وفي الحجز كنا 15، وسعتها لا تتجاوز ستة أشخاص".
يتابع عبدو: "عندما تراقب تحركات الأمن لا تشعر أنهم يهتمون أصلاً بموضوع الإجراءات الصحية التي يقومون على تطبيقها"، ويصف ما حصل معه وعدد من النشطاء باستغلال حالة الطوارئ والقوانين المعلنة، من أجل منع إقامة فعالية ضد الفساد.
عندما تراقب تحركات الأمن لا تشعر أنهم يهتمون أصلاً بموضوع الإجراءات الصحية التي يقومون على تطبيقها
كان جهاد واحداً من 79 حالة اعتقال تعسفي أو سياسي من الأجهزة الأمنية الفلسطينية، أعلنت مجموعة "محامون من أجل العدالة" وهي مبادرة محامين حقوقية محلية عن تفاصيلها خلال تقرير أطلقته في مؤتمر صحافي اليوم الإثنين، في رام الله، وواحد من 12 شخصاً تابعتهم المجموعة قانونياً اعتقلوا على خلفية الوقفة ضد الفساد.
لم يكن عبدو الوحيد الذي تحدث عن عدم التزام الأمن بالإجراءات الصحية، فقرابة 54.4 في المئة من مجمل المعتقلين الذين تابعتهم المجموعة، أفادوا في شهاداتهم بعدم التزام كلي أو جزئي بتلك الإجراءات من قبل الأجهزة الأمنية أثناء عمليات الاعتقال أو التوقيف، بما فيه عدم التزام الأمن بالكمامات وتطبيق البروتوكولات الصحية، أو ظروف اعتقال ونقل اتسمت بالاكتظاظ.
وأطلقت المجموعة تقريرها خلال مؤتمر عقدته في رام الله، أظهر أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية اعتقلت بشكل سياسي أو تعسفي 79 شخصاً خلال العام الأول من حالة الطوارئ، بين شهر مارس/آذار 2020 ومثيله من عام 2021، والتي أعلنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس لمكافحة فيروس كورونا، تنوعت تهمهم بين الاعتقال على خلفية حرية الرأي والتعبير، والعمل النقابي، والتعددية السياسية والحزبية، والاعتقال على ذمة المحافظين.
وقالت المجموعة في نتائج تقريرها إن "حالة الطوارئ الخاصة بفيروس كورونا تُستغل لتبرير انتهاكات جسيمة ترتكب ضد حقوق الإنسان"، وأظهر التقرير ادعاء 33 معتقلاً أي بنسبة 41 في المئة من مجمل المعتقلين ادعاءات تعرضهم لتعذيب أو سوء معاملة أو حرمان من العلاج أو ضغط لفك إضراب عن الطعام، بينهم 21 قالوا: "إنهم تعرضوا لانتهاكات جسدية أثناء الاعتقال أو التحقيق".
وأظهر التقرير أن أكثر من نصف المعتقلين أفادوا بعدم إبراز الأمن مذكرات توقيف بحقهم أثناء عملية الاعتقال، ما يخالف الإجراءات القانونية السليمة، فيما اعتقل قرابة 23 في المئة منهم ثم أفرج عنهم من دون أي إجراء قانوني، أو عرض على جهة قضائية.
وقالت المجموعة: "إن 3 من مجمل تلك الحالات فقط أدينوا في المحكمة، فيما قامت النيابة العامة بحفظ ملفات 12 معتقلاً لعدم وجود أدلة كافية ضدهم، وحصل 6 على براءة من التهم الموجهة إليهم، فيما تتواصل محاكمة 22 معتقلاً سابقاً".
وعلق التقرير على تلك الحقائق الرقمية، بأنه يدلل على استخدام التوقيف (الحبس الاحتياطي) كعقوبة مسبقة، وعلى عدم جدية التحقيقات أو عدم ارتباطها بالتهم المسندة إلى المعتقلين.
وتنوعت طبيعة الاعتقالات بين 25 في المئة على خلفية حرية الرأي والتعبير، و21.5 في المئة على خلفية العمل النقابي، و40.5 في المئة لأسباب سياسية، وقرابة 8 في المئة على ذمة المحافظ أي دون قرار من النيابة أو القضاء.
