استراتيجية إبراهيم رئيسي... الميدان لتحقيق الأهداف في الإقليم

18 اغسطس 2021
تختلف توجهات رئيسي عن توجهات روحاني (عطا كناري/فرانس برس)
+ الخط -

ولّى عهد الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي شهدت سنواته الثماني جدالاً مستمراً بشأن أولويات السياسة الخارجية الإيرانية؛ بين رؤية الحكومة الداعية إلى ضرورة إنهاء الصراع مع الغرب والولايات المتحدة أولاً، وبين رؤية بقية أركان الحكم الرافضة لأي تقارب مع الغرب والتفاوض معه حول جميع الملفات العالقة، ما عدا الملف النووي، اعتقاداً منها بأنّ هذا التقارب سيكون على حساب مصالح "الجمهورية الإسلامية" ولن يبقي منها شيئاً. أخفق روحاني في حسم الخلاف لصالح ما يؤمن به، فغادر السلطة من دون تحقيق مراده بإنهاء هذا الصراع القديم. وعلى الصعيد الإقليمي أيضاً، كانت الكلمة الأساسية في عهده لـ"الميدان" الإيراني، الذي وجد أن دبلوماسية روحاني لا تعبّر عنه.
على وقع هذه الثنائية في السياسة الخارجية، بدأ عهد الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي، اعتباراً من الخامس من أغسطس/آب الحالي، فيما ينتظر مراقبون رؤية ما إذا كان سيتبع نهجاً جديداً في متابعة السياسة الخارجية الإيرانية تجاه المنطقة، والتي يرسمها المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وكلمة الفصل فيها تعود للمرشد علي خامنئي.


بدأ عهد رئيسي في الوقت الذي تواجه فيه إيران مستويين من الأزمة في علاقاتها الخارجية

بدأ عهد رئيسي في الوقت الذي تواجه فيه إيران مستويين من الأزمة في علاقاتها الخارجية، أصبحا متداخلين ومتشابكين مع مرور الوقت، لتربط بينهما علاقة تأثير وتأثر شديدين. فالمستوى الأول من الأزمة، يعكس التوترات والأزمات في العلاقات الإقليمية، أما المستوى الثاني، فيعكس الأزمات في العلاقات الدولية مع الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة.

الرئيس الإيراني الجديد ينتمي إلى المدرسة الإقليمية في السياسة الخارجية الإيرانية، وفق أستاذ الدراسات الشرق أوسطية في جامعة طهران، حسن أحمديان، الذي يوضح، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ المنتمين إلى هذه المدرسة "يرون في المستوى الإقليمي نقطة انطلاق لمعالجة قضايا السياسة الخارجية الإيرانية". ويشير إلى أنّ "هذا التوجه يختلف عن مقاربة روحاني، المنتمي إلى المدرسة الدولية في السياسة الخارجية الإيرانية، التي تؤمن بحل المشاكل أولاً مع القوى الكبرى والولايات المتحدة، لينسحب ذلك على مشاكل إيران في علاقاتها الإقليمية".

ويضيف أحمديان أنّ "رئيسي وأنصار المدرسة الإقليمية لطالما انتقدوا مقاربة الحكومة السابقة، باعتبارها تضعف موقف إيران أمام القوى الكبرى بسبب مشاكلها الإقليمية"، مبيناً أنه حسب المنتمين إلى هذا الاتجاه، فـ"حل القضايا الإقليمية مع الجيران والمنافسين الإقليميين، يرفع کفّة البلاد في التعاطي مع الدول الغربية". ويلفت إلى أن رئيسي وفريقه في السياسة الخارجية "يرون في البوابة الإقليمية النافذة الأمثل لمعالجة الخلافات الخارجية، بالتزامن مع زيادة مصادر القوة للجمهورية أمام القوى الكبرى".

واحتل التركيز على تحسين العلاقات مع الجيران، حيزاً كبيراً من تصريحات الرئيس الإيراني الجديد؛ سواء خلال حملته الانتخابية أو بعد فوزه بالرئاسة، مؤكداً أنّ ذلك يشكّل أولويته الخارجية. وفي السياق، يرى مراقبون إيرانيون أنّ العلاقة التداخلية والتشابكية بين المستويين من الأزمات الخارجية للبلاد (الإقليمية والدولية)، تجعل من الصعب معالجة مستوى من دون الآخر، فيدعون إلى اتباع نهج متزامن ومتوازن مع المستويين من دون التركيز على واحد على حساب الآخر.

