في ظل اتفاق "وقف التصعيد" الذي أُقر في اجتماع أستانة مطلع الشهر الحالي، تحتدم المعارك في وسط سورية وشرقها (المستثناة من هذا الاتفاق) بين قوى مختلفة تتصارع لـ"سد الفراغات" التي يتركها تقهقر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وانسحاباته المتتالية في تلك المناطق. وتخوض المنافسة القوات المدعومة من التحالف الدولي مثل "قوات سورية الديمقراطية" وبعض فصائل المعارضة، والقوات المدعومة من إيران وروسيا، وتحديداً قوات النظام السوري والمليشيات التي تقاتل معها والتي استفردت ببعض فصائل المعارضة في القلمون الشرقي وتمكّنت من عزلها ومحاصرتها. مقابل ذلك، يستمر سقوط ضحايا مدنيين في الصراع، فقد أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل ثمانين مدنياً على الأقل من أفراد عائلات مقاتلي "داعش" في غارات نفذتها طائرات تابعة للتحالف الدولي على مدينة الميادين شرق سورية. وأفاد مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة "فرانس برس"، بأن "طائرات تابعة للتحالف نفّذت غارات فجر الجمعة على المبنى البلدي في مدينة الميادين" في محافظة دير الزور ما تسبّب "بمقتل ثمانين مدنياً على الأقل بينهم 33 طفلاً، جميعهم من أفراد عائلات مقاتلي تنظيم داعش".
وفي سابقة هي الأولى من نوعها، أقرت وزيرة الدفاع الفرنسية سيلفي غولار بوجود قوات فرنسية خاصة في الأراضي السورية. وقالت غولار في تصريح لإذاعة "أوروبا 1" أمس الجمعة: "لدينا قوات خاصة في سورية تقوم بمهمات محددة". وأكدت الوزيرة الفرنسية أن باريس تريد تعزيز مشاركتها في الحرب ضد تنظيم "داعش" في سورية. وأكدت أن فرنسا لن تبعث بأعداد كبيرة من الجنود إلى مناطق القتال مثلما هو الحال في مالي ولكنها "ستكثف من مشاركتها العسكرية" وذلك في إشارة إلى احتمال الزج بالمزيد من القوات الخاصة في الخطوط الأمامية في محافظة الرقة.
وفي التطورات الميدانية، سيطرت "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) على "سد البعث" شمال غرب الرقة، ضمن المعارك التي تخوضها في المنطقة لطرد تنظيم "داعش" من المدينة، في وقت واصلت فيه قوات النظام تقدّمها في الريف الشرقي لمدينة حلب واقتربت من السيطرة على بلدة مسكنة أهم مواقع التنظيم في تلك المنطقة، مقتربة أكثر من مدينة الرقة.
وقالت "سورية الديمقراطية" في بيان أمس الجمعة إنها سيطرت على "سد البعث" أو سد "الحرية" حسب تسميتها بعد تحرير قرية كديران وتمشيط المنطقة بشكل كامل. ويُعتبر هذا السد ثالث أكبر سد في سورية، ويبعد عن سد الفرات مسافة 27 كيلومتراً بين مدينتي الطبقة والرقة.
كما أعلنت سيطرتها على معمل السكر شمالي الرقة، بالتزامن مع استهداف تنظيم "داعش" للمعمل بأكثر من عشرين قذيفة صاروخية محلية الصنع. وتتواصل المعارك جنوب قرية هنيدة شرق الطبقة بين التنظيم و"سورية الديمقراطية" في محاولة من الأخيرة للتقدّم في قرية جعيدين تحت غطاء جوي ومدفعي مكثف. وكانت الأخيرة قد أمهلت مقاتلي تنظيم "داعش" حتى نهاية الشهر الحالي لتسليم أنفسهم وتجنّب المعركة في الرقة ووعدت بتأمين سلامتهم. وتُقدّر مصادر التحالف الدولي أن هناك ما بين 3 و4 آلاف مقاتل من التنظيم في مدينة الرقة التي تُعتبر عاصمة التنظيم في سورية، بينما عبّرت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" عن اعتقادها بأن أعداد مقاتلي التنظيم في الرقة هم بالمئات وليسوا بالآلاف، خصوصاً بعد أن عمد التنظيم إلى سحب أعداد كبيرة من مقاتليه من الرقة باتجاه محافظة دير الزور المجاورة والحدودية مع العراق.
