في سياق سياسة اصطياد قادة تنظيم "داعش" الذي ما يزال يمتلك القدرة على شنّ هجمات في سورية، نفذ التحالف الدولي ضد الإرهاب فجر أمس الخميس عملية إنزال في ريف حلب الخاضع لفصائل المعارضة السورية، انتهت باعتقال أحد قادة التنظيم.
ونقلت وسائل إعلام عن مسؤولين أميركيين تأكيدهم أن الشخص المعتقل في عملية الإنزال التي جرت في ريف بلدة جرابلس في ريف حلب الشمالي الشرقي، هو هاني أحمد الكردي. مع العلم أن منصب "والي الرقة" في التنظيم قبل أن يُطرد "داعش" من المدينة عام 2017، كان يشغله شخص يدعى هاني الكردي، لكن لم يتم التأكد أمس ما إذا كان الشخص الذي اعتقل من قبل التحالف هو نفسه "والي الرقة" أو شخص آخر يحمل نفس الاسم.
اعتقال والي الرقة؟
وقال التحالف الدولي في بيان إن المعتقل هو صانع قنابل يتمتع بالخبرة وأصبح أحد كبار قادة التنظيم في سورية، مشيراً إلى أنه "تم التخطيط للعملية بدقة للحد من الأضرار الجانبية، خصوصاً أي ضرر محتمل في صفوف المدنيين".
وأكد التحالف أن قواته "ستواصل مطاردة فلول تنظيم داعش أينما كانوا لضمان إلحاق هزيمة دائمة بهم"، مشيراً إلى "عدم تعرّض أي مدني لأذى خلال العملية في سورية ولم يلحق أي ضرر بعناصر التحالف أو طائراته".
هذه أول عملية إنزال أميركية بطائرات مروحية في مناطق خاضعة لسيطرة الجيش الوطني المعارض
من جهته، قال المتحدث باسم الجيش الوطني السوري المعارض، الرائد يوسف حمود، لوكالة "رويترز"، إن هذه أول عملية إنزال أميركية بطائرات مروحية في مناطق خاضعة لسيطرة هذا الجيش. كما نقلت "رويترز" عن مصدر على صلة بقوات المعارضة في المنطقة أن اشتباكات اندلعت أثناء العملية.
أما المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقال إن القيادي الذي جرى اعتقاله "لم يكن والي الرقة، لكنه من قيادات الصف الأول في تنظيم داعش وخبير متفجرات". وأشار إلى أن "بيان التحالف الدولي أخفى اعتقال آخرين كانوا مع القيادي من الجهاديين، كما أخفى التحالف استهداف المروحيات بالرشاشات من الأرض"، مؤكداً أنه "كان هناك اشتباك ما بين الموجودين في مزرعة غرب جرابلس في ريف حلب الشرقي، والقوات التي كانت تنفذ عملية الإنزال لاعتقال القيادي في التنظيم".
وأكد المرصد أن طائرات التحالف الدولي نقلت المعتقلين من التنظيم إلى قاعدة في منطقة خراب عشق بريف عين العرب (كوباني)، شمال شرقي حلب، والخاضعة لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد).
وتأتي عملية فجر أمس الخميس في سياق سياسة التحالف الدولي القائمة على تحييد أكبر عدد من قياديي تنظيم "داعش" لشله، ومنعه من شن هجمات في سورية.
وكانت طائرات التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، قد نفذت مطلع فبراير/شباط الماضي عملية إنزال في منطقة أطمة بريف إدلب شمال غربي سورية، انتهت بمقتل زعيم تنظيم "داعش" عبد الله قرداش، الملقب بـ"أبو ابراهيم الهاشمي القرشي". ولكن العملية الكبرى والأهم للتحالف الدولي تلك التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول 2019، حين حاصر زعيم التنظيم في حينه أبو بكر البغدادي في مخبأ له في ريف إدلب، ليس بعيداً عن الحدود السورية التركية، ففجر سترة ناسفة كان يرتديها، ما أدى لمقتله مع بعض أفراد عائلته.
