استراتيجية السوداني مع الفصائل العراقية: تمكين مادي واحتواء أمني

01 سبتمبر 2023
عناصر من "الحشد الشعبي" في بغداد، يناير 2022 (مرتضى السوداني/الأناضول)
+ الخط -

يتحدث مراقبون وباحثون عراقيون عن "استراتيجية تعامل" لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع الفصائل المسلحة الحليفة لإيران، في سبيل الحفاظ على حالة الاستقرار السياسي والأمني بالبلاد، لا سيما المتعلق منها بالوجود الأميركي، وذلك عبر احتوائها من خلال التمكين المادي والأمني والتريث حالياً بفتح ملف إخراجها من المدن والأحياء السكنية، الذي كان قد وعد به خلال برنامجه الحكومي في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي حين نالت حكومته الثقة البرلمانية، وكذلك منحهم فسحة أكبر للمشاركة بالانتخابات وتسمية شخصيات مقربة منها لمناصب أمنية وحكومية.

ومن ضمن المزايا التي منحها السوداني للفصائل المسلحة، كانت شركة "المهندس" برأسمال يبلغ مائة مليار دينار (68.5 مليون دولار)، التي فازت أخيراً بعدد كبير من العقود، إلى جانب عدد كبير مما يعرف بـ"المكاتب الاقتصادية" التابعة لتلك الفصائل والتي تنتشر داخل المدن المحررة.

كذلك، وافق السوداني على قبول أعداد كبيرة من أنصار الفصائل بالحشد الشعبي ضمن موازنة 2023، بواقع يتجاوز 100 ألف درجة وظيفية ضمن "هيئة الحشد الشعبي"، إلى جانب التعامل السياسي بالانتخابات المحلية (انتخابات مجالس المحافظات) المقررة في 18 ديسمبر/كانون الأول المقبل. واعتبر مراقبون أن كل ما منحه السوداني هو ضمن سياسة معتمدة من الحكومة الحالية للإبقاء على حالة التهدئة مع أكثر الفصائل تشدداً تجاه الوجود الأميركي.


نائب عراقي: السوداني يسعى لإنجاح حكومته لكن ذلك سيكون لمصلحة تقوية الفصائل داخل الدولة

وتحدث مسؤولان، أحدهما نائب في البرلمان والآخر موظف بارز في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، بشكل منفصل لـ"العربي الجديد"، عن تحصيل الفصائل المسلحة خلال الأشهر الماضية من عمر الحكومة على العديد من الامتيازات المالية والاقتصادية والسياسية، وأخرى تتضمن مناصب في وزارات مختلفة.

استراتيجية السوداني مع الفصائل

وأوضح النائب الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن ذلك "جزء من استراتيجية حكومة بلا مشاكل ينتهجها السوداني منذ تسميته رئيساً للوزراء، عبر تقريب الفصائل وجعلها جزءاً من الحكومة وعدم تكرار ما وقع به رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، عندما وقف بالضد من رغبات كثير من تلك الفصائل". ولفت إلى أن "السوداني يسعى لإنجاح حكومته بأي شكل، لكن هذا بالنهاية سيكون لمصلحة تقوية الفصائل داخل الدولة".

أما المسؤول الحكومي، فكشف عن حصول فصائل عدة على درجات وظيفية مهمة في وزارات العمل والشؤون الاجتماعية، والهجرة، والاتصالات، والداخلية، والتعليم العالي، إلى جانب جهاز المخابرات الوطني، ومؤسسات أخرى ثانية، وأبرز تلك الفصائل، كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وكتائب الإمام علي، وكتائب سيد الشهداء، خلال الأشهر الماضية.

من جهته، أشار عضو التيار المدني العراقي أيهم رشاد، إلى أن "حكومة السوداني سهلت دعم الفصائل وفق آليات قانونية محكمة، وهي الطريقة التي أراد قادة الفصائل العمل بها، بدلاً من تعاملها السابق مع حكومة عادل عبد المهدي التي دخلت عبر غطاء سياسي وتفاهمات شفوية، وتولدت في النهاية احتجاجات شعبية أدت إلى إضعاف المليشيات بشكلٍ معنوي كبير".

