تتجه أصابع الاتهام إلى فصائل عراقية مسلحة مدعومة من إيران بالوقوف وراء الهجمات الصاروخية الأخيرة والمتكررة على حقل "كورمور" الغازي الواقع في ضواحي محافظة السليمانية ضمن إقليم كردستان العراق شمالي البلاد، وهو ما يشكل فصلاً خطيراً في تدخلات هذه الفصائل بملفات حساسة، تتعلق هذه المرة بالطاقة في إقليم كردستان.
ويتحدث مسؤولون في الإقليم لـ"العربي الجديد"، عن أن هدف الهجمات هو الضغط وإفشال خطط أربيل في تطوير قطاع النفط والغاز في محافظات الإقليم الثلاثة (أربيل، السليمانية، دهوك)، إذ تعرّض الحقل الذي تستثمر فيه شركة "دانة غاز" الإماراتية، لأضرار مادية جراء ثلاث هجمات بواسطة 6 صواريخ كاتيوشا، بين الأربعاء الماضي وأول من أمس السبت.
تعرّض الحقل لأضرار جراء 3 هجمات بـ6 صواريخ كاتيوشا
تحركات لتأمين حقل كورمور
وعلمت "العربي الجديد" أن قوة من البشمركة وصلت إلى بلدة قادر كرم، حيث يقع الحقل الذي يقدر احتياطي الغاز فيه بأكثر من 8 تريليونات قدم مكعبة، وهو من بين أكبر حقول الغاز في العراق.
وقال مسؤول أمني في قوات البشمركة، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن القوة ترافقها وحدات من جهاز مكافحة الإرهاب، وتهدف بالدرجة الأولى لتأمين المنطقة.
وأضاف أن "الصواريخ تنطلق من الأساس من أماكن تقع في مناطق تحت سيطرة فصائل مسلحة أبرزها عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، وفصيل محلي تم تشكيله من أبناء منطقة طوزخورماتو (جنوب السليمانية)، وهذه الأماكن تقع على مسافة أقل من 25 كيلومتراً من الحقل".
وندد الرئيس العراقي برهم صالح بالهجمات، واصفاً إياها بـ"المحاولات الإجرامية"، في دلالة على استبعاد كون الهجمات ذات طابع إرهابي. واعتبر في تغريدة على "تويتر" أول من أمس، أن هذه الهجمات "تستهدف استقرار البلد وضرب الاقتصاد الوطني".
أما نائب رئيس حكومة إقليم كردستان، قوباد الطالباني، فأشار إلى أن التحقيقات في الهجمات متواصلة، لكنها لم تسفر عن أي نتائج إلى الآن، معتبراً في تصريحات له أن هذه الهجمات "قد تلحق ضرراً معنوياً بإقليم كردستان وتبعث على القلق، لكن عزيمة شعب كردستان والشركات العاملة في الإقليم، أكبر من أن تنهار بصاروخين".
مسؤولية الفصائل المسلحة عن استهداف حقل كورمور
وبشأن القصف، قال سياسي بارز في مدينة أربيل، لـ"العربي الجديد"، إن "المعلومات المؤكدة هي وقوف الفصائل المسلحة وراء القصف وليس تنظيم داعش"، مضيفاً "الفصائل التي تسيطر على منطقة طوزخورماتو هي ذاتها المسؤولة عن الهجوم أو على الأقل متواطئة في تنفيذه".
وتابع: "الصواريخ التي استهدفت أربيل في مرات سابقة هي من النوعية نفسها التي استهدفت الحقل الغازي"، موضحاً أن "الشركة الإماراتية العاملة في الحقل تعمل معها شركات ثانوية أخرى، ولا يوجد قرار بالانسحاب من الحقل أو إيقاف أعمال التطوير والاستكشاف فيه".
واعتبر أن "استهداف تطوير قطاع الغاز قد تكون له أبعاد إقليمية مرتبطة بالخلاف مع بغداد حول آلية إدارة ملف الطاقة، ولا يمكن استبعاد مسألة انزعاج إيران من وجود منافس لها في المستقبل في السوق التركية أو حتى الأوروبية". وختم بالقول إن "رسائل الكاتيوشا من الفصائل المسلحة باتت تفرض نفسها على مجمل الملفات الداخلية العراقية".
الصواريخ تنطلق من أماكن تقع تحت سيطرة فصائل مسلحة
من جهته، قال المستشار السابق في رئاسة حكومة إقليم كردستان، كفاح محمود، لـ"العربي الجديد"، إن "الفصائل المسلحة هي المتهمة، ولا يوجد غيرها، لا سيما وأن الصواريخ انطلقت من مناطق قريبة من منطقة الحادث".
