استمرار الاحتجاجات في إيران ودعوات رسمية لـ"إنزال أشد العقوبات"

30 سبتمبر 2022
تصاعدت دعاية النظام الإيراني ضد الاحتجاجات (Getty)
+ الخط -

بعد مرور أسبوعين على وفاة الشابة الإيرانية مهسا أميني عقب احتجازها من قبل شرطة الأخلاق، أظهرت مقاطع مصورة على شبكات التواصل، اليوم الجمعة، تجمعات في مدينتين إيرانيتين مع تراجع زخم الاحتجاجات على المستوى الوطني، فضلاً عن تعالي دعوات النظام لـ"الحزم" و"إنزال أشد العقوبات" بحق من يوصفون بأنهم "مثيرو الشغب".

وانتشرت مقاطع مصورة، لم يتسن لـ"العربي الجديد" التأكد من صحتها، عن تنظيم تجمعين احتجاجيين في مدينتي الأهواز وأردبيل. ويظهر المقطع المصور لتجمع الأهواز رفع المحتجين هتافات سياسية وإطلاق الشرطة غازاً مسيلاً للدموع. كما أن المقطع المصور لتجمع أردبيل يظهر تفريق الشرطة المحتجين.

كما انتشرت مقاطع مصورة عن مصابين بين المواطنين في مدينة زاهدان، بالإضافة إلى سماع إطلاق نار كثيف بعد انتهاء صلاة الجمعة.

بالتزامن مع هذه التحركات، تصاعدت دعاية النظام الإيراني ضد الاحتجاجات، حيث دعا رجل الدين محمد جواد حاج علي أكبري، في خطبة صلاة الجمعة في طهران، إلى "إنزال أشد العقوبات بحق مثيري الشغب والفتنة"، و"إزالة الغموض" حول حادثة وفاة الشابة مهسا أميني، "لكي يتكشف ما حصل بدقة ولا يبقى أي مجال للأعداء لاستغلاله"، حسب قوله.

واستنكر رجل الدين الإيراني المحافظ مواقف بعض المشاهير الإيرانيين في السينما والموسيقى والرياضة في دعم المحتجين، واصفاً هؤلاء المشاهير بأنهم "وجوه مفلسة أثلجوا صدر العدو"، كما طالب خطيب جمعة طهران بالتفريق بين الشباب المحتجين الذي وصفهم بأنهم "مخدوعين" وبين "مثيري الشغب"، مؤكداً أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية "لن تتسامح مع أحد في أمن البلاد"، مشيداً بهجمات "الحرس الثوري" الإيراني خلال الأيام الأخيرة على مواقع للمعارضة الكردية داخل إقليم كردستان العراق، كما اتهم هذه الفصائل "الانفصالية" بممارسة "أنواع المفاسد" ضد أمن إيران على مسافة 50 و60 كيلومتراً من الحدود الإيرانية.

كما وصف خطيب صلاة الجمعة في مدينة قم، رجل الدين محمد سعيدي، الاحتجاجات الأخيرة في إيران بأنها "فتنة"، قائلاً إنها "كانت أضعف بكثير من فتنة 2009"، في إشارة إلى الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها إيران ذلك العام على نتائج الانتخابات الرئاسية.

ومع الإعلان عن اعتقال بعض المشاهير ممن دعموا الاحتجاجات، والذين تتهمهم السلطات بـ"تأجيج الشغب" في الشارع الإيراني، أعلن مشاهير رياضيون وفنيون وسينمائيون عن تضامنهم مع المعتقلين، مشددين على ضرورة الإفراج عنهم.

كما دعا العديد من الوجوه الإيرانية البارزة في كرة القدم والسينما، خلال الساعات الماضية، إلى الإفراج عن اللاعب السابق في فريق "برسبوليس" لكرة القدم حسين ماهيني، والمغني شروين حاجي بور، الذي غنى أبياتا شعرية عن أوضاع البلاد قبل أيام.

فيما اعتقلت السلطات الإيرانية أيضاً المذيع السابق بالتلفزيون المحلي محمود شهرياري، فضلاً عن تقارير رسمية عن صدور أوامر باعتقال ممثلين، منهم حامد بهداد والممثلة كتايون رياحي، التي خلعت حجابها خلال الاحتجاجات، إضافة إلى اعتقال نحو 20 صحافياً، حسب لجنة حماية المعتقلين التي يقع مقرها في نيويورك.