وأوضح في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "حكومة السوداني هي حكومة الإطار التنسيقي، المظلة السياسية للفصائل المسلحة في العراق، ومكتب السوداني يضمّ مستشارين يمثلون بالنهاية فصائل مسلحة كانوا فيها ويحملون الآن صفة مستشار".

تمكين مادي للفصائل

وأشار رشاد إلى أن "معظم الدعم الاقتصادي والسياسي في قلب السلطة التنفيذية الذي يقدمه السوداني للفصائل المسلحة، هو طريقة لإسكاتها ومنع تكرار الحوادث التي وقعت إبان حكومة مصطفى الكاظمي السابقة التي اتسمت بالتوتر الأمني بسبب عمليات القصف المستمرة ضد المنطقة الخضراء (في العاصمة بغداد) والسفارة الأميركية والقواعد الأجنبية في البلاد".

وشدّد على أن "التمكين المادي الذي تمنحه حكومة السوداني للأحزاب والمليشيات سيؤثر على نتائج الانتخابات المحلية المقبلة، لذلك فإن بعض القوى المدنية انسحبت من المشاركة فيها".


أيهم رشاد: التمكين المادي الذي تمنحه الحكومة للأحزاب والمليشيات سيؤثر على نتائج الانتخابات المحلية المقبلة

غير أن المقرب من رئيس الحكومة، النائب محمد الصيهود، نفى وجود أي تمكين للفصائل المسلحة على حساب التهدئة مع الأميركيين أو الأطراف السياسية المعارضة. واعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "فصائل المقاومة الإسلامية تمثل حالة دينية وشعبية، ولديها أهدافها التي لا تتعارض مع فكرة الدولة، إنما ترفض الوجود الأميركي أو أي قوات أجنبية على الأراضي العراقية، بالتالي فإن من غير الصحيح اعتبار حكومة السوداني ضعيفة".

وأكمل الصيهود، أن "هيئة الحشد الشعبي خاضعة للقيادة الرسمية في العراق وتلتزم بمهامها الأمنية، وأن أي مشاركة سياسية لها ممنوعة بأمر القانون، لكن المشاركة السياسية قد تكون من مقرّبين من خط المقاومة الإسلامية، أو أصدقاء للحشد الشعبي".

وأوضح أن "حكومة السوداني تنعم بهدوء، لأسباب لا علاقة لها بالتسويات أو الاتفاقات، بل لأنها أثبتت نجاحاً في ملفات عدة، ومنها الخدمات، وهذا النجاح عادة ما يترتب عليه هدوء سياسي وشعبي".

بدوره، رأى المحلل السياسي أحمد الأبيض، أن "الفصائل المسلحة والمليشيات تمكنت طيلة الأعوام السابقة من السيطرة على أغلب مفاصل النظام السياسي، وباتت موجودة لدى القوات الأمنية والوزارات والدوائر الخدمية وفي كل جزء من أجزاء الدولة، لذلك فهي مسيطرة إلى حدٍ ما، وأن خطاب الكراهية والعدوان ضد الولايات المتحدة وبعض الدول العربية، ما هو إلا بضاعة من أجل استمرارها في المتاجرة السياسية والاقتصادية".

ولفت الأبيض في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن "هذه المليشيات تسيطر أيضاً على مساحات واسعة من الأراضي العراقية، تحديداً الجغرافية السنية، وتمكنت من التعاون مع شخصيات بارزة في المدن المحررة، وباتت تمتلك نفوذاً في إقليم كردستان أيضاً. وعلى ضوء ذلك توجهت إلى تأسيس الشركات والاستثمارات والمصارف لزيادة سيطرتها على جميع القطاعات".

وشدّد الأبيض على أن "السوداني منح المليشيات مزيداً من الامتيازات، وهي السطوة على القرارات التنفيذية والتحكم بالقرار التشريعي، بالتالي فإن هذه الفصائل تعيش حالياً فترة مزدهرة، لكنها لن تستمر في ظل الانفصال مع المجتمع العراقي الذي يزداد نقمة وفقراً".

المساهمون