ويقول أحمديان إن الرؤية الإقليمية لدى الحكومة الإيرانية الجديدة لا تعني تجاهلها المستوى الدولي، مشيراً في هذا الصدد إلى تصريحات رئيسي خلال أداء اليمين الدستورية حول مواصلة الجهود لرفع العقوبات وترحيبه بـ"أي مبادرة" تؤدي إلى ذلك.


رئيسي وفريقه في السياسة الخارجية يرون في البوابة الإقليمية النافذة الأمثل لمعالجة الخلافات الخارجية

إنهاء الثنائية

لن تستمر ثنائية "الدولي" و"الإقليمي" التي طبعت المرحلة الماضية، بعد تشكيل الإدارة الجديدة في إيران، حسب الخبير الإيراني، حسن أحمديان، الذي يؤكد أنّ "السياسة الإقليمية الإيرانية ستصبح أكثر انسجاماً مع المؤسسات في الداخل خلال الحقبة المقبلة، من دون تعارض في الأولويات".

بطبيعة الحال، سيعزز هذا الانسجام المؤسساتي دور "الميدان" في السياسة الإقليمية الإيرانية، كما يؤكد رئيس موقع "الدبلوماسية الإيرانية" علي موسوي خلخالي، الذي يضيف: "كما تقرر، ستسند حقيبة الخارجية إلى شخصية تؤمن بأنّ الدبلوماسية يجب أن تكون في خدمة الميدان"، وذلك في إشارة إلى حسين أمير عبد اللهيان الذي رشحه رئيسي للخارجية، وهو شخصية مقربة من "الحرس الثوري" الإيراني وخصوصاً "فيلق القدس"، ذراعه الخارجية. ويقول موسوي خلخالي في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ اختيار هذه الشخصية "يؤشر إلى إعطاء الأولوية للميدان، لكن ذلك لا يعني وجود نزعة حربية أو القيام بمغامرات، أبداً، بل إنّ ذلك يعني أنّ إيران ستوظف طاقة الميدان أقصى توظيف، وستجعل الدبلوماسية في خدمة الميدان لتحقيق أهدافها".

وتؤكد ما ذهب إليه الخبير الإيراني، صورة خرجت يوم الخامس من الشهر الحالي إلى العالم، من حفل أداء اليمين الدستورية للرئيس الإيراني الجديد، والتي عكست مشاركة غير مسبوقة لقادة ما يعرف بـ"محور المقاومة" في الحفل، من مشاركة قادة "حزب الله" اللبناني، وجماعة "أنصار الله" اليمنية، و"الحشد الشعبي" العراقي، بالإضافة إلى قادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، والذين تزامنت مشاركتهم مع توتر إيراني إسرائيلي متصاعد.

وعن مدلولات هذه الصورة، يقول موسوي خلخالي، إنها "تعكس أن الدبلوماسية التي ستتبعها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في عهد السيد رئيسي، ستكون مسنودة بهؤلاء الحلفاء"، لافتاً إلى أنّ ذلك "يعكس صورة مختلفة عن الدبلوماسية الإيرانية المتبعة في عهد الرئيس روحاني".

وما زاد من دلالات ورسائل المشاركة الموحدة لجميع حلفاء إيران في حفل أداء اليمين الدستورية، أن جلوسهم كان في الصف الأمامي، فيما كان خلفهم مندوب الاتحاد الأوروبي، إنريكي مورا، منسق مفاوضات فيينا النووية غير المباشرة بين طهران وواشنطن بواسطة أطراف الاتفاق النووي، ومندوبون أجانب آخرون.


ستسند حقيبة الخارجية إلى شخصية تؤمن بأنّ الدبلوماسية يجب أن تكون في خدمة الميدان

في هذا السياق، يوضح موسوي خلخالي أن ترتيب إيران جلوس قادة التيارات والمنظمات الحليفة لها في المقاعد الأمامية إلى جانب رؤساء الدول ورؤساء الوزراء المشاركين في الاحتفال، "دليل على أنّ طهران تعطيهم الأولوية على الآخرين"، مشيراً إلى أن "رئيس مجلس الدوما الروسي، فياتشيسلاف فولودين، لم يكن في الصف الأول لأنه رئيس البرلمان، ولم يكن رئيس الدولة، وهذا يدل على أن الجمهورية الإسلامية حتى في البروتوكولات الدبلوماسية تعطي الأولوية لحلفائها". 

