شدد رئيس المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق" فائز السراج، الأحد، على ضرورة الذهاب إلى "انتخابات مباشرة"، مطالباً الأطراف الليبية بالانخراط في الحوار السياسي القادم لإنجاز هذا الاستحقاق بشكل سريع، فيما أكدت الأمم المتحدة أن اجتماعات ملتقى الحوار السياسي، المرتقب عقده في تونس الأسبوع المقبل، تهدف إلى التقريب بين جميع الليبيين لرسم مسار انتخابي سليم.
وتحتضن مدينة غدامس الليبية، أقصى الغرب الليبي، اليوم الاثنين، اجتماعاً عسكرياً، يمتدّ لثلاثة أيام، يضمّ وفدي اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5، لبحث سبل تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بينهما في جنيف يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، "بما في ذلك إنشاء اللجان الفرعية، فضلاً عن آليات المراقبة والتحقق من وقف إطلاق النار"، بحسب بيان البعثة الأممية في ليبيا.
وكانت أطياف ليبية عدة طالبت بضرورة أن يعمل ملتقى الحوار السياسي المقبل على إخراج البلاد من الفترات الانتقالية، والعمل على التوافق حول قاعدة دستورية للذهاب إلى انتخابات عامة، فيما ترى البعثة الأممية ضرورة الاتفاق على سلطة تنفيذية موحدة، وتوحيد مؤسسات الدولة، لإفساح المجال أمام الليبيين للتوافق على أساس دستوري متين يفضي إلى الانتخابات.
وبينما ثمّن السراج، في كلمة نشرها مكتبه الإعلامي بمناسبة عودته مساء الأحد من رحلة أجراها لتركيا وإيطاليا، دور "كل ما شارك في عملية بركان الغضب"، مشيداً بتضحيات "الأبطال البواسل الذين واجهوا وتصدوا وهزموا العدوان الفاشل على العاصمة طرابلس"، أكد مطالبته بضرورة "الذهاب إلى انتخابات مباشرة، يقول فيها الشعب كلمته بكامل حريته وإرادته تفضي في النهاية إلى مرحلة دائمة".
وذكّر السراج بأنه كثيراً ما طالب بـ"تركيز الجهود في محاولة البحث عن قاعدة دستورية تُجرى على أساسها هذه الانتخابات، بدلاً من الولوج في مرحلة انتقالية جديدة، غير أن الكثيرين لم يستحسنوا هذا التوجه، وساقوا في سبيل رفضه مبررات كثيرة".
وأرجع السراج أسباب رجوعه عن استقالته إلى أن المهلة التي أعلن عنها في سبتمبر/أيلول الماضي "انتهت من دون إنجاز أي شيء بسبب تأخر الأطراف الليبية في اللقاء وإنجاز هذا الاستحقاق، لذا أجد نفسي وزملائي في موقف يحتم علينا تحمل المسؤولية مرة أخرى، للمحافظة على أمن البلد وسيادة قرارها السياسي"، مشيراً إلى أن قراره استند إلى كتابين من مجلسي النواب والدولة، ومطالبة من البعثة الأممية ودول صديقة.
ويبدو أن كلمات رئيسة البعثة الأممية بالإنابة ستيفاني ويليامز، خلال لقائها بنائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق في اسطنبول، حملت إجابات لمطالب السراج وأطياف ليبية أخرى، حيث أكدت أن الهدف من ملتقى الحوار السياسي المقبل جمع الليبيين لـ"رسم مسار انتخابي سليم مبني على قاعدة دستورية وفي أقصر إطار زمني ممكن، ينهي المراحل الانتقالية المتعاقبة، وينقل ليبيا إلى مرحلة سياسية جديدة"، بحسب بيان للبعثة.
ومن غير الواضح حتى الآن التفاصيل حول المرحلة الانتقالية الجديدة، لكن البعثة الأممية رحبت، في العاشر من سبتمبر/أيلول الماضي، بتوصيات اجتماع تشاوري ليبي، انعقد في مونترو السويسرية، اتفق على فترة انتقالية مدتها 18 شهراً، تجرى خلالها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على "أساس إطار دستوري يتم الاتفاق عليه"، ويجري خلالها إعادة تشكيل المجلس الرئاسي وتشكيل حكومة وحدة.
وفيما لم يعلن مجلس نواب طبرق أي نتائج لزيارة رئيسه عقيلة صالح للقاهرة، السبت الماضي، باستثناء لقائه مسؤولين مصريين لبحث مستجدات الأزمة في البلاد، بحث رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني المستجدات السياسية في الشأن الليبي، ومسار الحوار السياسي الليبي، والجهود القطرية للمساهمة في إنهاء الأزمة في ليبيا، بحسب المكتب الاعلامي للمجلس الأعلى للدولة.
ومنذ أسبوعين، أجرى مسؤولون ليبيون زيارات لعدة عواصم عربية وإقليمية قبيل بدء لقاءات ملتقى الحوار السياسي، المزمع عقده الأسبوع المقبل في تونس، وهو "الحدث السياسي الفاصل"، على حدّ وصف المحلل السياسي الليبي مروان ذويب.
