تدور اشتباكات بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع"، منذ يوم الخميس، في محيط مجمّع للصناعات العسكرية في جنوب الخرطوم. ويأتي ذلك في وقت أكد فيه وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي ونظيرهم الأميركي أنتوني بلينكن، أنه لا يوجد حلّ عسكري للصراع المتواصل منذ منتصف إبريل/ نيسان الماضي.
وتحدث شهود لـ"فرانس برس" عن "أصوات إطلاق نار واشتباكات في المنطقة المحيطة" بمجمّع اليرموك، أبرز منشآت التصنيع العسكري في السودان.
وتعرّض اليرموك، في أكتوبر/ تشرين الأول 2012، لقصف جوي، اتهمت الخرطوم إسرائيل بالوقوف خلفه. ورفضت تل أبيب التعليق رسمياً على الاتهامات.
وكانت "الدعم السريع" قد أعلنت، في بيان الأربعاء، تحقيق "نصر جديد، بالسيطرة الكاملة على مجمّع اليرموك ومستودعات الذخيرة"، مشيرة إلى أن جنود الجيش فرّوا، تاركين خلفهم "كميات من العتاد العسكري والمركبات".
ونشرت عبر حسابها على "تويتر" شريطاً قالت إنه "من داخل المجمع"، يظهر فيه عناصرها وهم يحتفلون داخل مخزن تتكدس فيه البنادق الرشاشة ومدافع الهاون وكميات هائلة من الذخيرة.
وليل الأربعاء/ الخميس، تحدث شهود عن دويّ هائل واندلاع حريق جراء انفجار أحد صهاريج تخزين النفط في منشأة الشجرة للنفط والغاز القريبة من مجمع اليرموك.
ولم يُحدَّد السبب المباشر للحريق، لكن شهوداً أكدوا أن محيط المنشأة يشهد معارك منذ أكثر من 48 ساعة، مشيرين إلى أن سحب الدخان كانت لا تزال تتصاعد منها الخميس، وهي تبدو للعيان، حتى على بعد 10 كلم من الموقع.
وفي أم درمان، غرب العاصمة، أكد سكان من هناك أن الجيش شنّ هجوماً جوياً على بعض المناطق، وتحديداً في منطقة الجخيس، شمال المدينة، أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين.
على الصعيد السياسي، كشف مصدر في "قوات الدعم السريع" نيتها ورغبتها في استئناف مفاوضات جدة تحت الرعاية السعودية الإماراتية، بعد تجميدها عقب تعليق الجيش المشاركة فيها.
وأوضح المصدر، الذي فضل عدم ذكر أسمه لـ"العربي الجديد"، أن "وفد قوات الدعم السريع ما زال موجوداً في جدة وعلى أتمّ الاستعداد للعودة إلى طاولة المفاوضات في أي وقت، وهو مستعد كذلك لتقديم كل التنازلات الممكنة لإنهاء الحرب". لكن المصدر يبدي خشيته من "تعدد مراكز القرار داخل الجيش والتردد في الموافقة على استئناف التفاوض من قبل مركز من المراكز"، مشيراً إلى أنه "حتى وفد الجيش المفاوض ليس لديه التفويض الكامل".
وفي سياق آخر، قال تحالف الجبهة الثورية السودانية، إنّ منزل رئيس التحالف وعضو مجلس السيادة السوداني الهادي إدريس، استُهدف بقصف جوي من طائرة حربية تتبع للجيش السوداني، ودمرت أجزاء واسعة من المنزل والسيارات، ولم يصب أحد من قاطني المنزل بأذى.
وذكر بيان للناطق الرسمي باسم التحالف أسامة سعيد، أنهم يدينون "بأغلظ العبارات" ذلك القصف الذي "استهدف منزلاً سكنياً لا يوجد بجواره أي مواقع عسكرية، حيث ظل يقيم فيه الهادي إدريس مرابطاً مع مواطني الخرطوم، يعيش معهم معاناة الحرب وأهوالها، وظل يبحث مع زملائه من قيادات الجبهة الثورية والقوى المدنية عن حل يتم بموجبه وقف الحرب والعودة للحلول السياسية لأزمة البلاد"، حسب ما جاء في البيان.
وأكدت الجبهة الثورية التي تضم أحزاباً وحركات مسلحة على موقفها الرافض للحرب واستمرارها، ودعت "أطراف النزاع لتحكيم صوت العقل والعودة غير المشروطة للحوار عبر منبر جدة، فهو السبيل الوحيد لتجنيب البلاد خطر الدمار والخراب".
إلى ذلك، تمكن طاقم فريق من اللجنة الدولية للصليب الأحمر من إجلاء عشرات الأطفال الذين كانوا عالقين طوال أيام الحرب بدار خاصة بالأيتام وسط الخرطوم، وبحسب بيان الصليب الأحمر، فإنّ الأطفال نقلوا لمدينة ود مدني، وسط السودان.
وقال رئيس بعثة اللجنة الدولية في السودان جان كريستوف ساندوز، في تصريح صحافي: نشعر بارتياح بالغ بعد اطمئناننا على سلامة هؤلاء الأطفال، فلقد عايشوا أوقاتاً عصيبة في منطقة استعر فيها النزاع على مدى الأسابيع الستة الماضية، حُرموا خلالها من الرعاية الصحية الملائمة. وكان هذا الوضع بلا شك أشد صعوبة بالنسبة للأيتام ذوي الاحتياجات الخاصة".
وأضاف أنّ بعض الأطفال الذين جرى إجلاؤهم كانوا بالفعل يعانون من "اعتلالات" في الصحة النفسية، التي كان من الممكن جداً أنّ تتفاقم بسبب الضغوط النفسية الهائلة التي تفرضها عليهم بيئة النزاع، مشيراً إلى أنها يسرت عملية الإجلاء بتنسيق وثيق مع وزارة الصحة في السودان.
