استأنفت الأمم المتحدة إدخال القوافل الإنسانية إلى شمال غرب سورية، بعد توقفها منذ يوليو/تموز الماضي، بسبب عرقلة الجانب الروسي تجديد آليات برنامج تدفق المساعدات الدولية لملايين السوريين في شمال وشمال غرب البلاد، المعمول به من قبل الأمم المتحدة منذ عام 2014.
ودخلت أمس الثلاثاء قافلة مساعدات مكونة من 17 شاحنة عبر معبر باب الهوى الحدودي بين تركيا وسورية، إثر تفويض منحه مكتب تنسيق العمل الإنساني، في شمال غرب سورية للأمم المتحدة، قبل أيام، ينص على استئناف إدخال قوافل المساعدات الأممية.
قوافل عدة على مدار الأشهر المقبلة
وبيّن مدير المكتب الإعلامي في معبر باب الهوى مازن علوش، في حديث مع "العربي الجديد"، أن القافلة التي دخلت تحمل قرطاسية ومستلزمات طبية ومستلزمات خيم، وأدوية ومتممات غذائية. وأشار إلى أن إدارة المعبر ستوزع المساعدات على المنظمات الشريكة مع الأمم المتحدة في شمال سورية لتوزيعها على المستحقين، مضيفاً أنّ هناك عدة قوافل على مدار الأشهر المقبلة.
محمد نجار: الجانب المهم هو عبور المساعدات وفقاً لقوانين الأمم المتحدة وليس كما يريد النظام
وكان وفد من الأمم المتحدة قد زار، الأسبوع الماضي، مكتب تنسيق العمل الإنساني في إدلب، باعتباره الجهة المخولة بمتابعة الجانب الإنساني في شمال غرب سورية، واتفق الجانبان على وضع الترتيبات اللازمة للتأكد من جاهزية معبر باب الهوى لاستقبال المساعدات الإنسانية الدولية القادمة من تركيا، ومرورها إلى شمال غرب سورية. وتأسس هذا المكتب في 2022، بهدف تعزيز التنسيق بين منصات الدعم الدولية والإقليمية والعالمية والمنظمات الإنسانية المنفذة على الأرض في شمال سورية.
وكانت روسيا قد استخدمت حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، في يوليو الماضي، للاعتراض على تجديد عملية إرسال مساعدات إلى شمال غرب سورية من معبر باب الهوى، المعمول بها لتخفيف الأعباء المعيشية على ملايين السوريين، جلّهم نازحون في شمال سورية.
وتسيّس موسكو هذا الملف الإنساني منذ إقراره في 2014، لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية للنظام السوري. إلا أن المجتمع الدولي رفض الابتزاز السياسي الروسي في يوليو الماضي، واتجه إلى تفعيل آليات بديلة بعيداً عن التدخل الروسي، وهو ما دفع النظام السوري أخيراً إلى الموافقة على استخدام معبري باب الهوى وباب السلامة مع تركيا لدخول المساعدات، وعلى توصيل المساعدة عبر خطوط الصراع داخل سورية في سرمدا وسراقب بريف إدلب خلال الأشهر الستة المقبلة، وفق الأمم المتحدة.
رفض الأمم المتحدة لشرطَي النظام
وكانت الأمم المتحدة قد رفضت شرطين قدمهما النظام في يوليو الماضي، الأول ينص على تسليم المساعدات بالتعاون والتنسيق الكاملين معه، والثاني عدم التعامل مع "كيانات مصنفة إرهابية".
وأكدت الأمم المتحدة رفضها لأي إجراء "لا يتوافق مع استقلاليتها"، مشيرة من خلال نائب المتحدث باسم الأمين العام فرحان حق في الثامن من الشهر الحالي، إلى أن موافقة النظام "توفر أساساً للأمم المتحدة وشركائها لإجراء عمليات إنسانية عبر الحدود بشكل قانوني عبر معبر باب الهوى".
وكان مجلس الأمن الدولي قد أجاز في عام 2014 توصيل المساعدات الإنسانية إلى مناطق تسيطر عليها فصائل المعارضة في سورية من العراق والأردن ونقطتين في تركيا، لكن موسكو وبكين، اللتين تتمتعان بحق الفيتو، قلّصتا ذلك إلى نقطة حدودية تركية واحدة فقط، هي معبر باب الهوى الحدودي في شمال غرب سورية.
وأوضح مدير برنامج التعافي المبكر في منظمة "بنيان" العاملة في شمال سورية، أحمد قطان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "النظام أعطى الأمم المتحدة موافقة على استخدام معبري باب الهوى وباب السلامة لتفعيل آليات المساعدة حتى نهاية العام الحالي، كما حصلت الأمم المتحدة على موافقة حكومة الإنقاذ في شمال غرب سورية"، مضيفاً: "على هذا الأساس استأنفت الأمم المتحدة برنامج إدخال المساعدات، وتنفيذ ما هو مرتبط به".
استئناف تدفق المساعدات مهم
من جهته، وصف محمد نجار، وهو مدير منظمة "سداد" الناشطة في شمال سورية، استئناف تدفق المساعدات عبر معبر باب الهوى بـ"المهم"، مضيفاً، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الجانب الأهم عبور المساعدات وفقاً لقوانين الأمم المتحدة، وليس كما روّج النظام من أنه المعنيّ بالإشراف على دخول المساعدات.
وتابع: "هذه أول تجربة لإدخال المساعدات من دون قرار من مجلس الأمن الدولي، وإنما بتفويض من وكيل الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيث بعد زيارته أخيراً للشمال السوري".
"منسقو الاستجابة": توقف المساعدات أدى لزيادة حد الفقر إلى مستويات جديدة
ويعتمد ملايين السوريين في شمال وشمال غرب سورية على المساعدات الدولية لتوفير الحدود الدنيا لاحتياجات المعيشة في منطقة محدودة الموارد، ما يقلل من فرص العمل فيها.
وكان فريق "منسقو الاستجابة"، الذي يتابع مجرى الأحوال الإنسانية في شمال غرب سورية، قد أوضح، أخيراً، أن قيمة السلة الغذائية أو القسيمة الشرائية الممنوحة للنازحين تبلغ 40 دولاراً، خُفضت منذ يوليو الماضي مع توقف تدفق المساعدات بسبب الفيتو الروسي.
توقف المساعدات أدى إلى زيادة حدة الفقر
وكان الفريق قد أكد، أواخر الشهر الماضي، أن توقف المساعدات أدى إلى زيادة حد الفقر إلى مستويات جديدة بنسبة 1.12 في المائة، ما يرفع نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر إلى 90.93 في المائة، وفق الفريق الذي أكد أن نسبة العائلات التي وصلت إلى حد الجوع ارتفعت إلى 40.67 في المائة.
وأشار إلى أن توقف المساعدات أدى أيضاً إلى زيادة معدلات البطالة في شمال غرب سورية، بحيث أصبحت 88.65 في المائة بشكل وسطي، وإلى "عجز واضح في القدرة الشرائية لدى المدنيين وبقائهم في حالة فشل وعجز على مسايرة التغيرات الدائمة في الأسعار".
وبيّن أن عدم تدفق المساعدات أدى أيضاً إلى "توقف كامل لبرنامج الأمن الغذائي للنازحين"، وإلى انقطاع مادة الخبز عن المخيمات، وتراجع كمية المياه، وهو ما سبّب زيادة واضحة في أعداد المصابين بالأمراض الجلدية، نتيجة ذلك.