اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية... معايشة يومية لفصول النكبة

16 مايو 2024
عقب اعتداءات مستوطنين في بورين، فبراير 2023 (جعفر اشتية/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- محمد الخطيب وعائلته يواجهون تهجيرًا متكررًا في الضفة الغربية بسبب هجمات مستوطنين مسلحين، مما يعكس مأساة أكبر تشمل 18 عائلة و1500 رأس من الأغنام.
- الاعتداءات على التجمعات البدوية والقرى الفلسطينية تتواصل بدعم من قوات الاحتلال، في محاولة لإقامة "دولة المستوطنين" وتهويد الأراضي الفلسطينية، مع استيلاء المستوطنين على أراضٍ وموارد.
- الاستيطان يهدد الوجود الفلسطيني بتقليص مساحات الأراضي المتاحة للفلسطينيين وتحويل التجمعات البدوية إلى بؤر استيطانية، مع تحذيرات من نكبة جديدة تلوح في الأفق بسبب تزايد الاعتداءات والإجراءات القمعية.

للمرة الثالثة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يضطر محمد الخطيب (55 عاماً)، للبحث عن مكان ينتقل إليه مع عائلته وماشيته بعدما أقدم مستوطنون مسلحون على مهاجمة المكان الذي لجأ إليه من خربة عين الرشاش الواقعة جنوب قرية دوما إلى المنطقة الشرقية من القرية، جنوب مدينة نابلس، في واحد من فصول تصاعد اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، لا سيما ضد التجمعات البدوية.

يقول الخطيب في حديث مع "العربي الجديد": "من قال إن النكبة انتهت؟ نحن نعيش فصولها منذ سنوات طويلة، لكننا بتنا نمر بها يومياً منذ أحداث غزة الأخيرة". وجاء الخطيب، الذي تعود أصوله إلى براري القدس المحتلة، مع والده منذ أكثر من أربعين عاماً إلى خربة عين الرشاش، وأقام فيها وتزوج وأنجب. ويعتبر أن السابع من أكتوبر هو تاريخ مفصلي في حياته وحياة أكثر من 85 شخصاً، بينهم 25 قاصراً، ينتمون لـ18 عائلة، إذ "أُجبروا على الرحيل الجماعي القسري من الخربة في التاسع من أكتوبر الماضي، بعدما أغلق المستوطنون الطريق المؤدّي إلى التجمع، والذي سبق أن أغلقه جيش الاحتلال الإسرائيلي عدّة مرّات في الماضي وفتحه السكّان". ويضيف أن المستوطنين استفردوا بهم وهاجموهم وهددوا بحرقهم أحياء في الخربة "فلم يكن أمامنا إلا أن ننجو بأنفسنا، وفعلاً هجرنا المكان برفقة 1500 رأس من الأغنام إلى شرق قرية دوما".

لم تتوقف اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية ومعها مسلسل الملاحقة، فقد أغار مستوطنون مسلحون مجدداً على التجمع الجديد في شرق دوما، وهذه المرة كانوا برفقة قوات الاحتلال. يقول رئيس مجلس قروي دوما سليمان دوابشة إن "ما يجري هو صورة طبق الأصل لما عاشه أجدادنا قبل 76 عاماً وأكثر، إذ كانوا يلاحَقون من مكان لآخر حتى تم تهجيرهم من فلسطين المحتلة". ويلفت دوابشة في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه "كما وفّر الاحتلال البريطاني السلاح والدعم الكامل للعصابات الصهيونية آنذاك حتى احتلوا أرضنا وطردونا منها، يوفر جيش الاحتلال لعصابات المستوطنين اليوم السلاح والعتاد وينفذ معهم جرائم القتل والتهجير بحق أهالي الضفة الغربية المحتلة تمهيداً لإقامة دولة المستوطنين فيها". ويدلل دوابشة في إطار اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية والهدف منها، "بمسح نحو 26 تجمعاً بدوياً ورعوياً فلسطينياً عن الخريطة منذ السابع من أكتوبر، وسيطرة المستوطنين عليها، ووضع بؤر استيطانية مكان الخيام الفلسطينية".

اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية يومية

ما يجري في دوما يتكرر في بلدات وقرى قُصرة وقريوت وجالود القريبة منها، فهي تتعرض بصورة شبه يومية لهجمات دموية من المستوطنين. وكان أخطر تلك الهجمات على الاطلاق قتلهم ستة فلسطينيين في قُصرة بنهاية العام الماضي، وحرقهم بيوتاً وممتلكات بشكل مستمر، آخرها منزل ومركبة، فجر الاثنين الماضي، في جالود، والتي تجابه هجمة استيطانية غير مسبوقة في إطار اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية ومخططاتهم، وفق رئيس مجلسها القروي رائد حج محمد. ويوضح حج محمد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن عشر مستوطنات وبؤرة استيطانية إضافة لمعسكر لجيش الاحتلال تحاصر قريتهم من جهاتها الأربع وتفصلها عن محيطها، باستثناء طريق فرعي يربطها بقرية قريوت.

