استئناف قريب للقاءات الليبية في المغرب وسويسرا: المناصب السيادية وترتيبات سرت

24 سبتمبر 2020
بوزنيقة المغربية استضافت المحادثات الليبية (العربي الجديد)
+ الخط -

يستأنف ممثلو مجلسي النواب والدولة في ليبيا لقاءاتهما في المغرب، الأحد المقبل، في الوقت الذي ستبدأ فيه وزارتا الداخلية التابعتان لحكومة "الوفاق" في طرابلس والحكومة الموازية في شرق البلاد، تشكيل لجنة لوضع الترتيبات الأمنية في سرت، بعد انسحاب طرفي الصراع منها.

وتطابقت معلومات مصادر ليبية مسؤولة عن استئناف ممثلي مجلسي النواب والدولة، الأحد المقبل، لقاءاتهما في المغرب، لمناقشة آليات اختيار شاغلي المناصب السيادية، بعد أن وزعت المناصب الثمانية (مصرف ليبيا المركزي، وديوان المحاسبة، وجهاز الرقابة الإدارية، وجهاز مكافحة الفساد، والمفوضية العليا للانتخابات، والمحكمة العليا، والنائب العام) في شكل محاصصة جغرافية على أقاليم البلاد الثلاثة في الجلسات الماضية في المغرب.

وأفصحت المصادر عن أنّ اللقاءات المقبلة بين الطرفين ستناقش آليات اختيار شاغلي المناصب السيادية، بينما ستؤجل جلسات التسمية إلى الأسابيع المقبلة، تزامناً مع بدء لقاءات أخرى بين مجلسي النواب والدولة في سويسرا، بتمثيل أوسع، لإعادة تشكيل المجلس الرئاسي وحكومة وحدة وطنية.

وبحسب المصادر، من المرجَّح أن تنعقد لقاءات سويسرا مطلع أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، بمشاركة 80 شخصية ليبية، تمثل كل الأطياف، للتوافق على مجلس رئاسي مكون من ثلاثة أعضاء، هم - بحسب مقترح أممي - عقيلة صالح، ممثلاً عن الشرق، وأحمد معيتيق، ممثلاً عن الغرب، وعبد المجيد سيف النصر، ممثلاً عن الجنوب، فيما لا يزال منصب رئيس الحكومة بين شخصيتين هما الأكثر حظاً، فتحي باشاغا، وزير الداخلية الحالي في حكومة "الوفاق"، ومعين الكيخيا المعارض الليبي المقرب من أبوظبي والمنحدر من بنغازي.

ويجري الحراك الحالي في كواليس الأزمة الليبية بدفع دولي وضغوط متزايدة على الأطراف المتدخلة في الملف الليبي، حيث تستبق تلك الأطراف نتائج جولات اللقاءات المقبلة لضمان مصالحها، من خلال شخصيات ليبية تدفع بها إلى واجهة المشهد الجديد.

وفي السياق، وبعد ساعات من لقاءات مكثفة أجراها مسؤولون مصريون في القاهرة مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ورئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، أمس الأربعاء، قال المستشار الإعلامي للأخير، عبد الحميد الصافي، إنّ لجنة سيبدأ تشكيلها "قريباً لوضع ترتيبات أمنية للسلطة الجديدة في سرت خلال أيام"، بحسب تصريحاته لتلفزيون مقرب من حفتر، ليل الأربعاء.

وفي تفاصيل أكثر، كشفت المصادر الليبية التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، عن أنّ تلك اللجنة ستتشكل من ضباط من وزارتي الداخلية بحكومة "الوفاق" والحكومة الموازية في شرق البلاد، لتأليف قوة شرطية لتأمين مدينة سرت، بعد انسحاب قوات حكومة "الوفاق" ومليشيات حفتر، المدعومة من مقاتلي شركة "فاغنر" الروسية، من المدينة، دون تحديد موعد انسحابهما.

وعلاوة على أهمية مدينة سرت كنقطة تماس بين قوات طرفي الصراع المتصلين بأطراف دولية وإقليمية؛ كتركيا إلى جانب قوات حكومة "الوفاق"، وروسيا والإمارات إلى جانب مليشيات حفتر، فالمدينة تمثل رمزية لأنصار النظام السابق، الذين تمكنوا بدفع روسي من المشاركة في التسويات الحالية، حيث ستتولى شخصية مقربة من سيف الإسلام، نجل العقيد الراحل معمر القذافي، وزارة سيادية في الحكومة الجديدة.

وتبدو هذه المستجدات أنها جاءت كنتاج لحراك دولي وأممي تدفع به واشنطن لاحتواء الأزمة الليبية، وتسريع وصولها إلى طاولة حوار لقطع الطريق أمام التوغل الروسي في ليبيا، من جملته إعلان وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، استهداف واشنطن لشبكة مرتبطة بالعميل الروسي يفغيني بريغوزين، تعمل على "تعزيز النفوذ الخبيث لروسيا في جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا وخارجها"، مضيفاً، في تغريدة على حسابه في "تويتر"، أمس الأربعاء، أنّ بلاده "ستواصل تعزيز المساءلة لأولئك الذين يدعمون الأنشطة الروسية الخبيثة".

