استهداف مطار بغداد: الانسداد السياسي يترجم تصعيداً أمنياً

29 يناير 2022
استنفار أمني في بغداد عقب استهداف المطار (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

لم تثمر زيارة زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر إلى العاصمة العراقية بغداد عن أي اتفاق مع المعسكر السياسي الحليف لإيران، والذي ينضوي ضمن ما يعرف بـ"الإطار التنسيقي"، ويتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

يأتي ذلك في وقت تتصاعد المخاوف من أن يؤدي الانغلاق السياسي في البلاد إلى مزيد من التصعيد الأمني، بعد استهداف مطار بغداد الدولي بستة صواريخ كاتيوشا أمس الجمعة، تسببت بخسائر مادية فادحة في أجزاء من المطار.

قصف مطار بغداد بستة صواريخ

واستيقظت العاصمة بغداد فجر أمس الجمعة على سلسلة انفجارات عنيفة بجانب منطقة الكرخ، تبين أنها ناجمة عن قصف صاروخي استهدف مطار بغداد الدولي غربي العاصمة.

وتسبب الهجوم الذي طاول الجزء المدني من المطار، فضلاً عن الجزء العسكري حيث "قاعدة فيكتوريا" التي يقيم فيها العشرات من قوات التحالف الدولي، بأضرار عدة، طاولت خصوصاً طائرتين مدنيتين وأجهزة رصد وملاحة جوية.

أعلنت خلية الإعلام الأمني "التوصل إلى خيوط مهمة" حول مستهدفي المطار

وأعلنت خلية الإعلام الأمني التابعة للحكومة العراقية، أمس، عن "التوصل إلى خيوط مهمة" حول مستهدفي المطار، معتبرة أن هذا الاستهداف "فعل إرهابي يسعى إلى تقويض جهود استعادة الدور الإقليمي للعراق".

وذكر بيان للخلية، نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع)، أن "عصابات اللادولة الإرهابية أقدمت على استهداف مطار بغداد الدولي فجر اليوم (أمس) بستة صواريخ من نوع كاتيوشا، في محاولة لاستهداف مقدرات البلد".

وأشار إلى أن "الصواريخ سقطت على مكان انتظار طائرات الخطوط الجوية العراقية، ما أدى إلى أضرار بطائرتين كانتا جاثمتين على المدرج".

وأضاف البيان أن "هذا الفعل الإرهابي يسعى إلى تقويض الجهد الحكومي في استعادة الدور الإقليمي للعراق، وإعاقة نشاط جهود الخطوط الجوية العراقية في أن تكون في الطليعة بمجال النقل والملاحة الجوية، ورفع تحديات عملها".

ولفت البيان إلى أنه "فور حصول هذا العمل الإرهابي، شرعت الأجهزة الأمنية والاستخبارية في إجراءاتها، وعثرت على ثلاثة صواريخ داخل منصة للإطلاق في قضاء أبو غريب، قرب أحد المنازل، وتمكنت مفارز المعالجة من إبطال مفعولها".

وتابع "كما تم التوصل إلى خيوط مهمة حول الجناة بهدف القبض عليهم واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم وتقديمهم للعدالة، في حين قامت مفارز الأدلة الجنائية برفع البصمات والتحرز على المبارز الجرمية".

إدانات لاستهداف مطار بغداد

من جانبه، اعتبر رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، في بيان، أن "استهداف مطار بغداد الدولي بالصواريخ وإصابة طائرات مدنية، والإضرار بمدرج المطار، يمثل محاولة جديدة لتقويض سمعة العراق، وتعريض معايير الطيران الدولي للمطارات العراقية للخطر، ونشر أجواء من الشكوك حول الأمن الداخلي، كون مطار بغداد الدولي هو إحدى واجهات البلاد".

وأشار إلى أن "هذه العملية الإرهابية الغادرة تأتي امتداداً لسلسلة من الاستهدافات بالصواريخ أو الطائرات المسيّرة للمنشآت المدنية والعسكرية التابعة للدولة العراقية، ومقار الأحزاب السياسية، وتعبر عن محاولات محمومة لكسر هيبة الدولة والقانون والنظام أمام قوى اللادولة، وتقويض إنجازات السياسة الخارجية العراقية، والطعن بمصالح الشعب".