ويتوافق رأي حج محمد مع الرأي القائل إن عصابات شتيرن وأرغون والهاغاناه الاستيطانية، التي ارتكبت المجازر الدموية عام 1948، هي نفسها اليوم "فتية التلال" و"تدفيع الثمن". وتعمل هاتان الجماعتان المتطرفتان على تنفيذ هجمات تهدف إلى خلق حالة من الذعر لدى الفلسطينيين لدفعهم للهجرة، فيما تستكمل اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية اليوم المخطط الهادف إلى إقامة "الدولة اليهودية" القائمة على التطهير العرقي بكل معنى الكلمة.

وفي وقت ابتلع فيه الاستيطان أكثر من 85 في المائة من أراضي جالود، التي تفوق مساحتها 20 ألف دونم، تبدو الصورة أشد قتامة في قريوت، إذ إن موقعها الاستراتيجي جعل منها محط أطماع المستوطنين. ففي حال السيطرة على قريوت وتهويدها ستكتمل سلسلة المستوطنات الممتدة على رؤوس الجبال من كفر قاسم حتى الأغوار، كما يوضح الناشط في مقاومة الاستيطان بشار القريوتي، في حديث مع "العربي الجديد".

وبعد السابع من أكتوبر الماضي، نجم عن اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية استيلائهم على نحو 50 ألف متر مربع من أراضي قريوت، وعلى نبعي القرية اللذين كان الأهالي يعتمدون عليهما في ريّ مزروعاتهم واستخداماتهم المنزلية. لتصبح المساحة الكلية التي ابتلعها الاستيطان في القرية حوالي 16 ألف دونم من أصل 22 ألفاً كان يملكها السكان. أما بلدة قصرة، التي تزيد مساحتها على نحو 10 آلاف دونم، أكثر من نصفها مصنّف مناطق "ج"، أي واقعة تحت سيطرة الاحتلال ويحتاج البناء فيها لتصريح منه، فتستبيح أراضيها خمس مستوطنات، ولا سيما مستوطنتا مجدليم وييش كودش اللتان تستوليان على 2500 دونم من أرضها.

مئات المنازل المأهولة أخطرها الاحتلال بالهدم ووقف البناء بحجة عدم الترخيص

وفي مقابل اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية هناك مئات المنازل المأهولة التي أخطرها الاحتلال بالهدم ووقف البناء للتوسعة بإضافة غرف أو طبقات جديدة، بحجة عدم الترخيص أو البناء في مناطق "ج"، وهو أسلوب احتلالي لتنفيذ عمليات الهدم والتهجير القسري للفلسطينيين. وتهدف هذه الإجراءات إلى حصر وجود الفلسطينيين داخل مناطق "أ" الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، لصالح تثبيت الوجود الاستيطاني بالضفة الغربية.

وحدَّت إسرائيل من نفوذ الفلسطينيين على أراضيهم إلى الثلث أو أقل، بتقسيم الضفة الغربية (5800 كيلومتر مربع)، عبر اتفاق أوسلو إلى مناطق "أ" و"ب" و"ج" (والأخيرة تشكل 62 بالمائة من الضفة، فيما المنطقة "ب" تحت السيطرة المدنية الفلسطينية والسيطرة الأمنية الإسرائيلية الفلسطينية المشتركة)، لتسهل عليها عملية التهويد. وتلاحق أيضاً ما تبقى (من الأراضي)، لصالح أكثر من 700 ألف مستوطن يجثمون في 320 مستوطنة وبؤرة استيطانية أو يزيد، استكمالاً لمشروع "المليون مستوطن" بالضفة الغربية.

نكبة جديدة

يطلق منسق منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو حسن مليحات تحذيراً من نكبة أخرى باتت على الأبواب في ظل اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية وإجراءات الاحتلال. ويؤكد في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "كل المؤشرات على الأرض تذهب باتجاه نكبة جديدة سيعيشها تحديداً سكان المناطق المصنفة ج وفق اتفاق أوسلو". ويقول إن النكبة ستطاول "خصوصاً البدو والرعاة الموجودين على طول السفوح الشرقية للضفة الغربية المحتلة، والتي تمتد من أريحا جنوباً إلى بيسان شمالاً، وتضم أيضاً كافة مناطق الأغوار، والتي تشكل وحدها 30 بالمائة من مساحة الضفة".

حسن مليحات: نكبة جديدة سيعيشها تحديداً سكان المناطق المصنفة "ج" وفق اتفاق أوسلو

ويلفت مليحات إلى أن اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية وسلوكهم اليوم "يختلف تماماً عن السابق، فمن خلال متابعتنا باتوا أكثر تنظيماً وجرأة، وينفذون أعمالاً ليست من اختصاصهم". ويضرب مثالاً على ذلك اقتحام عدد منهم، الأسبوع الماضي، تجمع عرب المليحات، شمال غرب مدينة أريحا، "وأجروا تفتيشاً لبيوت المواطنين وخيامهم وعمليات إحصاء لعدد رؤوس الماشية في التجمع، وأشاعوا جواً من الخوف والرعب لدى الأطفال والنساء". ويحذر مليحات من عمليات نزوح وشيكة نتيجة المداهمة المستمرة للتجمع من قبل الاحتلال والمستوطنين، خصوصاً "مع فرضهم حصاراً خانقاً على المواطنين وماشيتهم داخل إطار التجمع ومنعهم من الخروج منه، وتطبيق إجراءات مشددة ضدهم".