الدبلوماسية في خدمة الميدان

توحيد السياسة الخارجية الإيرانية خلال المرحلة المقبلة، وإنهاء الثنائية، سيعزز "التوجه الهجومي" الذي باتت تسلكه إيران في جميع الملفات الخارجية، منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية؛ بدءاً من الملف النووي من خلال اتخاذ خطوات نووية تصعيدية وإبداء الشدة في مسألة تحقيق مطالبها بمفاوضات فيينا وعدم التنازل عن أي منها، ووقفها المفاوضات بحجة تشكيل حكومة جديدة. ثمّ تصعيد المواجهة مع الأطراف الإقليمية والدولية المتصارعة معها في ساحات الاشتباك الإقليمية؛ براً وبحراً وجواً، مثلما حدث أخيراً بين الاحتلال الإسرائيلي و"حزب الله" اللبناني وإطلاق الأخير رشقات صاروخية تجاه الأراضي المحتلة وتبنيها رسمياً، وتصعيد "الحوثيين" عملياتهم ضد السعودية وفي الداخل اليمني، والاتهامات الغربية والإسرائيلية لطهران باستهداف سفينة "مرسر ستريت" التي يشغلها إسرائيلي يوم 29 يونيو/حزيران الماضي في بحر عمان، و"محاولة اختطاف" سفينة بريطانية قبالة ميناء الفجيرة الإماراتي بعد أيام من ذلك.

ويرى رئيس موقع "الدبلوماسية الإيرانية"، أنّ "هذه التطورات الميدانية لها علاقة مباشرة بمفاوضات فيينا" التي توقفت بعد جولتها السادسة التي عقدت في يونيو الماضي، وليس واضحاً موعد استئنافها بعد، مؤكداً أنه "كلما تتعقد هذه المفاوضات أكثر وتقترب من الانسداد، تزداد مثل هذه العمليات". ويضيف أن "هناك قاعدة سياسية تقول إنه، كلما يزداد الضغط والتوتر في الميدان، يكون له تأثير مباشر على الدبلوماسية على طاولة التفاوض"، مشيراً إلى "وجود علاقة مباشرة دائماً بين الميدان والتطورات الميدانية والهجومية المرتبطة بإيران، وبين المفاوضات التي تجريها مع الغرب، حتى إن أدى ذلك إلى إضفاء الطابع الأمني على المفاوضات".


توحيد السياسة الخارجية الإيرانية خلال المرحلة المقبلة، وإنهاء الثنائية، سيعزز "التوجه الهجومي" الذي باتت تسلكه إيران

ولا يستبعد موسوي خلخالي أن "تتعقد أكثر المفاوضات في فيينا في هذه الحالة، لكن الطرف (الإيراني) الذي يضغط في الميدان، يأمل في تحويل ذلك إلى أوراق ربح للحصول على تنازلات من الطرف الآخر على طاولة التفاوض".

غير أن ثمة تعارضاً بين تصعيد طهران المواجهة في ساحات الاشتباك الإقليمية، ودعوتها للحوار مع دول المنطقة، والذي ركز عليه الرئيس الإيراني الجديد خلال حفل اليمين الدستورية بشكل كبير، معلناً أنّ بلاده تمد يدها للجيران. وفي السياق، يرى موسوي خلخالي أن "تشديد التوترات يقلل من فرص الحوار ويجعله أكثر صعوبة، وكلما انخفض مستوى التوترات ارتفعت فرص الحوار". لكنه يشير في الوقت ذاته، إلى أن "هذا التصعيد في المنطقة؛ من استهداف السفينة الإسرائيلية، إلى مهاجمة المصالح الأميركية في العراق ومناطق أخرى، لم يمنع مواصلة الحوار الإيراني السعودي، وهو مستمر بالفعل"، مؤكداً أن "هذه الحوارات لا تعني أنها ستحلّ المشاكل سريعاً، وفي ضوء التطورات على الأرض، يمكن أن يستمر الحوار كما يجري راهناً بين طهران والرياض".

ولا يستبعد رئيس موقع "الدبلوماسية الإيرانية" "حصول تفاهمات بين إيران وأطراف إقليمية على وقع استمرار هذا التصعيد"، لكنه يؤكد أن "نجاح المفاوضات بين إيران والغرب، المستبعد في المدى القريب، من شأنه أن يساعد كثيراً في تقدّم الحوارات الإقليمية من جهة، وخفض التوترات في المنطقة من جهة ثانية".