54.4 في المئة من مجمل المعتقلين أفادوا في شهاداتهم بعدم التزام كلي أو جزئي من قبل الأجهزة الأمنية بالإجراءات الاحترازية الصحية أثناء عمليات الاعتقال أو التوقيف
وبيّن التقرير أن النيابة العامة الفلسطينية تكرر استخدام بعض التهم ضد المعتقلين السياسيين تحديدا، وهي "حيازة السلاح" و"جمع وتلقي أموال من جمعيات غير مشروعة"، وهما التهمتان الأكثر استخداماً في الاعتقال السياسي بهدف تمديد التوقيف؛ بينما تكون التحقيقات الفعلية لدى الأجهزة الأمنية حول قضايا أخرى كالنشاط السياسي أو الجامعي.
وأشار التقرير إلى أن 29% من الاعتقالات اقترنت أسبابها بشكل مباشر بحالة الطوارئ، وارتبطت إما بمظاهرة "طفح الكيل ضد الفساد" أو بإجراءات تعسفية أو ضبابية، أو على خلفية تعبير أصحابها عن آرائهم المتعلقة بالإجراءات المفروضة، أو حتى انخراط المعتقلين بحملات توزيع طرود غذائية؛ بسبب انتماءاتهم السياسية، إضافة إلى اعتقال بسبب خرق الحظر، لكن التحقيقات معهم تركزت على انتماءاتهم السياسية.
وطالبت المجموعة في توصيات التقرير إلغاء "القرارات بقوانين" الصادرة عن الرئيس الفلسطيني المقيدة لحقوق الإنسان، وتقييد إعلان وتمديد حالة الطوارئ المستمر حتى اللحظة منذ بداية جائحة كورونا بما يضمن عدم التعسف في إعلانها.
وفي هذا السياق، قال عضو المجموعة، المحامي ظافر صعايدة، لـ"العربي الجديد": "إن المجموعة تعتقد أنه لم يعد هناك حاجة لحالة الطوارئ بالنظر إلى الحالة الصحية".
وأضاف صعايدة، "لو استدعى الأمر والوضع الصحي إبقاء هذه الحالة، فيجب ألا ترتبط باعتداءات على الحقوق الدستورية المكفولة بموجب القانون الأساسي وألا يتم الخلط بين تلك الحقوق وحالة الطوارئ".
وطالبت المجموعة الحقوقية النائب العام الفلسطيني بفتح تحقيقات جدية حول ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة التي أثارها المعتقلون، والتي وثق عدد منها أمام وكلاء النيابة أو القضاة.
وقال صعايدة: "إن المجموعة تطالب النائب العام بصفته الجهة التي تعبر عن الحق العام بأن يكون للنيابة موقف لإعادة الأمور إلى نصابها بما يتعلق بالاعتقالات، وبما يتعلق بالحفاظ على الإجراءات القانونية، وإن هناك تعويلا على القضاة لتشكيل ضمانة أساسية للمعتقلين والموقوفين والمدافعين عن حقوق الإنسان".
من جانب آخر، ذكر التقرير تعرض المجموعة لمضايقات وتحريض لعدد من الموكلين على المجموعة، حيث أفاد أربعة معتقلين في شهاداتهم بتعرضهم لذلك التحريض.
وقال مدير المجموعة مهند كراجة: "رصدت أكثر من حالة تحريض ضد المجموعة تمثلت بتواصل الأجهزة الأمنية مع عائلات المعتقلين والمدافعين عن حقوق الإنسان لإرغامهم على عزل محامي المجموعة عن الملفات، وتم توقيع معتقلين سابقين على تعهدات بعدم التواصل مع المجموعة".
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد أعلن حالة الطوارئ بتاريخ 5 مارس/آذار 2020، لمدة شهر واحد لمكافحة فيروس كورونا، جدده لشهر آخر في ظل حالة تعطل المجلس التشريعي بسبب الانقسام وحله في عام 2018، في حين أن القانون يعطي المجلس صلاحية تمديد تلك الحالة. وفي تاريخ 5 مايو/أيار 2020، أعلن عباس حالة طوارئ جديدة لنفس الأسباب، فيما اعتبر قانونيون ذلك غير متاح وفق القانون، ليتم تمديد وتجديد حالة الطوارئ بنفس الطريقة منذ ذلك الحين وحتى الآن.