الكاظمي: الصمت على هذا النوع من الاستهدافات، بات المجرمون يعدونه غطاء سياسياً لهم

ودعا الكاظمي "جميع القوى والأحزاب، والتيارات السياسية، والفعاليات المختلفة إلى التعبير عن رفضها وإدانتها الصريحة والواضحة لهذا الهجوم الخطير، ودعم قواتنا الأمنية في عملياتها ضد مطلقي الصواريخ"، مضيفاً أن "الصمت على هذا النوع من الاستهدافات بات المجرمون يعدونه غطاء سياسياً لهم".

كذلك، صدرت العديد من البيانات المنددة بالهجوم أمس. وأعربت بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) عن قلقها جرّاء استهداف مطار بغداد بالصواريخ.

وقالت في بيان إنها "تعرب عن قلقها العميق إزاء الموجة الحالية من الهجمات التي تستهدف مكاتب الأحزاب السياسية والمساكن والشركات في العراق، وآخرها الهجوم الصاروخي على مطار بغداد الدولي".

وأضافت أنه "يجب على جميع المعنيين عدم الاكتفاء بالإدانة، والتحرك الفوري لاكتشاف من يقف خلف تلك الهجمات، وفي الوقت ذاته يجب تكثيف الحوار من أجل تجاوز أي خلاف سياسي".

بدوره، قال رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، في تغريدة عبر حسابه بموقع "تويتر" أمس، إن "استهداف مطار بغداد الدولي يمثل استهدافاً مباشراً لسيادة الدولة ومنشآتها، ويشكل تهديداً لسمعة العراق". وأضاف: "لا بدّ من العمل الجاد لإيقاف هذه الممارسات الإرهابية".

كما أصدر رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، بياناً قال فيه "ارحموا الدولة... فالدول لا تُبنى بالادعاء والاستقواء والإقصاء، وكما لا تتحقق المصالح بالشعارات، فلا تتحقق بالانفلات".

لا لقاءات بين الصدر و"الإطار التنسيقي" في بغداد

ويأتي التصعيد الأمني بعدما كان الصدر قد غادر بغداد، مساء أول من أمس الخميس، من دون أن يلتقي بأي من قيادات وممثلي قوى "الإطار التنسيقي"، على الرغم من تصريحات سابقة لقيادات سياسية في بغداد، عوّلت على الزيارة من أجل التوصل إلى تفاهمات مشتركة تنهي الأزمة السياسية.

وكان مقربون من "التيار الصدري" قد اعتبروا أن زيارة الصدر، الذي كان قد وصل إلى بغداد الأربعاء الماضي، مرتدياً عباءة والده المرجع الديني محمد صادق الصدر، رسالة موجهة للقوى السياسية الشيعية، برغبته في تغليب المصالحة والخروج من بغداد بنتائج.

لكن أياً من ذلك لم يتحقق، إذ غادر الصدر من دون أن يلتقي بأي من القيادات السياسية الشيعية في البلاد، واختتم زيارته من مدينة الكاظمية شمالي بغداد بشكل مفاجئ.

لم يتلق الصدر خلال زيارته بغداد أي اتصال من قادة الإطار التنسيقي

وفي السياق، قال مصدر مقرب من "التيار الصدري"، في حديث مع "العربي الجديد"، إن زيارة الصدر إلى بغداد "ألقت الكرة بملعب باقي القوى الشيعية، وكانت أساساً من أجل إعطاء فرصة لبعض قوى الإطار التنسيقي للتحاور والتفاوض معه للدخول في كتلة واحدة وتشكيل حكومة، مع الإبقاء على شرط عزل المالكي عنها".

وأكد المصدر أن "الصدر خلال زيارته بغداد، لم يتلق أي اتصال من قادة الإطار التنسيقي، بل كانت هناك تغريدات من قبل بعض قادة الإطار (نوري المالكي، قيس الخزعلي)، أثارت امتعاض الصدر، خصوصاً أنها أكدت أن الإطار ما زال يرفض عزل المالكي، ولذلك قرر الصدر بشكل مفاجئ الرجوع إلى النجف".