وتمكنت الدبلوماسية الأميركية، بحسب معلومات المصادر، من تأجيل النقاش حول منصبين سياديين مهمين، هما منصبا المؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة العسكرية، لارتباطهما بحدة الصراع الحالي.

وبعد رفض ضمني للسفارة الأميركية في ليبيا لسعي حفتر إلى الاتفاق مع نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق، مطلع هذا الأسبوع، بشأن استئناف إنتاج النفط وتصديره، يبدو أنّ اللواء المتقاعد فشل في استثمار ورقة النفط، في محاولة للإبقاء على وجوده في المشهد، أو للحصول على مكاسب جديدة، خصوصاً مع حديث متزايد عن مقترح أممي تدعمه عدة دول أوروبية بشأن الاستعاضة عن المؤسسة العسكرية بجسم بديل يحمل مسمى "الحرس الوطني"، يساعد على حلحلة ملف المجموعات المسلحة المنتشرة في ليبيا وضمان تفكيكها، بضمها إلى الجسم الجديد الذي سيتولى قيادته مجلس عسكري لا يزال أعضاؤه محل جدل، رغم حسم مصراتة لقرارها بترشيح اللواء سالم حجا ممثلاً عنها فيه.

ويكفل الاتفاق على آليات اختيار شاغلي المناصب السيادية، توحيد المؤسسات السيادية المنقسمة بين حكومتين منذ عام 2014،ولا سيما بعد التوافق على توزيعها على أقاليم ليبيا الثلاثة؛ بحسب الأكاديمي الليبي خليفة الحداد.

ويرى الحداد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الصراع على شغل تلك المناصب أحد أهم أسس الصراع منذ سنوات، مشيراً إلى أنّ "توحيد المؤسسات السيادية لا يكفل فقط الذهاب إلى تشكيل سلطة جديدة، بل يمهد أيضاً للتوافق على قاعدة دستورية وانتخابات رئاسية وبرلمانية".

وبحسب قراءة الحداد، فإنّ الجهد الأممي الحالي يتجه إلى قطع الطريق أمام كل الأطراف المسلحة التي تستند إلى شرعية المكونات السياسية الحالية، مثل حفتر المتكئ على شرعية مجلس نواب طبرق كقائد عام للجيش، وإنهاء شرعية هذا المجلس اضطره إلى القبول بالتراجع نسبياً عن المشهد، والقبول حالياً بأي مقترح للتسوية بعد أن فقد أيضاً أغلب داعميه، وبقي في مواجهة التهديد الأميركي بشأن علاقته مع موسكو.

من جانب آخر، رجّح الباحث السياسي الليبي بلقاسم كشادة، نجاح الدبلوماسية الأميركية في دفع الأطراف الفاعلة في الملف الليبي إلى التوصل إلى تفاهمات بشأن مصالحها في ليبيا، و"يؤشر التقارب النسبي بين أنقرة والقاهرة من جانب، وأنقرة وباريس من جانب آخر، على هذا"، وفق قوله.

وأوضح كشادة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "بيانات السفارة الأميركية في الآونة الأخيرة كانت تؤكد قربها من كل ما يدور في لقاءات الليبيين، سواء في المغرب أو سويسرا، ما يعني رغبتها في نقل الملف الليبي من حالة الصراع العسكري إلى الساحة السياسية لإيحاد حلول مقبولة من كل المتدخلين في الشأن الليبي، لكنها، في الوقت ذاته، تسعى إلى تقويض التوغل الروسي".

وتابع: "إنّ تحييد ملف النفط والمؤسسة العسكرية حالياً يعني معرفة واشنطن بحساسية ارتباط الملفين بالوجود الروسي، فعناصر فاغنر الروس إلى الأمس فقدوا طائرة على متنها أربعة مسلحين بالقرب من قاعدة عسكرية مهمة كالجفرة، ما يعني إصرارهم على البقاء، ولهم انتشار في مواقع النفط أيضاً"، معتبراً أنّ الخطوات التي تدفع واشنطن الليبيين باتجاهها "مرحلة لعزل تأثير موسكو في الملف الليبي".

ومن بين تلك الخطوات الأميركية، ضغطها من أجل تمرير مقترحها بشأن هيكل عمل البعثة الأممية في ليبيا من خلال مجلس الأمن، الذي يقترح فصل عمل الدعم السياسي من خلال مبعوث أممي خاص، والعمل الإنساني والإغاثي من خلال رئيس للبعثة وفروعها.

وأشار كشادة إلى أنّ كل ما يجري، سواء في الملف الليبي، أو الملفات الساخنة الأخرى، في حوض المتوسط والشرق الأوسط، وراءه هدف أميركي لتجميد الأوضاع إلى ما بعد انتخاباتها الرئاسية المقبلة، في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني، ولذا فـ"الحسم في الملف الليبي والملفات المتصلة به لن يكون قريباً، وحالة التجاذب ستستمر، لكنها في نطاق أضيق مما سبق"، يختم بالقول.

المساهمون