انتشار "داعش" في الشمال السوري
ومن المتوقع أن تؤدي عمليات استهداف رؤوس التنظيم في سورية إلى الحد من خطورته، وربما تقلل قدرته على شن هجمات واسعة النطاق. وتؤكد هذه العمليات وسواها وجود ثغرات أمنية في مناطق سيطرة فصائل المعارضة السورية تتيح لقياديين وعناصر من تنظيم "داعش" التسلل إلى هذه المناطق وإيجاد ملاذ لهم.
لكن الباحث في مركز "الحوار السوري" ياسين جمول، رأى في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الشمال السوري اليوم متداخل بشكل معقّد، من حيث السيطرة والسكان والمؤثرين". وأضاف: "لا يمكن لأحد أن يزعم سيطرته التامة على قطاعه؛ فكل المناطق تتوزّع السيطرة فيها بين الفصائل المتداخلة، وهناك مَن يتسلل إلى مناطق السيطرة التركية قادماً من مناطق "قسد" ومن مناطق سيطرة نظام الأسد، فضلاً عن عناصر التنظيم الذين بقوا في المنطقة بعد انتهاء المعارك وهم بمثابة خلايا نائمة وعناصر مختبئين".
ولا يستغرب جمول "وجود عناصر من داعش في كل منطقة من مناطق الشمال السوري"، مضيفاً: "مع غياب سلطة أمنية موحَّدة وواقع التنازع الفصائلي والمناطقي الموجود، مع الأسف فنحن ندفع ثمن ذلك، إما بعمليات تفجير واغتيال من تلك الخلايا النائمة، أو عمليات خارجية للقبض على عناصر كما حصل فجر الخميس".
جمول: الشمال السوري اليوم متداخل بشكل معقّد، من حيث السيطرة والسكان والمؤثرين
وكان التحالف الدولي قد قتل العديد من القياديين في التنظيم بعمليات قصف جوي في عدة مناطق سورية، لعل من أهمهم المدعو أبو محمد العدناني، المتحدث باسم التنظيم في حلب وقائد عملياته الخارجية، وكان من أهم وجوه التنظيم السورية، وقُتل منتصف عام 2016 بغارة جوية أميركية استهدفت سيارة كان يستقلها في ريف حلب.
وطُرد تنظيم "داعش" من الشمال السوري بعملية عسكرية واسعة قام بها الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية منتصف عام 2016 وانتهت مطلع عام 2017، ليبدأ رحلة تراجع كبير بعد صعود دراماتيكي خلال عامي 2014 و2015 حيث سيطر خلالهما على نحو نصف مساحة سورية، وهدد مدناً كبرى منها حلب كبرى مدن الشمال، وحمص كبرى مدن الوسط السوري.
وأعلن التحالف الدولي مطلع عام 2019 القضاء على "داعش" في منطقة شرقي الفرات، إلا أن التنظيم الذي انكفأ إلى البادية السورية ما تزال لديه القدرة العسكرية على شنّ هجمات واسعة النطاق، آخرها كان الهجوم على سجن الحسكة مطلع العام الحالي والذي كان يضم سجناء من التنظيم.
وينشط "داعش" من خلال خلايا نائمة أو "ذئاب منفردة" في ريف دير الزور الشرقي الخاضع لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، وهي ذراع التحالف الدولي البري في محاربة هذا التنظيم، الذي يشن هجمات متكررة على قوات النظام والمليشيات الإيرانية في البادية السورية، بل إن مصادر محلية تؤكد ان التنظيم يفرض سيطرة كاملة على هذه البادية ليلا.
وفشل الطيران الروسي وعدة حملات برية قامت بها قوات النظام ومليشيات محلية مدعومة من روسيا، وأخرى إيرانية، في إيقاف هجمات التنظيم في البادية السورية المتصلة جغرافيا ببادية الأنبار غربي العراق، حيث ينشط التنظيم أحيانا هناك.