يفتح الهجوم الجديد على مطار أربيل الدولي، ليل الأربعاء - الخميس، والذي تزامن مع هجوم صاروخي هو الأول من نوعه على معسكر صغير (معسكر زليكان) للقوات التركية شمال شرقي الموصل في بلدة بعشيقة، صفحة مواجهة جديدة في مناطق شمالي العراق ضمن محافظة نينوى وإقليم كردستان، وتحديداً مدينة أربيل التي تضم أضخم تواجد عسكري غربي في قاعدة حرير شمالي المدينة الملاصقة لمطار أربيل.
وفي تطورات الهجمات، أعلنت حكومة إقليم كردستان، أن طائرة مسيّرة مفخخة هاجمت موقعاً للتحالف الدولي في مطار أربيل، من دون أن يسفر ذلك عن أي خسائر بشرية. لكن مصادر خاصة بـ"العربي الجديد"، أكدت أن خسائر مادية لحقت بمبنى خُزّنت فيه معدات عسكرية داخل الموقع المستهدف، اندلعت فيه النيران واستدعى دخول فرق الإطفاء المدني للمرة الأولى إلى داخل القاعدة للتعامل معه والسيطرة عليه.
أسفر الهجوم الذي استهدف معسكراً صغيراً في بعشيقة عن مقتل جندي تركي
ووفقاً لمسؤول عسكري في قوات البشمركة، تحدث لـ"العربي الجديد" عبر الهاتف من مدينة أربيل، فإن استخدام طائرة مسيّرة مفخخة في الهجوم يأتي رداً على تفاهمات سابقة بين حكومة مصطفى الكاظمي وأربيل بشأن إبعاد المليشيات عن حدود الإقليم، ويفهم على أنه رسالة من المليشيات بأن هذا الإجراء لن يوقف الهجمات على أربيل واستخدام الطائرات المسيّرة وسيلة بديلة عن القصف الصاروخي. وأضاف المسؤول أن الطائرة المستخدمة تمّ جمع أجزاء منها، ويظهر أنها ليست محلية الصنع، بل من جيل متوسط لطائرات "الدرون" ثابتة الجناح، وكانت تحمل شحنة متفجرة لا تقل عن 10 كيلوغرات من مادة "تي أن تي"، مرجحاً أن تكون الطائرة من بين معدات حصل عليها العراق خلال حربه مع تنظيم "داعش" من دولة مجاورة، في إشارة إلى إيران. وبحسب المسؤول، فإن تفاصيل جديدة حول الاعتداء ستنشر خلال الـ48 ساعة المقبلة بمشاركة التحالف الدولي الذي يحقق بالهجوم، ملمحاً إلى أن الإقليم قد يستخدم حقّ الرد على تلك الهجمات باستهداف المناطق التي تنطلق منها الاعتداءات، وتحديداً مواقع المليشيات في حال لم تكن بغداد قادرة على لجمها.
وبعد ساعات من هجومي أربيل وبعشيقة، تعرض مقرّان لـ"الحشد الشعبي" في منطقتي برطلة وبارميا الحدوديتين مع إقليم كردستان، إلى هجومين صاروخيين ورشقات مدفعية، أسفرت عن جرح عدد من عناصر المليشيات التابعة لـ"الحشد". واتهم جاسم الشبكي، وهو أحد أفراد "الحشد"، البشمركة، بالوقوف وراء الهجومين، وقال إن "المناطق التي نفذ منها الهجومان خالية من داعش، ونعتقد أن البشمركة هي الجهة التي تقف وراءهما رداً على قصف أربيل الذي تتهمنا فيه"، مضيفاً في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "قيادة الحشد سبق أن نفت أي علاقة لها بالهجمات على أربيل، لكن الأكراد مصرون على تبني الحملة الأميركية ضد الحشد الشعبي".
في المقابل، أكد مسؤولون في قيادة عمليات الجيش في محافظة نينوى، أن الهجوم الصاروخي الذي استهدف معسكر "زليكان"، والمعروف أيضاً باسم معسكر بعشيقة (35 كيلومتراً شمال شرقي الموصل) والذي تتواجد فيه قوة تركية صغيرة لا تتجاوز 200 عنصر، منذ منتصف يناير/كانون الثاني 2015، نُفذ من منطقة تتواجد فيها مليشيا "الحشد الشبكي"، أبرز الفصائل التي تنتشر في مناطق سهل نينوى ومدعومة من طهران. وأكد ضابط رفيع في الجيش العراقي لـ"العربي الجديد"، أن الهجوم الذي وقع بالتزامن مع الهجوم الذي استهدف مطار أربيل، أسفر عن مقتل جندي تركي، كما أصيبت طفلة عراقية في قرية مجاورة للمعسكر بجروح خطيرة، وجرى تنفيذه من منطقة تل عدس التي تخضع لسيطرة "الحشد الشبكي"، أو ما يعرف بـ"اللواء 30".
الهجوم بطائرة مسيّرة على أربيل يعني تطوراً في سلسلة الاعتداءات التي كانت تتم بالصواريخ
وكان رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي قد تعهد لإقليم كردستان بفتح تحقيق لكشف الجهات التي تقف وراء الهجوم الذي تعرض له مطار أربيل. وقال المتحدث العسكري باسم الكاظمي، اللواء يحيى رسول، في بيان، إن الأخير "وجّه بفتح تحقيق فوري في الاعتداءات التي حدثت في أربيل ومناطق أخرى"، واصفاً الهجوم بأنه "نوع من الأعمال الإرهابية هدفها زعزعة الأمن".
