استمع إلى الملخص
- استراتيجية الاحتلال في السيطرة: تعتمد على تصنيف الأراضي كمتنزهات أو حدائق وطنية لتسهيل ضمها لبلدية الاحتلال، مما يعقد الصراع القانوني ويجعل السيطرة الإسرائيلية أسهل، كما حدث مع مستوطنة "هارحوما".
- التأثير على السكان الفلسطينيين: تهدف الإجراءات إلى منع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم وتقليل وجودهم، مما يعقد حياتهم اليومية ويعيق التوسع العمراني، تحت مبررات أمنية تهدف للسيطرة على الأراضي الخصبة والمعالم التاريخية.
بتدشين سلطات الاحتلال الإسرائيلي، خلال الأيام المقبلة، حاجز الولجة العسكري المقام شمال غرب بيت لحم، جنوبي الضفة الغربية، بشكله الاستيطاني الجديد، يكون الاحتلال قد استولى على 2.5 كيلومتر مربع من أراضي الولجة بمساحة تقدّر بـ240 دونمًا، ضمن المشروع الاستيطاني "القدس الكبرى". ويعود أصل المخطط الإسرائيلي إلى 12 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2017، حين أعلنت عن سلطات الاحتلال الإسرائيلي استعدادها لنقل حاجز الولجة من موقعه السابق الفاصل بين بيت لحم والقدس إلى الجنوب الغربي باتجاه مدخل القرية في داخل أراضيها.
وتمهيدًا لهذا المخطط، هدمت سلطات الاحتلال بعد عام 2020 أكثر من 14 منزلًا في المنطقة المحاذية لموقع بناء الحاجز، وذلك بهدف الحدّ من الوجود والانتشار الفلسطيني في المكان، وخلق بيئة مهيّئة للتوسع الاستيطاني، إلى أن شرعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، في 21 أغسطس/ آب من العام الماضي، ببناء الحاجز، وذلك ضمن مخطط الاحتلال الاستيطاني المعروف بـ"القدس الكبرى".
ما يؤكد أن نقل الحاجز يعتبر جزءًا من تنفيذ مخطط "القدس الكبرى" هو أن الجهة المسؤولة عن تنفيذ المشروع الاستيطاني هي "بلدية الاحتلال في القدس"، التي رصدت نحو ثلاثة ملايين شيكل إسرائيلي، بهدف تنفيذ المخطط الذي يحرم أهالي القرية من الوصول إلى أراضيهم، وتحويل صفة الأراضي من الملكية الفلسطينية إلى أراضٍ إسرائيلية سياحية ريفية، بهدف جذب المستوطنين وتحويلها إلى حدائق خاصّة للإسرائيليين، وفق ما يقول مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد الأبحاث التطبيقية "أريج" سهيل خليلية في حديث مع "العربي الجديد".
وبحسب خليلية، فإن سلطات الاحتلال تلجأ لاعتبار المنطقة سياحية أو حدائق وطنية، أو متنزهات عامة، بهدف التحايل على القانون، كي تسهّل لاحقًا إجراءات ضمّها للسلطات الإدارية لبلدية الاحتلال في القدس، أو اعتبارها جزءًا مما تسمى "أملاك دولة" إن كانت في الضفة الغربية، وذلك يجعل الصراع القانوني أصعب، وتصبح السيطرة الإسرائيلية أسهل تحت مسمّيات "المنفعة العامة" أو الواقع الأمني.
وتحاكي إجراءات السيطرة على الولجة الإجراءات نفسها التي سبقت بناء مستوطنة "هارحوما" المقامة على أراضي جبل أبو غنيم شمال بيت لحم، حين أعلنت سلطات الاحتلال تصنيف الجبل منطقةً خضراء، ثمّ جرى تصنيف أجزاء واسعة من الجبل لغرض البناء الاستيطاني والأملاك العامة، ولاحقًا تحول إلى بؤرة استيطانية سكنية. غير أن المشهد المختلف في الولجة هو أن هذه الإجراءات لا تستهدف الوصول إلى بؤرة استيطانية، بل إلى مخطط كبير عنوانه "القدس الكبرى"، وعقب ذلك، ينفّذ الضمّ والاستيلاء، وفق خليلية.