الخارجية السودانية تُعلن رئيس بعثة الأمم المتحدة شخصاً غير مرغوب فيه
قالت وزارة الخارجية السودانية، الخميس، إنّ حكومة السودان أخطرت الأمين العام للأمم المتحدة رسمياً، بإعلان ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال في السودان، فولكر بيرتس، شخصاً غير مرغوب فيه، وذلك من تاريخ الإعلان.
وعُين بيرتس ممثلا للأمين العام للأمم المتحدة في السودان مطلع عام 2021، ليرأس في نفس الوقت البعثة الأممية لدعم الانتقال في السودان.
وخلال فترة عمله، عمل بيرتس على مساعدة حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في الحصول على دعم دولي مالي وسياسي للسودان، والمساعدة في تحقيق السلام، وبعد انقلاب قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، ونائبه الجنرال محمد حمدان دقلو، ساهم بيرتس في تسهيل حوار مباشر وغير مباشر ما بين المدنيين، وصولاً لمرحلة توقيعهم على الاتفاق الإطاري في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، في وقت لاحقته الاتهامات بالانحياز لتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير.
وقبل أسابيع، بعث قائد الجيش عبد الفتاح البرهان رسالة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، طالبه فيها بتغيير ممثله في السودان بشخصية أخرى، بسبب ما عده عمله خارج تفويض البعثة الأممية، وانحيازه لأطراف سياسية محددة، وكتابته تقارير مغلوطة لمجلس الأمن الدولي.
واشنطن والخليج: لا حلّ عسكرياً
في غضون ذلك، أكد وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي ونظيرهم الأميركي أنتوني بلينكن أنه لا يوجد حل عسكري للصراع المتواصل في السودان منذ منتصف إبريل/ نيسان الماضي.
وجاء ذلك خلال اجتماع في مقر الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي بالعاصمة السعودية الرياض مساء الأربعاء، بحسب بيان للمجلس.
وأفاد البيان بأن الطرفين "أعربا عن قناعتهما بعدم وجود حل عسكري لإنهاء الصراع في السودان، وعبَّرا عن قلقهما إزاء اندلاع هذا القتال". وأكدا "دعم مجلس التعاون للجهود الدبلوماسية التي تقودها السعودية وواشنطن في جدة، للتوصل إلى اتفاق بين الجيش والدعم السريع للتنفيذ الكامل لاتفاق قصير المدى لوقف إطلاق النار، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق".
وشددا أيضاً على دعمهما لـ"الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تحقيق وقف دائم للأعمال العدائية في السودان".
الخارجية السودانية تدين اقتحام مقر ومنزل سفير البحرين
ودانت وزارة الخارجية السودانية ما سمته بـ"الجريمة النكراء التي نفذتها مليشيا الدعم السريع المتمردة"، بعد اقتحامها مقر البعثة ومنزل سفير مملكة البحرين بالخرطوم، والعبث بمحتوياتها وتخريب الأثاث وسرقة الأجهزة الكهربائية والإلكترونية والسيارات الدبلوماسية التابعة للبعثة.
وأوضحت الوزارة، في بيان لها، أنّ الاقتحام حدث دون مراعاة الأعراف والقوانين الدولية الخاصة بحرمة وحماية مقرات وممتلكات البعثات الدبلوماسية، ودعت المجتمع الدولي لـ"إدانة مليشيا الدعم السريع المتمردة بأشد العبارات، واعتبارها منظمة إرهابية، وتحميلها المسؤولية القانونية والأخلاقية".
قطر تدين تخريب مقري سفارتي السعودية والبحرين
إلى ذلك، دانت دولة قطر بشدة تخريب مقر سفارة السعودية في السودان، والملحقيات التابعة لها، وسكن وممتلكات الموظفين السعوديين العاملين في السفارة، ومقر سفارة مملكة البحرين ومنزل سفيرها في الخرطوم، وشددت على ضرورة توفير الحماية للبعثات الدبلوماسية وملاحقة الجناة وتقديمهم للعدالة.
وجددت وزارة الخارجية القطرية، في بيان الخميس، تأكيد موقف دولة قطر الداعي إلى "وقف القتال في السودان فوراً، وممارسة أقصى درجات ضبط النفس والاحتكام لصوت العقل وتغليب المصلحة العامة، وتجنيب المدنيين تبعات القتال"، وأعربت عن "تطلّع دولة قطر إلى أن تنتهج جميع الأطراف الحوار والطرق السلمية لتجاوز الخلافات".
ومنذ اندلاعها في 15 إبريل/ نيسان الماضي، تتواصل المعارك بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان و"قوات الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو بلا أفق للحلّ.
وأدى النزاع إلى مقتل أكثر من 1800 شخص. إلا أن الأرقام الفعلية للضحايا قد تكون أعلى بكثير، بحسب وكالات إغاثة ومنظمات دولية. وبحسب آخر أرقام المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، سبّب النزاع نزوح زهاء مليوني شخص، بينهم أكثر من 476 ألفاً عبروا إلى دول مجاورة.
ولم يفِ طرفا القتال بتعهدات متكررة بوقف إطلاق للنار يتيح للمدنيين الخروج من مناطق القتال أو توفير ممرات آمنة لإدخال مساعدات إغاثية.
والأسبوع الماضي، انهار آخر اتفاق للتهدئة جرى التوصل إليه بوساطة سعودية- أميركية على هامش مباحثات استضافتها مدينة جدة. وأعلنت الرياض وواشنطن تعليق المباحثات، لكنهما حضّتا الطرفين على العودة إلى طاولة المفاوضات.