اختبار هيكلة وزارة الدفاع السورية: إنجاح دمج الفصائل وتجنب الإقصاء

23 ديسمبر 2024
عناصر بالجيش الوطني في تل رفعت، 1 ديسمبر 2024 (عبد الفتاح حسين/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- إعادة هيكلة الجيش ودمج الفصائل المسلحة: تواجه وزارة الدفاع السورية تحديات في دمج الفصائل المسلحة ضمن مؤسسة عسكرية موحدة، مع التركيز على بناء جيش وطني بعقيدة قتالية وطنية، وإعادة الاعتبار للضباط المنشقين.

- التعيينات السياسية وتأثيرها: يثير تعيين وزير دفاع من خارج المؤسسة العسكرية جدلاً بين الضباط المنشقين، بينما يرى بعض الباحثين أهمية الاستفادة من خبراتهم لتفكيك وحدات النظام السابق وإعادة تشغيل القدرات العسكرية المتبقية.

- التحديات الأمنية والرقابة الدولية: تتضمن التحديات الأمنية ضبط الأمن الداخلي والخارجي، مع توقعات برقابة دولية على تسليح الجيش السوري لأسباب تتعلق بإسرائيل، مما يضيف بُعداً دولياً للتحديات.

على الرغم من التداول منذ يوم السبت الماضي بأنباء عن اختيار الإدارة السياسية في دمشق للقائد العسكري لـ"هيئة تحرير الشام"، مرهف أبو قصرة لقيادة وزارة الدفاع السورية في حكومة تسيير الأعمال، إلا أنه لم يصدر حتى بعد ظهر أمس أي قرار رسمي بشأنه. لكن التحركات لترتيب ملف وزارة الدفاع تزامنت مع مناقشة قائد الإدارة، أحمد الشرع، أول من أمس السبت، مع قادة فصائل المعارضة السورية التي شاركت في إسقاط نظام بشار الأسد، "شكل المؤسسة العسكرية في سورية الجديدة".

وعلمت "العربي الجديد"، أن قادة الفصائل التي انضوت في عملية "ردع العدوان" (التي بدأت في شمال سورية ثم وصلت دمشق في 8 ديسمبر/كانون الأول الحالي)، هم فقط من شاركوا في الاجتماع مع الشرع، من دون بقية الفصائل، سواء في "الجيش الوطني"، أو في درعا والمنطقة الجنوبية، وسط مخاوف من استئثار "تحرير الشام" بالسلطة، لا سيما أنها وضعت قياديين فيها، في مفاصل القرار السياسي والاقتصادي ولاحقاً العسكري، منذ تسلمها السلطة في البلاد في 8 ديسمبر.

يثير تعيين وزير للدفاع من خارج المؤسسة العسكرية، حفيظة ضباط انشقوا عن الجيش

وبقدر ما يعدّ التوجه إلى توحيد القرار العسكري ودمج الفصائل ضمن وزارة الدفاع السورية خطوة ضرورية لتطويق فوضى السلاح وتجنب تكرار تجارب في دول عربية تحولت فيها المدن إلى ثكنات عسكرية ومحطات للاقتتال بين الفصائل، فإن أسئلة عدة لا تزال من دون أجوبة بشأن طبيعة الدمج ومن سيشمله وكيف سيتم وعلى أي أسس. مع العلم أن هذه النقاط تعدّ حاسمة في نجاح الخطوة أو تعثرها.

