استمع إلى الملخص
- تو لام، الرئيس الجديد، يعد شخصية مركزية في الاضطرابات السياسية ومرشحاً لخلافة قيادة الحزب الشيوعي، في وقت تسعى فيتنام لجذب استثمارات غربية وتنويع اقتصادها بعيداً عن الصين.
- الصراعات الداخلية والتوجهات الأيديولوجية المتشددة قد تعزز العلاقات مع الصين ولكن قد تؤثر سلباً على قدرة فيتنام على التعامل مع التحديات الخارجية، مما يشير إلى استمرار التوترات الإقليمية.
شهدت فيتنام خلال الأشهر الماضية اضطرابات غير مسبوقة داخل أروقة الحزب الشيوعي الحاكم والقيادة السياسية، إذ استقال ثلاثة من أرفع خمسة زعماء في البلاد بسبب مخالفات غير محددة، منذ مارس/ آذار الماضي، من بينهم رئيس البلاد السابق فو فان ثونغ، وذلك في جزء من حملة "الفرن المشتعل" لمكافحة الفساد، والتي يقودها الأمين العام للحزب الشيوعي الفيتنامي نغوين فو ترونغ. وفيما بدا أنه يوجد ارتياح صيني للاضطرابات في فيتنام تساءلت وسائل إعلام رسمية صينية حول كيفية استفادة بكين من التطورات.
وبعد استقالة فو فان ثونغ، مارس الماضي، انتخب البرلمان، في مايو/ أيار الماضي، وزير الأمن العام السابق تو لام رئيساً للبلاد، فيما يُنظر إلى الأخير على نطاق واسع بأنه يؤدي دوراً مركزياً في الاضطرابات السياسية. كذلك فإن تو لام في موقع رئيسي لخلافة رئيس الحزب الشيوعي الحاكم نغوين فو ترونغ، في عملية انتقال القيادة المقبلة (2026)، جنباً إلى جنب مع رئيس الوزراء فام مينه تشين. ورغم أن حملة مكافحة الكسب غير المشروع أثبتت شعبيتها بين عامة الناس في فيتنام، فإنها جاءت في الوقت الذي سعت فيه هانوي إلى الاستفادة من تنويع الاستثمارات الغربية بعيداً عن الصين.
ومع اشتداد الصراع على السلطة بدا أن القيادة الجديدة مستعدة للتضحية بمسار النمو الاقتصادي في سبيل إحكام السيطرة على مقاليد الحكم، ما من شأنه، وفق مراقبين، أن يؤدي إلى إبطاء اندماج هانوي في العالم الخارجي. كما سيخدم مصالح الصين إذ إن إفراز قيادة حزبية متشددة إيديولوجياً سيجعل فيتنام على مسار واحد مع قيادة الحزب الشيوعي الصيني، من حيث التشكيك في الغرب والحفاظ على مسافة من الإملاءات الأميركية، كما سيجعل التواصل بينهما أكثر دفئاً وانسجاماً.
في موازاة ذلك قال محللون صينيون إن التصدعات داخل القيادة في هانوي قد تؤثر على قدرة الحزب الحاكم على الوقوف متحداً للتعامل مع بكين بشأن النزاع بين البلدين في بحر الصين الجنوبي. وتدعي الصين سيادتها على معظم بحر الصين الجنوبي وتتنازع السيادة عليه مع كل من تايوان والفيليبين وماليزيا وبروناي وإندونيسيا وفيتنام. ووفق مراقبين فإنه يمكن للعوامل الخارجية، مثل الحوادث المحتملة مع بكين في بحر الصين الجنوبي، أن تعطل العلاقات الصينية الفيتنامية، وتدفع هانوي إلى فلك واشنطن مرة أخرى، ما يحد من وجود ارتياح صيني للاضطرابات في فيتنام.
وبرأيهم فإن موقف بكين المتشدد تجاه بحر الصين الجنوبي وعدم اعترافها بصحة مطالبات الدول الأخرى، قد يقوّض القيادة الشيوعية في فيتنام، وبالتالي يحتم على الصين أن تتعامل بحذر في التعامل مع الخلاف البحري مع هانوي خلال الفترة المقبلة. وإذا عانت فيتنام من أي إذلال من بكين في بحر الصين الجنوبي أو مناطق أخرى، فسيكون ذلك ذريعة للعمل ضد القيادة الحالية والتسبب في رد فعل شعبي عنيف، وهو ما يتعارض مع المصالح الحقيقية للصين.
