أطلق الجمهوريون في مجلس النواب الأميركي، الثلاثاء الماضي، مساراً لمساءلة الرئيس جو بايدن بهدف عزله، وذلك بعدما وجهوا إليه تهماً بإفادة أعمال عائلته مالياً، حينما كان يشغل منصب نائب الرئيس الأسبق باراك أوباما. ويدرك الطرفان، الجمهوري والديمقراطي، أن هذه العملية لن تفضي إلى عزل بايدن، لصعوبة جمع ثلثي الأصوات لذلك في مجلس الشيوخ، فضلاً عن صعوبة حصول المحافظين على الأدلة الكافية للعزل.
لكن الطرفين يراهن كل منهما على مدى قدرته على جمع النقاط لصالحه من هذا المسار، المحفوف بالمخاطر، في موسم انتخابي قد تكون خاتمته استثنائية، مع إمكانية تلاقي بايدن مجدداً في مواجهة الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي يحاول ردّ الصاع للحزب المنافس، والذي يتهمه بملاحقته طوال فترة حكمه حتى اليوم.
بايدن ينفي التهم الجمهورية
ويعيد التاريخ نفسه في الولايات المتحدة مع مواجهة بايدن حملة في الكونغرس يقودها الجمهوريون لعزله، على غرار حملة الديمقراطيين السابقة لعزل ترامب. وفي مواجهة ذلك، يتمسك البيت الأبيض بسياسة نفي التهم الموجهة إلى الرئيس، فيما يؤكد الديمقراطيون، في استراتيجية اتبعها ترامب في السابق، أن محاولة العزل الجمهورية سلاح سياسي. ويدرك الحزب الديمقراطي أن مسار المساءلة هدفه الأساسي، لا سيما من قبل أنصار ترامب في مجلس النواب، الإضرار بسمعة بايدن قبل الانتخابات. ويراهن الحزب والبيت الأبيض على مسار طويل لتحقيق مجلس النواب، لن يتمكن خلاله الجمهوريون من جمع أي دليل لإدانة بايدن بقضية ابنه، وهو ما قد يرتد سلباً عليهم في صناديق الاقتراع.
تهيمن على فريق المتشددين الجمهوريين في مجلس النواب النائبة مارجوري تايلور غرين
وندّد البيت الأبيض، أول من أمس الأربعاء، بما اعتبره مزاعم "لا أساس لها"، في إشارة إلى اتهام الجمهوريين لبايدن بارتكاب مخالفات و"نشر ثقافة الفساد"، بحسب تعبير رئيس مجلس النواب الجمهوري كيفن مكارثي، الذي أعلن، الثلاثاء، إطلاق مسار العزل. وقالت المتحدثة باسم الرئاسة الأميركية كارين جان بيار: "لقد أمضوا العام كله بالتحقيق بشأن الرئيس ولم يعثروا على أي دليل، لا شيء على الإطلاق على أنه ارتكب أي سوء، وذلك لأن الرئيس لم يرتكب أي سوء".
وكان البيت الأبيض قد رفض، الثلاثاء الماضي، اتهامات مكارثي، الذي قال إن بايدن "استخدم مكتبه الرسمي للتنسيق مع أعمال هانتر بايدن وشركاء الأخير حول عمله في بوريسما (شركة طاقة أوكرانية)"، مشيراً إلى أن الجمهوريين "كشفوا مزاعم خطيرة وذات مصداقية بشأن سلوك" الرئيس. واعتبر البيت الأبيض رداً على ذلك، وعلى لسان المتحدث باسمه إيان سامز، أن إجراءات العزل "لا أساس لها"، وأن "الجمهوريين في مجلس النواب ظلوا يحققون لمدة 9 أشهر ولم يعثروا على أي دليل على ارتكاب أي مخالفات"، مندداً بـ"الدوافع السياسية" لقرار الجمهوريين.
وكان البيت الأبيض قد التزم الصمت طوال 9 شهور حيال تحقيق يجريه الجمهوريون في مجلس النواب حول الأعمال التجارية لعائلة بايدن. ويتهم الجمهوريون في مجلس النواب الرئيس الديمقراطي بـ"الكذب" على الشعب بشأن تورطه في قضايا نجله المثيرة للجدل في الخارج.
