استهداف قادة إيرانيين بسورية: من أين يأتي الاختراق الأمني؟

28 يناير 2024
آثار الهجوم الإسرائيلي في دمشق، 20 يناير (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

أكدت الضربة التي تلقتها إيران في سورية في 20 يناير/كانون الثاني الحالي، من خلال مقتل خمسة قادة إيرانيين من الحرس الثوري بضربة إسرائيلية في دمشق، وجود اختراق أمني للمليشيات الإيرانية في سورية.

ويسجل على الحرس الثوري والوجود الإيراني في سورية عدم ثقة بقوات النظام السوري وأجهزته الأمنية، إذ وجه ضباط إيرانيون عملوا في سورية إلى قوات النظام في السابق انتقادات تتعلق بكفاءتها وإخلاصها في القتال، فيما يغلب الانغلاق على معظم التحركات الإيرانية، لا سيما على مستوى القادة، لجهة التقليل من الانكشاف الأمني أمام أجهزة النظام التي تعتقد إيران أنها مخترقة، على الأقل من قبل روسيا، التي تتنافس معها على النفوذ والانتشار في البلاد.

وفي 20 يناير الحالي، قُتل المستشارون: حجت الله أميدوار وعلي آقازادة وحسين محمدي وسعيد كريمي إلى جانب مستشار خامس مات فيما بعد متأثراً بجراحه، نتيجة ضربة إسرائيلية، بحسب الحرس الثوري الإيراني، فيما قالت وسائل إعلام إيرانية إن من بين القتلى مسؤول استخبارات "فيلق القدس" في سورية ونائبه.

وسبق استهداف القادة الخمسة اغتيال القيادي البارز في الحرس الثوري رضي موسوي أيضاً بضربة جوية إسرائيلية في دمشق، فيما تحدثت صحف إيرانية كذلك عن حوالي 20 قيادياً إيرانياً قتلتهم إسرائيل في سورية منذ عام 2015، بالإشارة إلى تاريخ التدخل الروسي في سورية، لافتة إلى أن تلك العمليات في الآونة الأخيرة لم تتلقَ فيها إيران إخطارات من روسيا، التي تملك آلية تنسيق مع إسرائيل لعدم التصادم في الأجواء السورية المزدحمة.

اختراق أمني في صفوف الإيرانيين

أبرز الدلائل على وجود اختراق أمني وراء الاستهداف للمبنى الذي كان يقطنه القادة في منطقة المزة، غربي دمشق، التي تعد منطقة أمنية بامتياز نظراً لانتشار السفارات وعدد من المكاتب الأمنية، سواء للإيرانيين أو الفصائل الفلسطينية، ظهرت في اليوم الثاني للاستهداف، إذ اعتقلت قوات الأمن السورية عدداً من الأشخاص خلال حملة أمنية واسعة في منطقة "المزة فيلات" بالعاصمة دمشق، أي المكان الذي شهد عملية الاستهداف، وكان من بين المعتقلين صف ضابط من قوات النظام السوري.


مصدر من سكان المزة: الخرق الاستخباري يتعلق بتوقيت اجتماع القتلى

كما قامت المليشيات الإيرانية باعتقال 3 عناصر محليين انضموا حديثاً إلى إحدى المليشيات المتعاونة مع الحرس الثوري الإيراني في بلدة عياش، بريف دير الزور الغربي، بتهمة التجسس والعمالة لصالح جهات خارجية، وذلك بعد قيامها بتفتيش الأجهزة المحمولة لعناصرها.

وكان مصدر من أهالي حي المزة في دمشق قال، لـ"العربي الجديد"، إن المبنى المستهدف مكون من 4 طوابق وقد دمر بالكامل، على الرغم من أن طابقاً واحداً منه فقط مستأجر لصالح الحرس الثوري، مشيراً إلى أن الإيرانيين والمتعاونين معهم يديرون أعمالهم من بعض الشقق ضمن أبنية سكنية في مناطق مختلفة مثل كفر سوسة والمزة فيلات (شرقية وغربية) والصبورة والسيدة زينب، ضمن مناطق محروسة أمنياً لقربها من مقار أمنية أو بيوت ضباط كبار، لكن مجمل أهالي المنطقة يعلمون بوجودهم باعتبارهم إيرانيين أو ليسوا من أهالي المنطقة.

وأوضح المصدر أن الخرق الاستخباري يتعلق بتوقيت اجتماع هؤلاء في المبنى، لأنه في العادة لا ينامون في هذه الشقق كل ليلة، لأن لديهم أماكن بديلة يتناوبون عليها، ويتم تُبدّل بين فترة وأخرى، خصوصاً بالنسبة للمسؤولين العسكريين والأمنيين.

في الأشهر الأخيرة، ومع عودة النظام إلى الجامعة العربية، وتشكيل لجنة وزارية عربية للتواصل معه لحل الملفات العالقة وأبرزها إخراج المليشيات الأجنبية من البلاد، بالإشارة إلى إيران بشكل رئيس، زاد الضغط على رئيس النظام بشار الأسد عربياً في هذا الجانب.

في السياق، رأى الباحث السوري عمار فرهود، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التحديات الحالية تفرض على كل من النظام السوري والقوات الروسية والإيرانية التعاون بعضهم مع بعض للبقاء في حالة تمنع سقوط أحدهم، لأنه بسقوطه سيسقط الباقون".