في سياق متصل، حذرت صحف صينية، أمس الاثنين، من توسيع فيتنام عمليات التجريف واستصلاح الجزر في المناطق المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي خلال الأشهر الستة الماضية. وقالت إن هانوي تسير على خطى عام قياسي في بناء الجزر خلال العام الحالي، إذ إنها أضافت 2.8 كيلومتر مربع من جزر سبراتلي منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وهو ما يعادل تقريباً جهودها في العامين الماضيين. ورغم أن الصين وفيتنام عملتا على تحسين العلاقات في الأعوام الأخيرة، إلا أن مطالباتهما المتضاربة في بحر الصين الجنوبي تظل مصدراً رئيسياً للخلاف.
ارتياح صيني للاضطرابات في فيتنام
في تعليقه على وجود مؤشرات ارتياح صيني للاضطرابات في فيتنام وتأثير التطورات في هانوي على العلاقات مع بكين، قال الباحث الصيني في العلاقات الدولية وانغ تشي بينغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "لا شك في أن بكين تتابع عن كثب تسارع الأحداث في هانوي، وهناك مؤشرات على أن الاقتتال الداخلي قد وصل إلى ذروته، ومن المتوقع أن يستمر، خصوصاً أن البلاد مقبلة على استحقاق انتخابي (انتخابات تشريعية) في عام 2026". واستدرك أن "هناك ارتياحا لدى الصين بتولي الرئيس تو لام، مقاليد الحكم، والذي كان واضحاً في خطابه الأول بأنه عازم على الاستمرار في مكافحة الفساد وتعزيز الانضباط الحزبي، والتعامل بحزم مع المسؤولين الفاسدين، ما يتقاطع مع حملة الرئيس (الصيني) شي جين بينغ، ضد الفساد التي أطلقها عام 2013".
وانغ تشي بينغ: الصين مرتاحة لتولي الرئيس تو لام الحكم في فيتنام
وأضاف أنه "بالتالي تدرك بكين بأن أولية الرئيس الجديد متمثلة في الاستقرار السياسي على حساب التمدد غرباً والتقارب مع الولايات المتحدة، وهي أهداف لا يمكن تحقيقها بمعزل عن الاستقرار الإقليمي والحفاظ على علاقات مستقرة مع الصين، على الأقل خلال العامين المقبلين". ولفت وانغ إلى وجود عوامل أخرى "تهم بكين في مسألة التغيير السياسي والأحداث المتسارعة عند جارتها في الجنوب الشرقي، إذ إن الانقسامات الداخلية في هانوي قد تحد من رغبة الحزب (الشيوعي الفيتنامي) في استعداء واستفزاز الصين بشأن النزاعات البحرية، خصوصاً أن هذه النزاعات كانت دائماً عقبة أمام تعزيز العلاقات بين الجانبين". وأوضح أنه "لذلك فإن الاضطرابات الحالية قد تشتت تركيز القيادة بما يصعب تشكيل جبهة موحدة للتعامل مع التحديات الخارجية، وفي مقدمتها النزاع في بحر الصين الجنوبي".
تشدد أيديولوجي
من جهته، قلل الخبير في الشؤون الآسيوية تشون داي (يقيم في تايوان) من تأثير الاضطرابات السياسية في فيتنام على الاتجاه العام للبلاد في ما يتعلق بإدارة علاقاتها الدولية. وقال في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "من غير المرجح أن تؤثر الاضطرابات على سياسة هانوي الخارجية ومقاربتها للعلاقة مع بكين وواشنطن"، عازياً ذلك إلى أن "مثل هذه الملفات راسخة منذ أكثر من ثلاثة عقود، ولم يطرأ عليها أي تغيير بغض النظر عن هوية الرئيس وشكل النظام".
تشون داي: من غير المرجح أن تتغيّر مقاربة هانوي للعلاقة مع بكين وواشنطن
لكن في إطار وجود ارتياح صيني للاضطرابات في فيتنام لفت تشون إلى أن "الصين ربما ستكون ممتنة لهذه الاضطرابات التي قد تتسبب في تغييرات جذرية على مستوى الأوليات السياسية وإعلاء شأن الإيديولوجية الحزبية". وأضاف أن "هذا ما تريد أن تراه بكين في دول الجوار، وجود قادة ومسؤولين حزبيين يفكرون سياسياً بنفس الطريقة التي يفكر فيها الرئيس شي جين بينغ". وأوضح أن استفادة الصين من الاضطرابات في فيتنام وما تريده بكين يأتي "بمعنى الحفاظ على هامش من الإملاءات الغربية، وكذلك السير بنفس مسار مكافحة الفساد لتطهير الحزب الحاكم الذي يبدو في ظاهره صحياً لكنه ينطوي على صراعات داخلية تفضي إلى إقصاء الخصوم السياسيين، وتحافظ على قبضة الحزب على مقاليد السلطة". واعتبر أن هذه "عوامل تنفّر الغرب وتجعله يضع مثل هذه الدول الاستبدادية في كفة الصين".