والسمة البارزة للاحتجاجات الأخيرة في إيران، والتي تعد الأكبر منذ عام 2019 بعد الاحتجاجات على رفع أسعار البنزين، هي انخراط العديد من الفنانيين والرياضيين والممثلين فيها، عبر دعم المحتجين والدعوة للتظاهر وانتقاد السلطات.

وأثار موقف هؤلاء الفنانين حفيظة السلطات وعرّضهم لهجمات واسعة على وسائل إعلام رسمية ومحافظة، مع اتهامهم بقيادة الاحتجاجات والضلوع في أعمال تخريب وعنف خلال الاحتجاجات، والعلاقة مع "معارضي الثورة في الخارج وأعداء البلاد"، فضلاً عن الوعيد بملاحقتهم ومحاكمتهم بتهمة "إثارة الشغب".

من جهته، اتهم البرلماني المحافظ، محمد رضا ميرتاج الديني، المشاهير الإيرانية من السينمائيين والفنانين والرياضيين الداعمين الاحتجاجات "بالخيانة"، داعياً إلى "تطهير ثوري آخر" في البلاد ضد هؤلاء، على غرار ما حصل بدايات الثورة الإسلامية عام 1979.

واتهم ميرتاج الديني من سماهم "الدواعش والملكيين والمنافقين والانفصاليين والإرهابيين" بالسعي لزعزعة أمن إيران من خلال دعم وتأجيج "أعمال الشغب".

إلى ذلك، أعلنت السلطات المحلية في محافظات إيرانية عن اعتقال المزيد ممن تصفهم بـ"مثيري الشغب"، وأفادت وكالة "تسنيم" الإيرانية باعتقال "عنصرين رئيسين للاضطرابات" في مدينة سنندج، مركز محافظة كردستان. كما وردت أنباء غير رسمية عن اعتقال السلطات ناشطين وأساتذة جامعات داعمين للاحتجاجات بتهمة حث الشارع على "الشغب".

وأفاد التلفزيون الإيراني بأن "مسلحين مجهولين هاجموا مقراً للشرطة" في مدينة زاهدان، مركز محافظة سيستان وبلوشستان، مشيراً إلى أن الهجوم خلف إصابات في صفوف قوات الشرطة.

وقال مجلس تأمين أمن المحافظة، في بيان بثه التلفزيون تعليقاً على الحادث، إن أشخاصاً أرادوا زعزعة أمن زاهدان من خلال إطلاق النار، مؤكداً أن الأجهزة الأمنية والشرطة سيطرت على الموقف.

ودعا مجلس تأمين أمن محافظة سيستان وبلوشستان سكان المحافظة إلى "عدم الاهتمام بالشائعات التي يثيرها المعارضون".

وراجت خلال الأيام الأخيرة أنباء عن اغتصاب شرطي فتاةً بمدينة تشابهار في المحافظة، وهو ما أثار موجة غضب، ومهاجمة مقار حكومية في المدينة.

ودعا رجل الدين السني البارز المولوي عبد الحميد إسماعيل زهي، الخميس، السلطة القضائية إلى "البت الخاص والعاجل" لما يطرح عن اغتصاب شابة، وأكد ضرورة الشفافية، وتنفيذ العدالة في هذا الخصوص. كما أثار الموضوع "تشنجاً وقلقاً عاماً"، واستفز غيرة الأهالي.

ولم تعلن السلطات الإيرانية بعد عن حصيلة القتلى والمعتقلين والمصابين بالاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت في السابع عشر من الشهر الجاري، لكن التلفزيون الإيراني أفاد قبل أيام بأن عدد القتلى هو 41 شخصاً، غير أن منظمة "حقوق الإنسان في إيران"، ومقرها في أوسلو، أعلنت أمس الخميس أن عدد القتلى وصل إلى 83 شخصاً. وحسب تقارير إيرانية رسمية، فإن من بين القتلى نحو 10 عناصر من الأمن وقوات "الباسيج" التابعة للحرس، وهناك أكثر من مائتي جريح منهم. كما اعتقلت السلطات الإيرانية، حسب إعلانات منفصلة بعدة محافظات، أكثر من ألفي محتج بتهمة المشاركة في "أعمال الشغب والتخريب".

