"استجابة الشمال".. رسائل حلف شمال الأطلسي قرب مخزون روسيا النووي

15 مارس 2024
يقترب "ناتو" من مناطق تضم نحو ثلثي الترسانة النووية البحرية الروسية (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو يعزز من تواجده قرب الحدود الروسية، مما يرفع التوترات بين الغرب وروسيا، خصوصًا بعد غزو أوكرانيا في 2022.
- مناورات "استجابة الشمال" بمشاركة 20 ألف جندي غربي تعكس استعراض قوة الحلف وتشكل اختبارًا لعضوية السويد وفنلندا، وسط نقاشات حول دعم أوكرانيا.
- توسع الناتو يثير استفزاز روسيا، مع تهديدات من بوتين بالرد. المناورات تعكس التزام الحلف بالدفاع عن أعضائه وتقدم رسائل واضحة لروسيا مع الحفاظ على خطوط اتصال لتجنب التفسيرات الخاطئة.

مستفيداً من انضمام السويد وفنلندا إلى ناديه، يعزز حلف شمال الأطلسي (ناتو) من تواجده قرب الحدود الروسية، ويتخذ الأمر هذه المرة أبعاداً مختلفة، في سياق مناورات الأطلسي العسكرية والمتزايدة، منذ غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022.

قرب مخزون روسيا النووي، في شمال الدائرة القطبية الشمالية، يستعرض الأطلسيون قوتهم. ومع انضمام استوكهولم رسمياً إلى الحلف يصبح الوضع بالنسبة لروسيا، التي تراقب عن كثب ما يحدث في منطقة حساسة، غير مريح، خاصة في كولا ومورمانسك اللتين تضمان ما يقرب من ثلثي الترسانة النووية البحرية الروسية، بما في ذلك الغواصات النووية الروسية، لخلق توازن رعب نووي مع الولايات المتحدة الأميركية.

يستعرض حلف شمال الأطلسي قوته في مناورات "استجابة الشمال" التي انطلقت قبل أيام، بمشاركة 20 ألف جندي غربي، في أعقاب تصريحات متزايدة تحذّر من توجه الجانبين، الروسي والغربي، نحو صدام مباشر.

وتوالت في الأسابيع الأخيرة تصريحات تهيئة الرأي العام الأوروبي إلى قبول مسألة الدفع بقوات على الأرض الأوكرانية. آخرها تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مقابلة تلفزيونية نشرها على موقعه الرسمي في "إكس"، الخميس.

"استجابة الشمال"

مناورات استجابة الشمال ليست أقل أهمية من بقية التدريبات الضخمة للحلف، ومن بينها تلك المستمرة (يناير/كانون الثاني الماضي ومايو/أيار القادم) تحت اسم "الاستجابة الصامدة"، وبمشاركة نحو 90 ألف جندي غربي.

وتكتسب "استجابة الشمال" أهمية بمشاركة السويد بعد حسم عضويتها في الحلف، ليصبح رسمياً مؤلفاً من 32 دولة بدل 30 عند بدء الحرب على أوكرانيا، وبما يتيح لهلسنكي واستوكهولم الاختبار الحقيقي للعضوية على مستوى الاستراتيجيات السياسية والعسكرية في ظل تعقد العلاقة مع موسكو.

وتأتي المناورات الجديدة وسط سجال أوروبي متزايد حول دور القارة في دعم أوكرانيا، وتأخرها في الاستجابة لحاجتها لقذائف مدفعية وصواريخ، بما في ذلك الدعم الألماني المتردد في الاستجابة لطلب كييف تزويدها بصواريخ "توروس" الألمانية عالية الدقة والتدمير، والمخاطرة بخلق شعور لدى الروس بأنهم تحت تهديد حاد. وأخيراً، أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إمكانية استخدام السلاح النووي إذا شعرت بلاده بتهديد وجودي.

بدمج قوتي فنلندا والسويد في حلف شمال الأطلسي، قبل بلوغ المناورات الحالية ذروتها، تصبح المنطقة الاسكندنافية بكاملها جزءاً رئيساً من تطويق روسيا، بدءاً من الدائرة القطبية الشمالية ووصولاً إلى بحر البلطيق.