ولفت إلى أن "هذا النوع من التنسيق الضروري في ظروف إقليمية متشابكة لكل من هؤلاء الأطراف، تدفعهم لممارسة نوع من أنواع الضغط المباشر وغير المباشر بعضهم على بعض. والهدف هو إبقاء هذا الطرف بحالة من التوتر والعمل تحت الضغط والحاجة الزائدة لغطاء الطرف الآخر لتمرير احتياجاته وتأمين تحركاته".

واستبعد فرهود "أن يكون هناك تنسيق على المستويات العليا بين القيادة الروسية أو قيادة النظام السوري وبين الجانب الإسرائيلي بهدف تحييد قادة إيرانيين، لأنه في حال تثبّتَ الإيرانيون من ذلك، فإنهم قادرون بالمقابل على توجيه ضربات استخبارية شبيهة لكل من القوات الروسية أو السورية، في سورية ومن قبل فاعلين آخرين".

ورجح فرهود في هذا الإطار أن "تكون القيادة الأمنية الروسية والسورية على علم بوجود خلايا تجسسية متعاونة مع الموساد داخل الأجهزة الأمنية السورية، أو متعاونة مع القيادات الإيرانية في الداخل السوري، ويُتغافل عن نشاطها، ثم بعد تنفيذ الإسرائيليين ضربتهم، يُلقى القبض على هذه الخلايا تحت عناوين كمكافحة التجسس وملاحقة العملاء".

واعتبر أن "الغاية من هذا التكتيك هو أن كل طرف يريد أن يبقي الطرف الآخر تحت حالة من الضغط والحاجة له كغطاء للحركة والعمل، والنظام في دمشق يتقن هذه اللعبة جيداً، وهو بهذا التكتيك لا يريد أن يخسر الإيرانيين، فمن دونهم سيسقط بشكل سريع، كما أنه لا يرغب في تغوّلهم على سلطاته ومؤسساته".


أيمن محمد: الأسد غير قادر على الحد من النفوذ الإيراني في سورية

من جهته، لفت رئيس تحرير موقع "إيران إنسايدر" السوري أيمن محمد إلى أن "هناك وجهتي نظر حيال الضربات الإسرائيلية التي تستهدف قادة إيرانيين من فيلق القدس في سورية، سواء على المستوى الأمني أو على المستوى العسكري"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن "وجهة النظر الأولى مفادها أن هناك اختراقات إسرائيلية في صفوف المليشيات الإيرانية في سورية ذاتها، التي تقدم معلومات للإسرائيليين، سواء المتعلقة بالأسلحة التي تنقلها إيران إلى سورية ولبنان جواً عبر مطار دمشق وبراً عبر معبر القائم- البوكمال، أو بتحركات واجتماعات المستشارين الإيرانيين في سورية خصوصاً في دمشق ومحيطها".

وأضاف: "أما وجهة النظر الثانية، فتقول إن تقديم مثل هذا الصيد الثمين لإسرائيل لا يأتي إلا من قبل أطراف أمنية تابعة بشكل مباشر لنظام الأسد، خصوصاً في ظل عمل النظام الأمني الدؤوب لمنع أي استهداف لإسرائيل من داخل الأراضي السورية، بمعنى أن جهات أمنية تابعة للنظام هي الوحيدة القادرة على تقديم مثل هذه المعلومات الحساسة للإسرائيليين وحتى للأميركيين عن طريق جهات موثوقة".

الضربات التي تستهدف قادة إيرانيين

وأضاف محمد أن "الهدف من ذلك منع أي عمليات عسكرية انطلاقاً من سورية سواء ضد إسرائيل أو ضد القوات الأميركية، امتثالاً للتهديدات الإسرائيلية الجدية لبشار الأسد، التي وصلت إليه عبر قنوات اتصال مشتركة عربية وغربية، بأن إسرائيل ستستهدفه شخصياً في حال تحولت سورية إلى قاعدة عمليات إيرانية ضد إسرائيل".

ورأى محمد أن "تقديم مثل هذه المعلومات الحساسة للإسرائيليين، خصوصاً بما يخص انعقاد اجتماع أمني رفيع على مستوى إقليمي في قلب دمشق، يحصر الاتهام بجهة أمنية رفيعة تابعة بشكل مباشر لبشار الأسد".

واستبعد دور روسيا في الضربات التي تستهدف قادة إيرانيين في سورية، لأن "العلاقات بين موسكو وطهران تطورت بعد الدعم الإيراني الكبير لموسكو في أوكرانيا، وبالتالي فليس من مصلحة موسكو ضرب مصالح طهران في قلب منطقة تعلم أنها استراتيجية بالنسبة لها".

ولفت إلى أن "بشار الأسد غير قادر على الحد من النفوذ الإيراني في سورية، سواء على المستوى الأمني أو العسكري أو الاقتصادي أو الثقافي، وقد يستطيع توجيه ضربات محدودة بواسطة إسرائيل على مستوى تصفية قادة أو مستشارين، لكنه لا يستطيع أن يحد من النفوذ الإيراني الممتد من دير الزور شرقاً إلى دمشق ودرعا والقنيطرة جنوباً، وإلى حمص واللاذقية غرباً، وإلى حلب شمالاً".

واعتبر محمد أن "الوجود الإيراني يطبق على سورية كشبكة صيد من الصعوبة تفكيكها سواء من قبل الأسد أو من أي دولة قد تفكر بذلك، فالإيرانيون يبرعون في تفكيك الدول وبناء شبكة موازية تصبح بمثابة دولة داخل دولة مع مرور الزمن، أسوة بالحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان".