استهداف "داعش" لفرنسا: محاولات لفهم الأسباب والخلفيات

12 اغسطس 2016
حديث عن استهداف التنظيم للقيم الفرنسية (باتريك هرتزوغ/فرانس برس)
+ الخط -

لا تزال محاولات فهم أسباب استهداف تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) لفرنسا قائمة بعد عمليات عدة نفذها التنظيم في الأراضي الفرنسية، منذ الاعتداء الإرهابي على صحيفة "شارلي إيبدو"، وما تبعه من عمليات دامية أخرى ومتواصلة، وهو ما حاولت مجلة صادرة عن شركة "ريفيريا ميديا إنفيست ليميتيد"، في لندن، الإجابة عنه تحت عنوان "داعش، لماذا فرنسا"؟
استعرضت المجلة نشأة التنظيم وكيف تطوَّر، واعتبرت أن التدخّل الأميركي في العراق، ساهم في انبثاق هذا التنظيم، إضافة إلى دور السجون الأميركية في العراق في تطرّف السجناء العراقيين، ومن بينهم أبو بكر البغدادي، زعيم التنظيم، "الذي كان قريباً من الإخوان المسلمين قبل أن ينزلق إلى السلفية ثم إلى التطرف، حين كان يتقاسم زنزانة السجن مع ضباط صدام حسين السابقين".
ووصفت المجلة جماعة البغدادي، باعتبارها "مجموعة عصرية وبالغة التنظيم". وهي تعمل وفق "تنظيم إداري وعسكري، وأيضاً مالي دقيق، لأنه يتوجّب تشغيل الماكينة، مثل كل اقتصاد، ومثل كل مجتمع. فيجب شراء السلاح وتدريب الجنود ودفع مرتباتهم. فالبعض لا يأتي فقط من أجل القضية، بل من أجل المال أيضاً".
وعن أهداف التنظيم على المدى الطويل، اعتبرت المجلة أن الهدف الأول هو إرساء الخلافة الإسلامية وإلغاء الحدود. والهدف الثاني، هو إطلاق شرارة حروب أهلية في الغرب. ومن هنا يبحث التنظيم كيفية "توليد شروط مناسبة لدفع الشباب للتطرف"، عبر "دفع المسلمين في الغرب إلى الانعزال"، و"حين يشعر هؤلاء بالتمييز والاضطهاد سيكون سهلاً عليهم الاستدارة نحو التطرف، والعثور في خطاب داعش على أجوبة لمسائل الهوية".
كيف يموّل عملياته ودولته؟ عن طريق الاستيلاء على مدينة الموصل عام 2014، فبحسب المجلة "وضع التنظيم يده على الأسلحة (مدافع ودبابات ومصفحات وطائرتين) التي تركها الأميركيون للجيش العراقي"، إضافة إلى "البنك المركزي (200 كيلوغرام من الذهب)"، و"تذهب بعض التقديرات إلى أن داعش يمتلك حوالي 400 مليون يورو. ويدير التنظيم في مدينة الموصل خدمات المياه والكهرباء والتلفزيون، أي كل الخدمات الاجتماعية". وأضافت أن "داعش يدير المصادر الطبيعية (يمتلك 10 في المائة من النفط العراقي و60 في المائة من نفط سورية) والزراعية أيضاً، وهو ما يجعل 82 في المائة من عائداته تأتي منها، من دون إغفال مختلف أنواع الضرائب، إضافة إلى استيلائه على أيقونات دينية مسيحية وتحف أثرية".
وتطرّقت المجلة إلى الدول التي يستهدفها التنظيم، معدّدة منها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وألمانيا والنمسا، من دون إغفال بلجيكا، و"بصفة عامة يهدد التنظيم كل أوروبا، داخل حدودها وخارجها". وركّزت المجلة على فرنسا، قائلة إن "فرنسا ضُرِبَت في قلبها". واستعرضت "استيقاظ العالم، يوم 7 يناير/كانون الثاني 2015، على حمام الدم في قلب باريس"، واكتشاف العالم أن "تنظيم داعش، القوي بـ50 ألف مقاتل، أصبحت لديه إمكانيات بشرية ومالية وعسكرية للعمل في الشرق الأوسط، ولكن أيضاً، على الصعيد العالمي".
المجلة التي استعرضت "الجهاديين من كل العالم"، تساءلت عن السبب الذي يجعل التنظيم ومقاتليه يكرهون فرنسا. وتحدثت عن العمليات الإرهابية العديدة التي استهدفت فرنسا، مشيرة إلى "عوامل عديدة يمكنها أن تفسّر هذه الكراهية المعلنة"، ومن بينها، كما قالت المجلة، "مهاجمة قِيَم فرنسا" وأن فرنسا "هدف رمزي"، لأنها "بلد حقوق الإنسان وفلسفة الأنوار، وبلد العلمانية، أي كل القِيَم التي يحاربها داعش".
وأضافت المجلة سبباً آخر هو "الرد على التدخّلات العسكرية الفرنسية، منذ عام 2013، خصوصاً في دولة مالي وضد مجموعات إرهابية إسلامية عديدة في أفريقيا والشرق الأوسط". وأخذت المجلة على الأوروبيين والأميركيين تراجعهم عن المواجهة المباشرة، مما يجعل من فرنسا، ورئيسها فرانسوا هولاند "القائد الحربي الغربي الوحيد ضد تنظيم داعش". واعتبرت المجلة أن بالإمكان هزيمة الإرهاب، معددة الحلول، ومن بينها "التصدي للمشكلة الكبيرة لهذه العمليات الإرهابية، وهي كون الإرهابيين في غالبيتهم فرنسيين"، مضيفة: "إذا كانت عمليات داعش ضد فرنسا أخطر من تلك التي تضرب دولاً أوروبية أخرى، فلأنه، أيضاً، من السهل ضربنا في عقر دارنا".


أما عن سبب تحوّل فرنسا إلى هدف التنظيم الرقم واحد، فردّته المجلة إلى "انخراطنا العسكري ضد القوى الجهادية"، وهذا الانخراط يمكن التأكد منه في الأدبيات السياسية التي ينشرها التنظيم نفسه، خصوصاً في البيان الذي نشره بعد اعتداءات 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 في باريس، والذي أشار فيه إلى عمليات فرنسا الحربية في سورية، فـ"ماضي فرنسا المسيحي وتاريخها الاستعماري يستخدمهما التنظيم في خطابه ويصبحان مبرّراً لعملياته"، وفق المجلة.
وعن كيفية إعداد الإرهابيين عملياتهم في باريس، قالت المجلة إن مهاجمي باريس في 13 نوفمبر/تشرين الثاني، استغلوا عامل السرعة القصوى، إذ "نفذوا ست عمليات في غضون نصف ساعة"، عدا عملية "مسرح الباتاكلان واختطاف 1500 متفرج كرهائن، والتي دامت أكثر من ساعتين". واعتبرت المجلة أن "العدد الكبير من الضحايا لا يمكن سوى أن يبرهن على الإعداد الدقيق للعمليات"، مشيرة إلى "تنسيق خارجي للاعتداءات"، وكشف عن ذلك رصد آخر رسالة عبر هاتف خلوي للإرهابيين جاء فيها: "لقد انطلقنا. نبدأ".
وتطرقت المجلة إلى مسألة الشباب الفرنسيين الذين يلتحقون بتنظيم "داعش"، كاشفة أن التقديرات الفرنسية تشير إلى انضمام نحو 1300 مواطن فرنسي، من بينهم نحو 150 امرأة، إلى شبكات "جهادية". ولفتت إلى أن عائلاتهم "لم تكن تتصوّر أن تعيش هذا الانكسار والصدمات وهذه الآلام"، متحدثة عن حالات بعض من يريد منهم العودة إلى فرنسا، "والذين يعبّرون عن ندمهم على السفر".
وأفردت المجلة حيزاً للحديث عن حبّة "الكبتاغون"، التي قالت إن أعضاء تنظيم "داعش" يستخدمونها لتفسير الفظاعات التي يرتكبونها، لأنها "توفر لهم قدرات كبيرة". ولكن المجلة استعرضت آراء خبراء، مثل الأنثروبولوجي الأميركي سكوت أتران، نفوا لجوء مقاتلي "داعش" إلى استخدام هذا العقار، وهو رأي أكده الصحافي الفرنسي دافيد تومسون، الذي أضاف: "وحدها القناعة الدينية وحماس المقاتلين ما يفسّر فظاعاتهم".
وأخيراً أفردت المجلة حيزاً لما وصفته بـ"أخطاء السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط"، ورأت أن "السياسة الفرنسية أصبحت موضوع تشكيك، بعد الاعتداءات الإرهابية، وأن الفرنسيين يريدون حلولاً محسوسة من أجل استئصال هذا الشر، الذي يبث الفوضى في مجتمعنا". واستحضرت المجلة "الموقف الفرنسي الموالي لإسرائيل"، مشيرة إلى أن "هولاند أظهر بصفة صريحة، دعمه للحكومة الإسرائيلية، أثناء الحرب على غزة سنة 2014". ووصفت "سياسة فرنسا العربية" بأنها "هشة وقابلة بسهولة للتأثير، بسبب الانفعالات التي تولّدها الأحداث"، وهو ما يستوجب من فرنسا أن "تعيد التفكير في علاقاتنا الدبلوماسية من أجل جمع المصالح المشتركة التي هي شرط ضروري لتحقيق الفعالية واستعادة مناخ من الهدوء". وتساءلت المجلة إن كان بالإمكان هزيمة التنظيم، مجيبة بالإيجاب، لكن شرط "إرساء استراتيجية عسكرية موحّدة" من دون إغفال "تعاون سياسي فعّال"، وأيضاً من دون إهمال "شن حرب افتراضية ضد البروباغاندا الجهادية".