ولفت إلى أن "المناطق المحاذية لإقليم كردستان تسيطر عليها جماعات مسلحة من الموالين لإيران، وألوية من الحشد الشعبي، وهي تعمل على الدخول في الصراع على ملف الطاقة، خصوصاً أن إقليم كردستان شرع بإنتاج الغاز عبر شركات طموحة، وبتأسيس شركات أخرى تتغذى على الخزان الغازي الهائل في الإقليم، ومن المفترض أن يُساهم هذا الإنتاج بسد الحاجة العراقية من الغاز، وهو ما يزعج الإيرانيين بكل تأكيد".
في المقابل، ادعى المتحدث باسم "كتائب حزب الله"، جعفر الحسيني، عبر صفحته على "تويتر"، أن "مجموعات مارقة تسكن في طوزخورماتو، وعلى ارتباط بالمخابرات التركية، هي من تقوم بقصف حقول كردستان".
لا انسحاب لـ"دانة غاز" الإماراتية من حقل كورمور
في هذا الوقت، نفت وزارة الثروات الطبيعية في إقليم كردستان أي احتمال لانسحاب شركة "دانة غاز" الإماراتية العاملة في الحقل، مشيرة إلى أنها "ليست المرة الأولى التي يتعرّض فيها الحقل للهجوم، من دون أن يتوقف إنتاج الغاز بأي شكل من الأشكال".
وتستثمر "دانة غاز" منذ عدة سنوات في حقل "كورمور"، وفقاً لاتفاق مع حكومة كردستان يشمل تطوير البنى التحتية للحقل ورفع طاقته الإنتاجية ليكون قادراً على تغذية جميع محطات الطاقة في الإقليم.
لكن مع بداية الحرب الروسية على أوكرانيا برز الحقل كأحد الخيارات التركية لاستيراد الغاز من العراق كبديل عن الغاز الروسي، خصوصاً مع وجود إمكانية مد شبكات أنابيب إلى داخل تركيا في غضون أقل من عام.
ومطلع فبراير/ شباط الماضي، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن العراق قد يزوّد بلاده بالغاز الطبيعي، مؤكداً أن تركيا لا تواجه نقصاً في مخزون الغاز. وأوضح أنه ناقش مع رئيس إقليم كردستان نيجرفان البارزاني إمكانية تزويد تركيا بالغاز الطبيعي. وجاءت هذه التصريحات بعد تراجع حجم إمدادات تركيا من الغاز الإيراني.
وتعليقاً على هذه التطورات، اعتبر عضو حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (الحاكم في مدينة السليمانية)، صالح فقي، أن "العدائية التي تظهر في تصريحات بعض الأحزاب العراقية، وحتى المسؤولين، تخلّف عادة صواريخ على الإقليم، وبالتالي، فإن ما يحصل في السليمانية هو نتيجة ما تضمره الإرادة المتطرفة في بغداد".
وأضاف في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "ملف الطاقة واستهدافها من قبل الجماعات المسلحة يقع على عاتق حكومة الإقليم، وهي مسؤولة عن التواصل مع الحكومة الاتحادية لوضع حدٍ لاستهداف أمن كردستان والمنشآت الاقتصادية".
وأوضح أن "جهاز مكافحة الإرهاب في السليمانية أرسل قوات إضافة إلى مناطق الحقول النفطية والغازية، في حين تواصلت الحكومة المحلية في السليمانية مع الشركة الإماراتية، وقالت الأخيرة إنها لن تغادر مساحة عملها".
جعفر الحسيني: مجموعات مارقة على ارتباط بالمخابرات التركية، هي من تقوم بقصف حقول كردستان
ضغط على إقليم كردستان
أما الباحث في الشأن السياسي العراقي، شاهو القرة داغي، فقال في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "كان من المتوقع حصول هجمات صاروخية تستهدف حقل كورمور في ظل الضغوط التي يتعرض لها إقليم كردستان، خصوصاً في مجال الطاقة ومحاولات عرقلة تطوير هذا القطاع المهم فيه".
وأضاف "هذا فضلاً عن قرب الحقل من نقاط عسكرية لفصائل الحشد الشعبي، وقدرتها على استهدافه بسهولة عن طريق استغلال مناطق الفراغ الأمني بين البشمركة والجيش العراقي".
وتابع المتحدث نفسه أن "طبيعة الهجمات تكشف الجهات التي قد تكون متورطة فيها، وهي الفصائل المسلحة التي تقوم بتنفيذ هجمات تخريبية لتحقيق مصالح ذاتية أو خارجية، كما رأينا في استهدافات الحوثيين لمنشآت النفط في السعودية لتحقيق المصالح الإيرانية".
واعتبر أنه "من المعروف أن هذه الفصائل لا يمكن أن تتحرك وتقوم بهكذا عمليات بصورة ذاتية، لأن استهداف حقل كورمور الاستراتيجي يُشكل ضربة قاسية للإقليم الذي كان يطمح لتعزيز ثقله وموقعه محلياً وإقليمياً ودولياً عن طريق تطوير هذا الحقل".