ويوضح ذويب في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه على الرغم من الاعتراضات على مضمون الملتقى بشأن اتفاقه على مرحلة انتقالية جديدة، فإن الرأي العام بات يتجه إلى الاقتناع بأن الخروج مباشرة إلى انتخابات عامة لا يتفق مع الواقع.
وسبق أن رعت البعثة الأممية مساراً دستورياً بمشاركة أعضاء من مجلسي الدولة والنواب والهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، في القاهرة في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، وعلى الرغم من أن بيانه الختامي أكد "ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية والبدء في ترتيبات المرحلة الدائمة"، إلا أن البيان ذكر أن المشاركين اتفقوا على لقاء آخر، من دون تحديد موعده، لمناقشة ترتيبات دستورية توافقية تساعد البلاد على الخروج إلى المرحلة الدائمة.
وتابع ذويب: "حتى الآن، الاتفاق العسكري لا يزال على الورق، لم يتحقق منه شيء، علاوة على الخلاف الكبير في المسار الدستوري، فلا يوجد أساس تعقد به أي انتخابات"، مشدداً على أهمية خروج الطبقة السياسية الحالية، واستبدالها بجددٍ، كعامل إضافي يهيء مناخاً للانتخابات.
وعلى حدّ اعتقاد ذويب، فإن هدف البعثة من الملتقى لا يتوقف عند حد اتفاق المشاركين على قاعدة دستورية صلبة للانتخابات، بل يرى أن التحدي الأكبر أمامها يتمثل في قدرتها على إقناع المتنفذين في المشهد الحالي بترك مناصبهم والخروج من المشهد، معتبراً أن مطالب الدخول مباشرة في مرحلة الانتخابات "طريقة جديدة للعرقلة لبقاء من يطالب بها في المشهد، لأنهم يعرفون أن أساس الانتخابات مفقود، وبالتالي توفر مطلبهم مستحيل والنتيجة بقاؤهم في مناصبهم".
وعلى الرغم من انشغال المشهد الليبي بمستجدات اجتماعات غدامس والتحضير لملتقى الحوار السياسي في تونس، أعلن مجلس نواب طبرق، اليوم الاثنين، الحداد ثلاثة أيام على آمر القوات الخاصة بمليشيات خليفة حفتر، ونيس بوخمادة، الذي توفي أمس في بنغازي إثر وعكة صحية، وخصصت وسائل إعلام مقربة من حفتر ساعات طويلة من برامجها لنعي بوخمادة واسعتراض دوره في حروب حفتر بمدينة بنغازي.
والسبت الماضي، طالبت المحكمة الجنائية الدولية، رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، وآمر القوات الخاصة بمليشيات حفتر، ونيس بوخمادة، بسرعة اتخاذ جميع الخطوات اللازمة للقبض على محمود الورفلي، التابع للقوات الخاصة، المعروف بـ"قائد الاعدامات" المطلوب للعدالة الدولية.
ويلفت الناشط السياسي الليبي الهادي نقاصة، من جانبه إلى أن الجهود الأممية الهادفة إلى إنتاج تسوية سياسية تعترضها العديد من القضايا، "منها أوضاع حفتر الجنائية، وتورط مليشياته في انتهاكات مباشرة ترتقي لمستوى جرائم حرب".
ويضيف نقاصة في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "خطط البعثة الحالية التي تتجه لخلق واقع سياسي جديد ستعترضها أوضاع حفتر، وتكمن صعوبة هذا الوضع في أن حفتر لا يزال مدعوماً من أطراف خارجية، ولا يزال يمتلك قوى على الأرض"، معتبراً أن بقاء حفتر في المشهد سيعرقل انتهاء الفترة الانتقالية الحالية.
ويوضح أن "نتائج التحقيقات التي تجريها فرق أممية في الوقت الحالي ستطاول حفتر، الذي لن يقبل بأي مساءلة وسيتمسك بوضعه الحالي ومليشياته التي ستمثل له حبل النجاة الوحيد من أي مساءلة"، مؤكداً أن مسار البعثة وجهودها لا تزال تعترضها الكثير من الصعوبات، وأن جهودها لإقصاء المتنفذين في المشهد الحالي "أمر صعب جداً".
وفي جانب حكومة "الوفاق"، أعلنت القوات المساندة لغرفة عمليات تحرير سرت – الجفرة، وقوة حماية طرابلس، رفضها لأي نتائج لملتقى الحوار السياسي في تونس، مشددة على ضرورة إخراج البلاد إلى انتخابات مباشرة وإنهاء مراحل الانتقال السياسي.
وتساءل الناشط السياسي الليبي "ما الذي يمكن أن تغيره سلطة جديدة في ظل هذه الأوضاع والكلمة لا تزال للسلاح؟"، مرجحاً أن تُكرَّر العراقيل أمام السلطة الجديدة، التي واجهت حكومة الوفاق التي أنتجها أيضاً توافق ليبي في الصخيرات المغربية.
ولفت إلى أن قراءة المشهد المقبل يمكن رصدها بناء على نتائج اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة، وقدرتها على بلورة آليات واقعية لفرض اتفاقها على الأطراف السياسية والمسلَّحة.