وشرح المصدر نفسه الموقف السياسي حتى ظهر أمس الجمعة بالقول إنه "حتى اللحظة، لا توجد أي اتصالات أو حوارات مباشرة بين التيار الصدري والإطار التنسيقي".

من جهته، وفي أول موقف له بعد فشل انعقاد اللقاء الذي كان يفترض أن يجمعه وبقية قيادات قوى "الإطار التنسيقي" مع الصدر، دعا زعيم تحالف "الفتح" هادي العامري، أمس، القوى السياسية إلى التوافق على تشكيل الحكومة الجديدة وإدارة المرحلة المقبلة، وحذر في تسجيل صوتي من "احتمال الوصول إلى طريق مسدود يكون الشعب هو الخاسر الأكبر فيه".

وخاطب العامري القوى السياسية بالقول: "هذا العناد يجب أن ينتهي"، مطالباً بـ"وضع مصلحة العراق في المقدمة، والابتعاد عن الجري وراء المصالح الخاصة"

وقال العامري إنه لا يعارض "تشكيل حكومة أغلبية وطنية، تؤدي إلى وجود جزء من الأحزاب في الموالاة، وجزء آخر في المعارضة"، لكنه تابع "أما أن يتم الاتفاق على استثناء طرف شيعي واحد، فهذا لا نقبل به"، في إشارة إلى المالكي.

"التيار الصدري" ماضٍ بمشروع حكومة الأغلبية

بدوره، قال القيادي في "التيار الصدري"، رياض المسعودي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "نظام الحكم في العراق نظام برلماني تتحكم فيه لغة الأرقام، وأي جهة تملك أكبر رقم من المقاعد النيابية هي التي تحدد شكل الحكومة والقوى التي تشارك فيها، سواء أعجب ذلك الآخرين أم لا".

وأضاف المسعودي: "هناك ائتلاف قوي يضم ثلاثة أطراف هي التي تملك الرقم الأكبر تحت قبة مجلس النواب، وهي؛ الكتلة الصدرية، الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة (يتألف من كتلتي عزم وتقدم)".

وشدد على أن "هذه الأطراف قادرة على تشكيل الحكومة بمفردها ومنح أغلبية أصوات البرلمان لمرشح رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، إضافة إلى مرشحي الحقائب الوزارية، من دون الحاجة لأحد".

واستدرك المسعودي "لكن التيار الصدري لا يريد شق صف أحد إطلاقاً، وفتح الباب لمن يريد بأن يكون ضمن مشروع التيار الصدري بتشكيل حكومة أغلبية وطنية. وطبعاً هذا الباب فتح أمام جهات محددة. وفي حال رفضت، فمشروع حكومة الأغلبية ماضٍ، والأطراف الثلاثة التي تمتلك الأرقام الكبيرة في البرلمان ستمرر ما تريده من دون أي عرقلة اطلاقاً".

وتطرح تصريحات المسعودي سيناريو غير مسبوق بالنسبة لتشكيل الحكومة العراقية بعد الغزو الأميركي للعراق. ويتضمن إمكانية الذهاب للبرلمان من دون اتفاق سياسي مسبق بين القوى السياسية النافذة في البلاد، وتحكيم لغة الأغلبية داخل مجلس النواب أيضاً، وليس لغة الاتفاق.

المسعودي: هناك ائتلاف قوي يضم ثلاثة أطراف قادر على تشكيل الحكومة

"الإطار التنسيقي" متمسك بنوري المالكي

في المقابل، قال القيادي في "الإطار التنسيقي"، علي الفتلاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "قوى الإطار حتى اللحظة، ترفض ذهاب أجزاء منها مع التيار الصدري لتشكيل الحكومة، بل نحن مصرون على الذهاب بكل أطرافنا، أو أخذ دور المعارضة".

وتابع "قد نذهب أيضاً لمقاطعة العملية السياسية بالكامل، في حال رفض التيار الصدري مشاركة كل أطراف الإطار معه بتشكيل الحكومة".

وأضاف أن "قوى الإطار التنسيقي كانت تنتظر من الصدر إجراء اتصالات معها بعد زيارته بغداد، من أجل إكمال التفاوض، لكنه لم يتصل، كما أن قيادات الإطار لم تتصل به، وهذا الأمر منع إكمال أي تفاوض وتواصل جديد بين الطرفين".

وأوضح الفتلاوي أن "عدم حصول اجتماعات وتواصل بين الصدر وقوى الإطار التنسيقي أثناء زيارته العاصمة بغداد، لا يعني نهاية التفاوض، بل هناك وقت كافٍ لإجراء الحوار، وهناك نية لعقد جولات جديدة للحوار خلال الساعات المقبلة، فالانسداد السياسي الحاصل لا يصب في مصلحة العراق على كافة الأصعدة، وليس العملية السياسية فقط".

وكان الصدر قد وصل، مساء الأربعاء الماضي إلى العاصمة العراقية بغداد، قادماً من محافظة النجف، بهدف إجراء حوارات لحسم ملف تشكيل الحكومة الجديدة، وذلك في ظل استمرار الجدل بشأن الموقف غير المحسوم لقوى "الإطار التنسيقي"، التي ما زالت تأمل بتقارب مع الصدر، إلا أنها تتحفظ على شروطه.

وتتصاعد أزمة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة بنسختها الثامنة منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، على الرغم من جولة الوساطات الخارجية والداخلية التي شهدتها بغداد والنجف، بسبب تباين المواقف داخل البيت السياسي الشيعي، الذي انقسم لطرفين؛ "الكتلة الصدرية و"الإطار التنسيقي".

ويرفض التيار الصدري الذي تصدّر نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بـ74 مقعداً، التفاوض مع رئيس "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي، بسبب الخلافات العميقة بينهما التي تمتد إلى نحو 14 عاماً مضت. ولم تؤدِّ أي من الوساطات إلى نتائج حاسمة وواضحة في ما يتعلق بإقناع الصدر برفع الفيتو عن المالكي.

الفتلاوي: هناك نية لعقد جولات جديدة للحوار خلال الساعات المقبلة

في السياق، قال المحلل السياسي العراقي، أحمد الشريفي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "قدوم الصدر إلى بغداد وعدم عقد أي اجتماعات مع قيادات الإطار التنسيقي، يؤكد الإخفاق المتجدد لكل جهود تقريب وجهات النظر بين الطرفين؛ سواء كانت من أطراف خارجية أو داخلية".

وأوضح الشريفي أن "الصدر أراد التواصل مع الأطراف الصديقة له في الإطار التنسيقي خلال زيارته إلى بغداد، لكنه وجد هذه الأطراف ما زالت مصرة على موقفها، وهو التمسك بالمالكي، الذي أعلن الصدر بصراحة أنه لا يريد التحالف معه، ولا يريده أن يكون مُشاركاً أو جزءاً من الحكومة الجديدة".

وعبّر الشريفي عن اعتقاده بأن "الأمور ذاهبة نحو الاعتماد على التحالف الثلاثي بين التيار الصدري، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة، وهذا يعني تشكيل حكومة أغلبية كما يريدها الصدر".

ولفت إلى أنه "بذلك، ستكون الحكومة خالية من أي طرف سياسي شيعي، غير التيار الصدري، وبصراحة هذا الأمر لا يريده الصدر أيضاً، فهو لا يريد أن يتحمل المسؤولية لوحده خلال المرحلة المقبلة، ولهذا هو يريد سحب أطراف محددة من الإطار التنسيقي معه في حكومة الأغلبية".

إلى ذلك، اعتبر الناشط المدني العراقي، أحمد حقي، الهجوم على المطار، بأنه "قد يكون في إطار موجة تصعيد أمنية جديدة تنفذها فصائل مسلحة، للضغط على التيار الصدري، وكذلك حكومة الكاظمي للحصول على تنازلات".

وأضاف حقي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "عودة فرض حظر التجوال الليلي في بعض المناطق القريبة من أهداف ومواقع مهمة، من قبل قوات الأمن، قد ينبئ بوجود مخاوف حقيقة من تصعيد أمني، وهو أكثر ما يقلق العراقيين حالياً".

المساهمون