وزارة الدفاع السورية تواجه تركة ثقيلة

أمام وزير الدفاع المقبل، سواء كان أبو قصرة أو غيره، ملفات عسكرية معقدة، وتركة ثقيلة تركها النظام المخلوع الذي حوّل الجيش السوري إلى مليشيا تقاتل من أجل بقاء الأسد في السلطة لا أكثر. وأمام الوزير المقبل المهمة الأصعب وهي دمج عشرات الفصائل في الجيش السوري الجديد للقضاء نهائياً على الفصائلية التي تعد بمثابة قنبلة موقوتة سيؤدي انفجارها إلى تأزيم الأوضاع الأمنية. وتنضوي أغلب هذه الفصائل في "الجيش الوطني السوري" الذي شكلته تركيا قبل أعوام عدة، لذا من المتوقع أن ينخرط سريعاً في مؤسسة عسكرية تقوم على أنقاض جيش النظام، لكن يبدو أن "الجيش الوطني" حتى الآن خارج دائرة التواصل معه من قبل الإدارة الجديدة.
وأكد القيادي في "الجيش الوطني" هشام اسكيف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الجيش السوري المقبل يجب أن "تنخرط فيه القوى الثورية التي قاتلت النظام البائد، ويجب إعادة الضباط المنشقين". وأضاف: "نريد جيشاً سورياً واحداً موحداً، يبسط سيطرته على البلاد ويحميها، وله عقيدة قتالية وطنية".

وصرّح كبار المسؤولين في الإدارة الجديدة أن السلاح يجب أن يكون في يد الدولة فقط، في رسالة واضحة لكل الفصائل بأنه من غير المسموح العمل العسكري خارج قوانين الدولة وجيشها. وينطبق هذا الأمر على "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) والتي تعد بمثابة جيش كامل يسيطر على الشمال الشرقي من سورية، والذي لم يُحسم أمره حتى اللحظة بانتظار مفاوضات بين السلطة الجديدة وهذه القوات التي لطالما طالبت أن تكون جزءاً من المنظومة العسكرية للبلاد. ومن المتوقع أن تطالب وزارة الدفاع السورية الجديدة بنزع سلاح هذه القوات وحلّ وحدات حماية الشعب الكردية وهي الثقل الأساسي في "قسد".

وتثير مسألة تعيين شخصية على رأس وزارة الدفاع السورية من خارج المؤسسة العسكرية، حفيظة العديد من ضباط سوريين انشقوا عن الجيش كي لا يكونوا شركاء في قتل السوريين، وأسهم عدد كبير منهم في تشكيل فصائل الجيش السوري الحر الذي واجه قوات النظام وسيطر على مساحات كبيرة من البلاد قبل ظهور الجماعات الإسلامية. وبحسب دراسة لمركز حرمون للدراسات المعاصرة نشرت في عام 2021، يُقدّر عدد الضباط المنشقين ما بين 4500 و5 آلاف ضابط، وهم يشكلون نسبة العُشر من ضباط الجيش تقريباً عند انطلاق الثورة (2011)، بينما يراوح عدد صف الضباط بين 6000-6500، أما بالنسبة إلى الجنود المنشقين، فتشير التقديرات إلى أن عددهم بعشرات الآلاف، بينما تشير تقديرات إلى أن نسبة المنشقين بالكامل عن جيش النظام (المخلوع) تقارب 39%.

قادة فصائل "ردع العدوان" هم فقط من شاركوا في اجتماع مع الشرع السبت، لمناقشة شكل المؤسسة العسكرية المقبلة

ودعا العقيد فايز الأسمر، وهو من الضباط المنشقين من جيش النظام المخلوع، في حديث مع "العربي الجديد"، الإدارة الجديدة في دمشق إلى الانتقال "من عقلية إدارة الفصيل إلى عقلية إدارة الدولة"، مضيفاً أن "الوضع اختلف كثيراً من إدارة 5 آلاف كيلومتر (في إشارة إلى محافظة إدلب)، إلى إدارة جغرافيا أكثر من 150 ألف كيلومتر وعدد سكان يقارب 17 مليوناً. ورأى أنه إذا لم يتم هذا الانتقال "سيكون هناك خلل كبير يؤدي إلى فشل أكبر"، مضيفاً أنه "مع الاحترام لكل ما قدمته الهيئة (هيئة تحرير الشام) ولكن أتصور أن مكانها ليس في الجيش بل في مؤسسات الدولة الأخرى وما أكثرها"، وفق تعبيره.

