اعتقالات "تحرير الشام": إخضاع الخصوم وإحكام السيطرة بمناطق النفوذ

15 فبراير 2022
تسيطر "الهيئة" على شمال غرب سورية (عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

تضيّق "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) الخناق على تنظيمات وجماعات متشددة منافسة لها في الشمال الغربي من سورية، حيث اعتقلت، أخيراً، عدة عناصر وقياديين من هذه الجماعات، غالبيتهم من جنسيات أجنبية.

وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس الأول الأحد، إلى أن "هيئة تحرير الشام" تعتقل بشكل شبه يومي عناصر وقياديين من تنظيم "حراس الدين" وغيره من الكتائب، المتناثرة ضمن مناطق سيطرتها، غالبيتهم من جنسيات غير سورية.

علي أبو الفاروق: هيئة تحرير الشام رسمت سياسة موحدة للمنطقة التي تسيطر عليها

وذكر المرصد أنه منذ أواخر العام الماضي تم اعتقال 40 قيادياً و20 "شرعياً"، غالبيتهم من المغرب العربي، إضافة إلى 250 عنصراً، من الكتائب.

وتفرض "الهيئة" سيطرة كاملة على الشمال الغربي من سورية، بما فيه ما تبقّى من محافظة إدلب، خارج سيطرة النظام. ويوجد في شمال غربي سورية عشرات التنظيمات والمجموعات التي تتبنى الفكر السلفي الجهادي، وتدور في فلك تنظيم "القاعدة".

وكانت "الهيئة" طردت، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فصيل "جنود الشام"، الذي يتزعمه مسلم الشيشاني، من منطقة جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، واعتقلت قياديين فيه.

اعتقال "الهيئة" لقياديين في "حراس الدين"

وكان الجهاز الأمني في "هيئة تحرير الشام" اعتقل أبرز القياديين في تنظيم "حراس الدين"، الذي يضم العشرات من المجموعات المتطرفة، تنتشر في غير موضع في الشمال الغربي من سورية، وتضم جهاديين من جنسيات عربية وأجنبية.

وكانت الولايات المتحدة عرضت منذ سنوات مكافآت مالية لمن يدلي بمعلومات تساعد في القبض على ثلاثة من متزعمي تنظيم "حراس الدين"، وهم سامي العريدي، وأبو عبد الكريم المصري، وفاروق السوري.

ويعد ملف المقاتلين الأجانب في الشمال السوري من الملفات الشائكة، في ظل غياب أي معلومات مؤكدة عن عددهم، حيث يتوزعون على عدة مجموعات وتنظيمات، بما فيها "هيئة تحرير الشام"، التي حاولت أخيراً إبعادهم عن المشهد الإعلامي.

وينتشر المقاتلون الأجانب في مختلف المناطق السورية، حيث باتت المليشيات الإيرانية قوة ضاربة في مناطق سيطرة النظام، بينما يتولى مقاتلون أكراد غير سوريين العديد من مفاصل القرار في "شرقي الفرات". وتعد مناطق سيطرة فصائل المعارضة في شمال سورية (مناطق سيطرة الجيش الوطني)، الوحيدة التي لا تضم مقاتلين من خارج سورية.

وبرر مصدر مواكب لما يجري داخل "الهيئة"، في حديث مع "العربي الجديد"، الاعتقالات، التي تتم بشكل دائم، في شمال غربي سورية قائلاً إنها "تطاول المفسدين في المنطقة".

واعتبر أن "وجود جهاديين متطرفين في المنطقة بات يشكل خطراً أمنياً على مناطق سيطرة الهيئة"، موضحاً أن "البعض منهم شكل عصابات خطف وابتزاز". وأشار إلى أن "من بين المعتقلين من هو مرتبط بالقاعدة أو بتنظيم داعش"، ويحاول تشكيل خلايا في المنطقة.