وأجرى رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني، اتصالات هاتفية مع رئيسي الحكومة والبرلمان العراقي، الكاظمي ومحمد الحلبوسي، بحث فيها منع تكرار الهجمات على أربيل، وضرورة حمايتها من خطر الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون. وذكر بيان لحكومة الإقليم، أن "رئيس حكومة كردستان كتب سلسلة تغريدات على حسابه في تويتر، ندّد خلالها بالهجوم الإرهابي على مطار أربيل الدولي، مؤكداً أن هذه الهجمات محاولة سافرة لتقويض أمننا الداخلي وتعاوننا مع التحالف الدولي". وأضاف "يجب على أي جماعات مسلحة لا تعمل ضمن قوات الأمن العراقية الرسمية، الانسحاب فوراً من حدود إقليم كردستان، وسأجري في الأيام المقبلة محادثات مع شركاء عراقيين ودوليين لبحث السبل الكفيلة لتحقيق ذلك"، مؤكداً أنه تحدث مع الكاظمي والحلبوسي "لإعادة التأكيد على الهدف المشترك المتمثل في محاسبة هذه الجماعات الخارجة على القانون". وشدّد على أن "أعضاء الجماعة الإرهابية المسؤولة عن هذا الهجوم سيُحاسبون على أعمالهم". كما بحث وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، وبارزاني، الهجمات التي وقعت في أربيل والمعسكر التركي في بعشيقة، بحسب بيان صادر عن مكتب بارزاني. من جهتها، التزمت الفصائل المسلحة والجهات السياسية القريبة منها، الصمت، ولم تصدر حتى مساء أمس الخميس، أي تصريحات أو إدانات للاستهدافات أو للجهة التي تقف وراءها.
ويعد هذا الهجوم، الثاني من نوعه خلال العام الحالي، إذ قتل متعاقد مدني أجنبي وجرح خمسة آخرون بالإضافة إلى جندي أميركي، بهجوم بصواريخ استهدف قاعدة للتحالف قرب مطار أربيل منتصف فبراير/شباط الماضي، سبقه هجوم في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أيضاً. وأعلنت السلطات الأمنية في إقليم كردستان العراق، في مارس/آذار الماضي، نتائج التحقيق بالقصف الصاروخي في فبراير، وعرضت اعترافاً لأحد المنفذين الذي أكد ارتباطه بمليشيا "كتائب سيد الشهداء".
ولا يبدو أن الإقليم يعوّل على التحقيقات التي تجريها بغداد، خصوصاً أن لجنة سابقة أعلنت بغداد عن تشكيلها في الهجوم السابق على أربيل منتصف فبراير، لم تكشف لغاية الآن عما توصلت إليه، على غرار نحو 20 لجنة أخرى مماثلة شكلتها بغداد عقب هجمات طاولت قواعد ومعسكرات عراقية. وقال عضو الحزب "الديمقراطي الكردستاني" الحاكم في الإقليم، علي كركولي، لـ"العربي الجديد"، إن "لجان بغداد التحقيقية باتت تشبه إلى حد كبير لجان محاربة الفساد في بغداد، فلا يعول عليها بشيء"، مبيناً أن "المعلومات المتوفرة لدينا هي أن مليشيات مرتبطة بإيران تقف وراء الهجوم، ولا أحد يملك إمكانية لتنفيذه غيرها". وأضاف أن "الإقليم من حقّه أن يطلب من الولايات المتحدة ومجلس الأمن المساعدة في حمايته من تلك المليشيات، بما أن بغداد عاجزة عن حمايته وحماية نفسها منه".
من جهته، أوضح النائب العراقي، ديار برواري، لـ"العربي الجديد"، أن "قوات التحالف الدولي دخلت على خط التحقيق وننتظر قريباً صدور بيان بشأن الهجوم"، مضيفاً أن الهجوم بطائرة مسيّرة "يعني تطوراً خطيراً في سلسلة الاعتداءات التي كانت تتم بالصواريخ، وتترافق مع ضغوط سياسية على الإقليم في ملفات عدة"، متهماً من وصفهم بـ"مليشيات معروفة"، بالوقوف وراء الهجوم.
الخبير في الشأن السياسي والأمني العراقي، أحمد النعيمي، رأى أن تصعيد المليشيات انتقل من بغداد إلى شمال العراق، لكن اللافت هو استهداف المعسكر التركي أيضاً في هجوم ليل الأربعاء. وأضاف النعيمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الفصائل المسلحة العاملة في العراق لا تتحرك بمثل هذه الهجمات بشكل انفرادي، لذا فإن استهداف معسكر بعشيقة التركي قد يكون له دلالة كبيرة في ما يتعلق بالعلاقات الإيرانية - التركية في الفترة الأخيرة والخلافات حول عدد من الملفات، إذ من البديهي أن أي رسائل تريد إيران إيصالها لأي جهة، سيكون العراق ساحة لها من خلال المليشيات.
واعتبر النعيمي أن استمرار نشاط المليشيات في مناطق ذات غالبية مسيحية مثل بعشيقة شمال شرقي الموصل، التي زارها البابا فرنسيس الشهر الماضي، يعني أن حكومة الكاظمي لم تحقق أي تقدم بشأن إخراجها من تلك المناطق، كما أنه قد يفتح باب مواجهة جديد في نينوى، محملاً حكومة الكاظمي "جزءاً من المسؤولية بسبب ضعفها أمام المليشيات وتحركاتها المستمرة ضد إرادة الدولة". وحول الهجوم على أربيل، اعتبر الخبير السياسي والأمني أنه قد يكون رسالة جديدة بشأن الموقف الكردي من التمسك بالوجود الأميركي في الإقليم، بأنهم لن يكونوا في مأمن بوجود قوات أميركية، وعليهم أن يصطفوا مع القوى المؤيدة لخروج القوات الأميركية من العراق".