إعادة الاعتبار للمنشقين

وحول التحديات التي ستواجه وزارة الدفاع السورية المقبلة، بيّن الأسمر "أن مهمة إعادة هيكلة الجيش وتنظيمه على أسس سليمة هي مسؤولية كبيرة جداً، خصوصاً أن القدرات والمقدرات التسليحية البرّية والبحرية والجوية قد دمرتها إسرائيل بنسبة قد تصل إلى أكثر من 80%". وتابع: "دمج الفصائل في الجيش السوري يجب أن يكون مدروساً جيداً، وأن يكون كاملاً، بحيث ينصهر الجميع في المؤسسة المقبلة، ولا يكون دمجاً شكلياً بحيث تبقى بعض الفصائل بمسمياتها الحالية ويكون ولاؤها لقائد الفصيل أو لقوى خارجية أو إقليمية". كما دعا الأسمر القيادة الجديدة في البلاد إلى الإسراع "في استدعاء صفّ الضباط والضباط المنشقين الأكاديميين في كل الاختصاصات"، مضيفاً أنه "يجب إعادة الاعتبار لهؤلاء وحقوقهم المادية والمعنوية المصادرة منذ بداية انشقاقهم وأن يتم ترفيعهم إلى الرتب التي يستحقونها". وتابع: "يجب الاعتماد على الضباط وضباط الصف المنشقين في تشكيل المؤسسة العسكرية التراتبية الحازمة القادرة على التصدي للمسؤوليات الجسام الملقاة على عاتقهم في حفظ الأمن الداخلي والخارجي للوطن ومواطنيه".

فايز الأسمر: مكان الهيئة ليس في الجيش بل في مؤسسات الدولة الأخرى

بيد أن الباحث العسكري في مركز جسور للدراسات رشيد حوراني (وهو ضابط منشق)، رأى في حديث مع "العربي الجديد"، أن القائد العسكري في هيئة تحرير الشام والمتوقع تعيينه وزيراً للدفاع في حكومة تسيير الأعمال "انخرط في العمل المسلح للثورة السورية منذ بدايتها، وبالتالي اكتسب من الخبرات العسكرية ما يتعلق بالتنظيم والتسليح والتكتيك قدراً كبيراً". وتابع: "العسكريون المنشقون لا يرون في تعيين وزير الدفاع عائقاً في سبيل بناء المؤسسة العسكرية لسورية المستقبل، لأنه من يعول عليه في الأمور العسكرية للجيش هو منصب رئيس هيئة الأركان أو قائد الجيش، ويبقى الوزير منصباً سياسياً، ويحق له في وضع مثل الوضع السوري المشاركة في كل ما يتعلق ببناء هذه المؤسسة". كما رأى أن على وزارة الدفاع في الحكومة الحالية الاستفادة من خبرات العسكريين المنشقين لـ"تفكيك وحدات النظام المخلوع ومعرفة الأصول المادية والمهنية التي كانت تعمل عليها تلك الوحدات، وإعادة تشغيل ما يمكن تشغيله والحفاظ على ما تبقّى من أسلحة نوعية".

وأشار حوراني إلى أن المؤسسة العسكرية للنظام المخلوع كانت متداخلة في كل مؤسسات الدولة الأخرى. وأضاف: "مثلاً يوجد في جيش النظام المخلوع ما تسمى إدارة الخدمات الطبية ويتبع لها قرابة 16 مشفى، منها مشفى تشرين العسكري، كما تتبع لوزارة دفاع النظام إدارة بنك الدم، وهي مؤسسات مدنية، ويمكن توظيفها لصالح المواطنين عامة، فإدارة الخدمات الطبية كانت ميزانيتها توازي وزارة الصحة". وأوضح أن "تفتت الجيش بعد سقوط الأسد المخلوع وتلقّيه الضربات الإسرائيلية التي دمّرت قدرات عسكرية كان من الممكن البناء عليها والانطلاق بفترة وجيزة لبناء جيش قوي، من أبرز التحديات التي تواجه وزارة الدفاع". وبرأيه، فمن التحديات أيضاً "قلة العدد قياساً بالحاجة على أرض الواقع، لذا على الأرجح أن يكون الجيش في المرحلة المقبلة وحدات لقوات المشاة ذات التسليح الخفيف والحركة السريعة للإسهام في إعادة ضبط الأمن". وأعرب حوراني عن اعتقاده بأنه "ستكون هناك رقابة دولية على تسليح الجيش السوري المقبل بسلاح نوعي لأسباب تتعلق بإسرائيل".

المساهمون