أبعاد سياسية واقتصادية تقف خلف قرار إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن استثناء الشمال الشرقي من سورية، والواقع تحت سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، من تطبيق "قانون قيصر" الذي فرض قيوداً صارمة على النظام السوري.
كما يجدد الاستثناء الرغبة الأميركية بتعزيز وجود "الإدارة الذاتية" ذات الصبغة الكردية في المنطقة. ونقلت وكالة "رويترز"، أول من أمس الأربعاء، عن القائمة بأعمال مساعدة وزير الخارجية الأميركي فيكتوريا نولاند، خلال اجتماع للتحالف العالمي ضد تنظيم "داعش" في مراكش ـ المغرب، أن واشنطن ستصدر رخصة عامة تحرر الشركات من قيود العقوبات.
وأضافت أن "الولايات المتحدة تعتزم خلال الأيام القليلة المقبلة إصدار رخصة عامة لتسهيل نشاط الاستثمار الاقتصادي الخاص في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام والمحررة من تنظيم داعش في سورية".
وقالت نولاند إن الولايات المتحدة أنفقت في العام الماضي 45 مليون دولار في تلك المناطق، وأبلغت أعضاء التحالف بأن واشنطن تريد جمع 350 مليون دولار لأنشطة تحقيق الاستقرار في شمال شرقي سورية هذا العام.
وكانت واشنطن قد فرضت عقوبات صارمة على النظام السوري وفق "قانون قيصر" الذي دخل حيّز التنفيذ في منتصف عام 2020. ومن المتوقع أن يشمل القرار الأميركي منطقة "درع الفرات" في ريف حلب الشمالي، الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية، كونها كانت تحت سيطرة تنظيم "داعش" بين عامي 2014 و2017، حين دحرت هذه الفصائل التنظيم بمساعدة من الجيش التركي.
فراس علاوي: الشمال الشرقي من سورية عملياً كان مستثنى من تطبيق قانون قيصر
الاستثمار في شرق الفرات
ويبدو أن الولايات المتحدة، الداعم الأبرز لقوات "قسد" والمؤسسات والجهات المرتبطة بها ومنها "الإدارة الذاتية"، ستسمح للشركات بالعمل والاستثمار في قطاعي الزراعة وإعادة الإعمار.
ويسكن في منطقة شرق الفرات نحو 4 ملايين مدني، يعيشون ضمن ظروف معيشية صعبة. وتقع هذه المنطقة تحت وطأة حصار جزئي، ويُعدّ معبر سيمالكا غير الشرعي المنفذ الاقتصادي الوحيد لها مع خارج سورية، لأن الجانب التركي يعتبر "قسد" منظمة "إرهابية تشكل خطراً على أمنه القومي".
وتأمل مصادر محلية في ريف الرقة الغربي بـ"أن يفتح الإجراء الأميركي بإصدار رخص تحرر الشركات من قيود العقوبات، الباب واسعاً أمام حركة إعادة إعمار نشطة للمدينة، التي دُمّر أغلب أحيائها إما بشكل كامل أو بشكل جزئي".
وتشير في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن إعادة الإعمار "في حال حصوله سيوفر فرص عمل لعدد كبير من سكان المنطقة التي باتت بأمس الحاجة إلى اهتمام كبير من قبل المجتمع الدولي".
من جهته، رأى المحلل الاقتصادي يونس الكريّم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن واشنطن "تريد تأمين تمويل لمناطق الإدارة الذاتية من وراء هذا القرار، ومنحها المزيد من الاستقرار"، وأشار إلى أن "العديد من القطاعات ستستفيد من القرار الأميركي بما فيها قطاع النفط والتعلم والصحة والزراعة"، مضيفاً: يتيح القرار تطوير البنى التحتية في المنطقة.
وأبدى الكريّم اعتقاده بأن القرار "سيدفع شركات غربية للعمل في شمال شرقي سورية"، مضيفاً: هناك فرص واعدة في المنطقة، لذا ستسعى الشركات للحصول على امتيازات بعيدة الأمد.
ولفت إلى أن القرار الأميركي "ضيّق هامش المناورة لدى النظام السوري"، معتبراً أنه "ربما يفتح الباب لتحويل سورية إلى كانتونات، إذ منحت الإدارة الذاتية امتيازات على حساب باقي القوى المسيطرة في سورية".
ويشي القرار الأميركي بأن له أبعاداً سياسية، ويصب في صالح تكريس "الإدارة الذاتية" كسلطة أمر واقع في شرق الفرات، وهو ما يعزز خريطة السيطرة الميدانية في سورية، والتي يُخشى أن تتحول إلى أمر واقع ربما يفضي إلى تقسيم البلاد.
تثبيت الواقع في شرق سورية
في هذا الصدد، أشار المحلل السياسي فراس علاوي إلى أن الشمال الشرقي من سورية "عملياً كان مستثنى من تطبيق قانون قيصر نتيجة الوجود الأميركي في المنطقة"، مضيفاً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن القرار الأميركي الجديد يكرس "الإدارة الذاتية" كسلطة أمر واقع.
وبيّن أن القرار "يصب في صالح شركات أميركية، ويخفف العبء الاقتصادي عن الإدارة في واشنطن"، كاشفاً أن "هناك توجهاً إلى تثبيت الواقع الموجود في سورية لحين التوصل إلى حل سياسي ربما يثبّت اللامركزية الإدارية في سورية".
ورأى أن القرار "عامل اطمئنان وقوة لقسد والإدارة الذاتية"، مضيفاً: كانت هناك خشية في السابق من انسحاب أميركي من المنطقة يعيد النظام إليها.
يونس الكريّم: القرار سيدفع شركات غربية للعمل في شمال شرقي سورية
وتعد منطقة شرقي الفرات، والتي تشكل نحو ثلث مساحة سورية، أهم المناطق في البلاد، وتضم أكثر الثروات أهمية، خصوصاً الزراعية والنفطية.
وكانت "شرقي الفرات" حتى عام 2011 سلّة الغذاء الأهم في سورية، إذ تنتج الكمية الأكبر من إنتاج سورية من المحاصيل الاستراتيجية، تحديداً القمح والقطن والتي كانت ترفد خزينة الدولة.
كما تضم المنطقة الواقعة تحت سيطرة "قسد"، المشمولة بالقرار الأميركي، أكبر حقول وآبار البترول في سورية، خصوصاً في ريف الحسكة، شمال شرقي سورية، وريف دير الزور في شرقي سورية.
ومن أهم الحقول في الحسكة حقل رميلان، الذي يضم أكثر من 1322 بئراً، وحقول الغاز في مركدة والشدادي. وفي ريف دير الزور هناك حقل العمر، وهو أكبر حقول البلاد النفطية وأشهرها، إضافة إلى حقول أخرى، منها الكونيكو للغاز.
ومرت المنطقة بتحولات كثيرة حيث سيطر على جانب كبير منها تنظيم "داعش"، وهو ما دفع التحالف الدولي و"قسد" لشن حرب عليه استمرت لسنوات وأدت إلى تدمير مدينة الرقة بشكل شبه كامل، فضلاً عن تهجير عدد كبير من السكان نتيجة العمليات العسكرية.
ووفقاً لأرقام الأمم المتحدة، فقد تم تدمير أو إلحاق الضرر بنحو 11 ألف مبنى، بين فبراير/ شباط 2017 وأكتوبر/ تشرين الأول من العام عينه، في مدينة الرقة بما في ذلك 8 مستشفيات، و29 مسجداً، وأكثر من 40 مدرسة، و5 جامعات، بالإضافة إلى نظام الري في المدينة.