تقوم التدريبات على تلقي التعزيزات العسكرية الإستراتيجية من الأعضاء الرئيسين في الحلف، مثل أميركا وبريطانيا وألمانيا، في ظروف هجوم روسي افتراضي. ذلك بالطبع لا يخدم الحلف عسكرياً فقط، بل أيضاً، الدول الإسكندنافية والشمالية، تحديداً السويد وفنلندا. وهذه هي المرة الأولى التي تتعاون فيها النرويج مع جارتها السويد تحت المظلة الغربية، وبالطبع وسط امتعاض روسي من توسع "ناتو" إلى درجة تنهي ردعاً روسياً لهما ساد طيلة سنوات، منذ انتهاء الحرب الباردة رسمياً في 1992.

رسائل الأطلسي: الدفاع في مناورات حساسة 

الأمر المهم بالنسبة لفنلندا والسويد هو أن "استجابة الشمال" تقدم لهما أجوبة واضحة عن انخراط الحلف الغربي في الدفاع عنهما إذا ما تعرضا لاعتداء روسي، ومن خلفهما تمثل رسائل إلى الدول الأخرى القلقة، بمن فيها دول البلطيق (السوفيتية سابقاً): لاتفيا وليتوانيا وأستونيا. فخطاب "ناتو"، الذي تزعزع في مرحلة سبقت الحرب الأوكرانية، خصوصاً في فترة حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، أقلق الكثير من الدول الصغيرة فيه، وتقدم مناورات الاستجابة رسالة بأن "ناتو" لن يتخل عن أعضائه.

لا تجري المناورات دون علم روسي بها، فحلف الأطلسي ملزم بأن يقدم لها الخطوط العامة من دون تفاصيل، كي لا تفسر المناورات خطأ بأنها هجوم فعلي. مع ذلك، تشعر روسيا أكثر فأكثر أن زيادة حلف الأطلسي لمناوراته مستعرضاً عضلاته، يمكن أن تصبح تهديداً. وقد أبقت النرويج على خطوط اتصال مباشر مع القوات العسكرية الروسية في مقابل المنطقة القطبية الشمالية، في مورمانسك وشبه جزيرة كولا.

منطقة مناورات "استجابة الشمال" هي منطقة حساسة أيضاً بالنسبة لروسيا، ولردعها النووي في المنطقة القطبية الشمالية. ففنلندا عدا عن امتلاكها حدوداً مع روسيا تبلغ نحو 1340 كيلومتراً، إلا أن تخليها مع جارتها السويد عن سياسات الحياد، وتعزيز التعاون في أقصى الشمال، لم يكن متخيلاً قبل بدء الغزو الروسي لأوكرانيا قبل نحو عامين، وذلك يزيد من الأعباء العسكرية الروسية.

الرئيس الروسي بوتين، وصف عضوية السويد وفنلندا في الحلف بأنها "خطوة لا معنى لها من منظور تأمين مصالحهما الوطنية". وشدد بوتين قبيل انطلاق الانتخابات الرئاسية في بلده على أن روسيا سترد "بالمزيد من القوات وأنظمة التدمير".

شعور روسيا بالاستفزاز، وهي تراقب تلاشي ردعها بتوسع الحلف على تخومها، يدفع ببعض جنرالاتها المتقاعدين، مثل الأميرال سيرجي أفاكغانتس، إلى اعتبار التدريبات الأطلسية "علامة واضحة على أن ناتو يمارس الآن هجوماً ضد روسيا"، كما نقلت عنه صحيفة إزفستيا تزامنا مع انطلاق "استجابة الشمال" في 11 مارس/آذار الحالي.

في بعض مناطق أقصى شمال النرويج وفنلندا، لا تبعد قوات الحلف عن القوات الروسية أكثر من 10 كيلومترات، في ظل مناورات يمثل فيها اللون الأزرق، جنود حلف شمال الأطلسي، في مواجهة عدو "أحمر"، لم تحدد المناورات اسمه.

المساهمون