"الهيئة" تُحيّد من يخرج عن سياستها للمنطقة

من جانبه، رأى الباحث المختص بالجماعات الإسلامية علي أبو الفاروق، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هيئة تحرير الشام، رسمت سياسة موحدة للمنطقة التي تسيطر عليها". وأوضح أن "أي جماعة، أو فصيل، يخرج عن هذه السياسة أو يحاول الخروج تُحيّده الهيئة على الفور".

كل التنظيمات المتشددة، بما فيها هيئة تحرير الشام، ليست مقبولة من أغلب الأهالي في محافظة إدلب ومحيطها
 

وأشار أبو الفاروق إلى أن هناك العديد من الأمثلة على ذلك، "مثل مجموعة الجهادي مسلم الشيشاني، ومجموعة الجهاديين الآذريين، أو ما يُعرف بمجموعة أبو فاطمة التركي".

وفي السياق، أكدت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أن سكان الشمال الغربي من سورية "ينفرون من المقاتلين الأجانب". وأوضحت أن "مشروعهم مختلف عن مشروع الثورة السورية، ووجودهم جلب الويلات للمنطقة".

النصرة وباقي التنظيمات غير مقبولة من أغلب الأهالي

وأشارت المصادر إلى أن "كل التنظيمات المتشددة، بما فيها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً)، ليست مقبولة من أغلب الأهالي في محافظة إدلب ومحيطها". وأوضحت أن سياساتها متشددة، ولا تملك حلولاً للمشاكل المعيشية، وسيطرتها على المنطقة ذريعة للروس والنظام لاستهداف المدنيين.

وكانت خرجت تظاهرات ضد "هيئة تحرير الشام"، الجمعة الماضي، في ريف إدلب وفي مخيمات أطمة للنازحين، بسبب استمرار انتهاكات "الهيئة" بحق المدنيين، والتي وصلت إلى حد إطلاق النار بقصد القتل، ضد امرأة حاولت إدخال وقود من منطقة سيطرة فصائل المعارضة في عفرين للتدفئة.

وتشير الاعتقالات التي تقوم بها "الهيئة" بحق عناصر وقياديين في تنظيمات منافسة، إلى أنها تأتي في سياق محاولات جديدة للفت انتباه الفاعلين الإقليميين والدوليين في الملف السوري، إلى أنه يمكن الاعتماد عليها لتفكيك بنية المجموعات المتشددة.

محمد سالم: تحاول الهيئة من خلال الاعتقالات شرعنة نفسها كفصيل يمكن أن يلبي احتياجات الدول الفاعلة في سورية

كما تأتي في سياق نفي تهمة الإرهاب عنها، وطرح نفسها كطرف مساعد في التوصل لحلول سياسية، لمجمل الأوضاع في الشمال السوري، خاصة وأن "هيئة تحرير الشام" تسيطر في الشمال الغربي، وتدير المناطق الواقعة تحت سيطرتها عن طريق ما يسمّى بـ"حكومة الإنقاذ".

القطيعة زادت مع "هيئة تحرير الشام"

ورأى الباحث السياسي في مركز "الحوار السوري" محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الاعتقالات الجارية "باتت أمراً طبيعياً، على اعتبار أن القطيعة زادت بين هذه الأطراف وهيئة تحرير الشام، وباتت هذه العناصر تشكل خطراً عليها".

وقال إن "العملية التي نفذتها الولايات المتحدة في مناطق سيطرة الهيئة، والتي استهدفت بحسب الإعلان الأميركي (في 3 الشهر الحالي) زعيم تنظيم داعش (أبو إبراهيم الهاشمي القرشي) أوقعت هيئة تحرير الشام في حرج. فهو يعني أن أمثال زعيم التنظيم موجودون ومتغلغلون في تلك المناطق". وأضاف: تحاول الهيئة من خلال الاعتقالات شرعنة نفسها كفصيل يمكن أن يلبي احتياجات الدول الفاعلة في سورية.

المساهمون