حديث عن "مؤامرة"

من جانبها، أصدرت وزارة الاستخبارات الإيرانية، مساء اليوم الجمعة، بياناً مطولاً في 10 بنود، بشأن الاحتجاجات الأخيرة في إيران، متحدثة عن "مؤامرة" ضد الجمهورية الإسلامية، ورصدها دوراً لدول أجنبية ومنظمة "مجاهدي خلق" المعارضة المستقرة في ألبانيا و"مجموعات معارضة وعملية للاستعمار وعناصرها العمليين في الداخل"، على حد تعبيرها.

وأفادت الاستخبارات الإيرانية في بيانها بإحباط عمليتي "تخريب في طائرتي ركاب"، مشيرة إلى أنهما كانتا تستهدفان إسقاط الطائرتين.

وأضافت أنها اعتقلت "9 رعايا من ألمانيا وبولندا وإيطاليا وفرنسا وهولندا والسويد ودول أخرى خلال وجودهم في ساحة الشغب أو وراء كواليس المؤامرة".

ولفتت الوزارة الإيرانية إلى أنها قبضت على 5 من أعضاء "مجموعات تكفيرية وإرهابية مع ضبط 36 كيلوغراما من المتفجرات"، مشيرة إلى أنهم كانوا بصدد تنفيذ عمليات تفجيرية في اجتماعات شعبية وبين "مثيري الشغب ونسبها إلى الطرف الآخر (قوات الأمن) لتشديد النزاع والمواجهة".

كما تحدثت وزارة الاستخبارات الإيرانية عن إحباط خطة لهؤلاء المعتلقين لـ"اغتيال أحد كبار المسؤولين، وخطط تفخيخ إحدى هيئات العزاء (الدينية) في شيراز وساحة الشهداء في مشهد".

كما قالت الوزارة في بيانها إنّ منظمة "البهائية" التي وصفتها بأنها "جاسوسية بناء على أوامر مؤسستها المركزية في حيفا المحتلة، كان لها نشاط كبير خلال أعمال الشغب والحث على التخريب في الأماكن العامة".

وأكملت الوزارة الإيرانية قائلة إنها اعتقلت أيضاً 92 شخصاً من أتباع النظام البهلوي السابق والملكيين خلال مشاركتهم في الاحتجاجات أو لدورهم "وراء الكواليس في الشغب"، مضيفة أنها اعتقلت أيضاً "عناصر مرتبطين بوسائل إعلام أجنبية في طهران ومختلف محافظات البلاد"، ومشيرة إلى أنّ توجيه تحذيرات لسفارات أجنبية مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والسويد بعد رصد دور و"تدخل" لعناصرها في "الشغب".

كما تحدثت الاستخبارات الإيرانية عن اعتقال 28 شخصاً من "المشاغبين" الذين قالت إنهم كان لديهم سجل جنائي بسبب ارتكاب جرائم مختلفة، قائلة إنها أيضا خلال الاحتجاجات ضبطت عدداً من المسدسات النارية والرصاصات. وأعلنت استخبارات "الحرس الثوري" الإيراني، اليوم الجمعة، كذلك عن تفكيك شبكة "منظمة" في مدينة قم الدينية، جنوب طهران، قائلة، وفق وكالة "إرنا"، إنها قبضت على أعضاء الشبكة بتهمة "إثارة الشغب" و"الدعاية ضد النظام" والدعوة لـ"التجمع غير القانوني".

وأثارت المواقف الغربية من الاحتجاجات الأخيرة في إيران ودعمها المحتجين واستنكار سلوك السلطات الإيرانية تجاههم سجالاً مع الغرب، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، ما زال مستمراً.

واليوم الجمعة، أكد المبعوث الأميركي الخاص للشأن الإيراني روبرت مالي دعم إدارة بايدن الاحتجاجات، لكنه قال إنها لا تسعى إلى زعزعة الاستقرار في إيران "أو تغيير النظام، لكنها تسعى فقط إلى التعبير بصدق عن القناعات الأميركية بأن الشعب لديه الحق في استخدام حرياته الأولية"، مضيفاً في حديث إذاعي مع برنامج "ذي وورلد": "نحن نحمّل الأجهزة الإيرانية المسؤولية عن قتل مهسا أميني وسنفرض عليها عقوبات".

المساهمون