ويشير خليلية إلى أن هدف الاحتلال من هذه الإجراءات مرحليًا هو منع وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم، ولاحقًا الحدّ من الزيادة السكنية في الولجة، وتخفيف الوجود الفلسطيني فيها، بهدف محاصرة السكّان، وتعقيد حياتهم، ومنعهم من الحركة الطبيعية، وصولًا إلى تحقيق هدف التهجير الطوعي.
وتعتبر أجزاء من بلدة الولجة تابعة للقدس منذ عام 1967، حين أعاد الاحتلال تعريف حدود القدس وباتت منطقة عين جويزة من الولجة ضمن المناطق الإدارية لبلدية الاحتلال في القدس. وتعاني المنطقة من أوامر هدم كبيرة، ويمنع فيها البناء، لأن الاحتلال يرى المنطقة استراتيجية باعتبارها مرتفعة أكثر من مناطق القدس، وذلك يخالف العقيدة الاستيطانية في المناطق المرتفعة، إذ لا يريد الاحتلال أن تكون المنطقة فلسطينية وأعلى من البناء الاستيطاني الإسرائيلي، كما يوضح خليلية.
وتعتبر المناطق الأخرى من الولجة تابعة للهيئة المحلية الفلسطينية وتصنّف إما "ج" أو "ب"، وفق تقسيمات اتفاقية أوسلو. ويقول رئيس بلدية الولجة خضر الأعرج، في حديث مع "العربي الجديد"، إن مساحة المناطق المصنّفة "ج" في الولجة هي 99.7%، بينما 0.3% فقط تصنّف "ب" من أراضي البلدة البالغة مساحتها 2800 دونم ضمن المناطق الفلسطينية، فيما تعتبر 3200 دونم من البلدة وراء جدار الفصل العنصري، أي تحت سيطرة بلدية القدس.
ويوضح الأعرج أن "هجرة السكان غير واردة، لكن للأسف لا مكان بديلاً لهم"، مشيرًا إلى أن الولجة تواجه حصارًا مطبقًا من الجنوب حيث يحيط بها الشارع الالتفافي الاستيطاني "خط 60" ومن الشرق مستوطنة "هار جيلو"، ومن الشمال حدود بلدية الاحتلال في القدس، ومن الغرب جدار الفصل العنصري، واليوم تزداد إجراءات الحصار بعد نقل الحاجز إلى عمق البلدة، ما يحول دون توسّع السكّان عمرانيًا.
ويتذرّع الاحتلال بأن تنفيذ المخطط الاستيطاني جاء لدواعٍ وظروفٍ أمنية، إلا أن رئيس بلدية الولجة يوضح أن أهداف المخطط الأطماعية هي السيطرة على أراضي الولجة الخصبة المزروعة بالزيتون ومنع أصحابها من الوصول إليها، بالإضافة للسيطرة على أبرز المعالم الأثرية التاريخية في القرية، وهي "عين الحنية" التي تقع اليوم خلف الحاجز، "أيّ داخل حدود بلدية الاحتلال في القدس"، علمًا أنها تقع فعليًا على خطّ الهدنة الفاصل بين أراضي عام 1967 وأراضي 1948، وفي محيطها منازل تعود لما قبل عام النكبة لعائلات فلسطينية.
بدوره، يوضح خليلية أن أهمية الحاجز بالنسبة لمخطط "القدس الكبرى" تنبع من كونه أحد الحواجز الرئيسية الواصلة إلى القدس، والذي من المقرر استيطانيًا أن يربط بصفته جسراً جغرافياً بين القدس ومجمع غوش عتصيون الاستيطاني، خاصّة أن المسار القانوني في القضية حتى لو صدر فيه قرار من المحكمة العليا الإسرائيلي، لا معنى له أمام ردّ الإدارة المدنية الإسرائيلية أو وزارة الداخلية الإسرائيلية بأن هناك مصلحة أمنية عليا لهذه الخطوات بحجّة قانون الطوارئ.
وسبقت كل خطوات السيطرة على الولجة عشرات عمليات الهدم التي طاولت 24 منزلًا منذ بداية العام الجاري، إضافة إلى وجود 38 منزلًا مخطرًا بالهدم منذ عام 2018 وتجرى متابعتها قانونيًا، إلا أن جدوى المتابعة حتى اللحظة لا يوحي بشيء تفاؤلي وسط تنفيذ الاحتلال مخططات التوسعة والاستيلاء، بحسب رئيس بلدية الولجة.