محور مكارثي
لكن جان بيار أوضحت أن الجمهوريين لا يحظون بالدعم الكافي لإجراء تصويت في مجلس النواب للمصادقة على تحقيق عزل الرئيس، وهو ما دفع مكارثي لإعلان إطلاق التحقيق دون تصويت نيابي. وأضافت "هناك جمهوريون في مجلس النواب قالوا إن الدليل غير موجود"، منددة بـ"مناورة سياسية". وأكدت أن "التمرين هو حول كيف تقوم بكل ذلك بشكل غير قانوني، إنهم يريدون الاقتصاص من الرئيس سياسياً، ولا يركضون وراء الحقيقة".
ويسعى الديمقراطيون إلى إظهار انقسام جمهوري حول مسألة عزل الرئيس والتفريق بين ما بات يسمى بـ"محور مكارثي" والآخرين المعتدلين. ويرى فريق بايدن أن "محور مكارثي" تهمين عليه النائبة الجمهورية المؤيدة لترامب، والتي تمثل الجناح المتشدد داخل الحزب مارجوري تايلور غرين.
استطلاع جامعة كوينيبياك: تقدم بايدن بنسبة 1% على ترامب
وقال بايدن، الثلاثاء، إن الجمهوريين يريدون عزله لـ"إغلاق الحكومة"، بعدما هدّدت تايلور غرين ونواب جمهوريون آخرون بعدم المصادقة على قوانين الإنفاق، ما قد يؤدي إلى إغلاق الحكومة إذا لم يطلق مكارثي إجراءات عزل بايدن. وذكّر بايدن، أمام مؤتمر مانحين في فيرجينيا، بأنه عندما انتخبت تايلور غرين لعضوية مجلس النواب، أكدت أن أول أمر ستقوم به هو "عزل" الرئيس. وأضاف: "لا أعرف حقيقة لماذا، لكنهم فقط لا يعرفون سوى أنهم يريدون عزلي. اليوم، أقصى ما أستطيع قوله هو أنهم يريدون عزلي لإغلاق الحكومة". وأكد عدم اكتراثه لمسألة العزل، وقال: "أستيقظ كل يوم، إنها ليست مزحة، من دون أن أركز على العزل. لديّ عمل أقوم به".
ويأتي التحقيق في توقيت تسجل فيه شعبية بايدن تراجعاً قبل عام من مواجهة يرجّح أن يخوضها مجدداً مع ترامب. ويعتمد بايدن سياسة التجاهل حيال هذا التطور، وهو بالفعل تجاهل، أول من أمس، أسئلة وجّهها إليه مراسلون في البيت الأبيض حول التحقيق، فيما يفضل مع حزبه تسليط الضوء على إنجازات عهده في مجال السياسة الداخلية خصوصاً، والتأكيد على أنه يدعم ابنه هانتر رغم كل شيء.
وسبق أن عانى هانتر بايدن من الإدمان على الكحول وهو مستهدف بتحقيق يقوده المدعي الخاص ديفيد فايس في وزارة العدل بشبهة التهرب الضريبي، ويتوقع أن يوجه إليه الاتهام بنهاية الشهر الحالي في قضية انتهاك قوانين حيازة الأسلحة. لكن أي اتهام لم يوجّه إليه على صلة بتعاملاته التجارية.
إلى ذلك، أظهر استطلاع جديد للرأي أجرته جامعة " كوينيبياك"، تقدم بايدن بنسبة واحد في المائة على ترامب، بواقع 47 مقابل 46 في المائة، وأن نصف الناخبين يعتقدون أن بايدن متورط في تعاملات هانتر التجارية مع الصين وأوكرانيا، بينما يعتقد 35 في المائة منهم أن الرئيس ارتكب مخالفة ما.
في غضون ذلك، وجّهت القاضية الفيدرالية آيلين كانون، التي تعمل على قضية احتفاظ الرئيس السابق دونالد ترامب بوثائق سرّية في مقر إقامته في فلوريدا بعد مغادرته البيت الأبيض، الأخير، أول من أمس، باستخدام منشأة آمنة لمراجعة أدلة ومعلومات مصنفة سرّية تتعلق بقضيته، مقلصة بشكل حاد قدرته على مناقشة هذه المعلومات مع أشخاص آخرين. ورفضت آيلين أن تكون هذه المنشأة في مارآلاغو، معتبرة أنه الأقل ملاءمة بين كل مقرات الإقامة، لاستضافة منشأة آمنة، لأنه "نادٍ اجتماعي".
(رويترز، فرانس برس، أسوشييتد برس)