وتزامن تقدّم "قوات سورية الديمقراطية" مع تقدّم مماثل لقوات النظام والمليشيات في ريف حلب الشرقي، إذ وصلت تلك القوات إلى مشارف مدينة مسكنة في ريف حلب الشرقي، عقب سيطرتها على العديد من القرى والمزارع المجاورة للمدينة، بعد معارك مع تنظيم "داعش". وحسب إعلان مصادر النظام، فقد تمت السيطرة على بلدات البوعاجوز وخراب البوعاجوز وخراب الخذراف والمزرعة الرابعة والفرعية والمزارع المحيطة بها، بعد معارك عنيفة مع تنظيم "داعش". من جهته، أعلن تنظيم "داعش" إسقاط طائرة استطلاع لقوات النظام قرب قرية البوعاجوز غربي مدينة مسكنة، واستهدافه بالمدفعية تجمّعات قوات النظام في قرية المزرعة الثانية قرب مدينة مسكنة. ورافق ذلك قصف جوي مكثف، استهدف مدينة مسكنة وأطرافها، فقتل وأصيب عدد من المدنيين في بلدة الفار في ريف حلب الشرقي. وتُعتبر مسكنة أهم مواقع تنظيم "داعش" في ريف حلب الشرقي.
في غضون ذلك، سيطرت قوات النظام على معمل خنيفيس للفوسفات ومناطق استراتيجية أخرى، شرق مدينة حمص وسط سورية بعد انسحاب "داعش" منها. وقال ناشطون إن تلك القوات سيطرت على بلدتي خنيفيس والصوانة جنوب غرب مدينة تدمر ومناجم فوسفات الشرقية العمالية في البلدتين وعلى بلدة العليانية.
وذكرت وسائل إعلام تابعة للنظام أنه تمت أيضاً السيطرة على مفرق البصيري والباردة والمحسة شمال مدينة القريتين. وكان تنظيم "داعش" سيطر على مناجم الفوسفات والمدينة السكنية التابعة لها في منطقة خنيفيس جنوب تدمر في مايو/أيار 2015. يُذكر أن الحكومة الإيرانية كانت قد حازت على عقد استثمار مناجم الفوسفات في خنيفيس، وهي أكبر مناجم الفوسفات في سورية، خلال زيارة رئيس حكومة النظام عماد خميس إلى طهران مطلع العام الحالي.
من جهة أخرى، تتعرض مناطق ريف حمص الشرقي الخاضعة لسيطرة تنظيم "داعش" لقصف مستمر من الطائرات الروسية، وسط اشتباكات مستمرة بين قوات التنظيم والنظام، مع محاولة الأخير السيطرة على مناطق واسعة في البادية بهدف الوصول إلى مدينة دير الزور والحدود السورية الأردنية.
وقالت وسائل إعلام مقربة من النظام إن الأخير أطلق أكبر معاركه في سورية، ضد تنظيم "داعش" في البادية وريف حمص الشرقي. وتحدثت عن التقاء المليشيات المتقدّمة من الجهة الجنوبية لريف حمص مع المليشيات المتقدّمة من الجهة الشمالية لريف دمشق، وذلك عند نقطة خان العنيبة، بعد أن سيطرت على عدد كبير من النقاط والمواقع التي انسحب منها تنظيم "داعش" وأبرزها جبال أبو دالي، عبوش، النصراني، العبد، غانم، ومناطق ثنية المنقورة، وكسارات المنقورة، ثنية وضحة، مثلث العنيبة، خان العنيبة، العليانية، إلى جانب أوتوستراد تدمر-دمشق بالكامل.
ومع هذه التطورات، تكون قوات النظام والمليشيات قد حاصرت مناطق سيطرة المعارضة في القلمون الشرقي بالكامل. وحسب بيان لـ"الإعلام الحربي المركزي" التابع لحزب الله، فإنه تمت السيطرة على كامل ريف حمص الجنوبي، بعد التقاء القوات المتقدّمة من جهة البصيرة في ريف حمص، بالقوات المتقدّمة من جهة السبع بيار في ريف دمشق، وبذلك يكون تم عزل منطقة القلمون الشرقي التي توجد فيها قوات المعارضة، وهو ما يقطع، بحسب البيان، "آمال مسلحي القلمون الشرقي بوصل بادية الشام وبادية حمص ومنطقة القلمون الشرقي بعضها ببعض، ويكون قد أبعد خطر داعش عن مطار السين".
ووفق إعلام حزب الله، فإن المعركة تستهدف السيطرة على الصحراء الشرقية في سورية، وذلك تحت اسم "عمليات الفجر الكبرى". وقال بيان للإعلام الحربي التابع للحزب إن العملية هي الأكبر من نوعها ضد تنظيم "داعش" في سورية منذ بداية الحرب، إذ يتم تدمير القدرات الهجومیة والدفاعية للتنظيم في وسط وجنوب شرق البلاد، مشيراً إلى أن قوات النظام و"الحلفاء" سيطروا على ما يقارب 13000 كيلومتر مربع، في المناطق المركزية لسورية وشرق محافظة دمشق.
وعملت إيران وقوات النظام خلال الأسابيع الماضية على "سد الفراغات" في المناطق التي ينسحب منها تنظيم "داعش" في البادية السورية، وتم دفع قوات كبيرة إلى تلك المنطقة بهدف قطع الطريق على فصائل الجيش الحر المدعومة من التحالف الدولي للوصول إلى مدينة دير الزور، إلى جانب تأمين إيران لطريقها الممتد من طهران فالموصل إلى دير الزور مروراً بدمشق وصولاً إلى مناطق سيطرة "حزب الله" في لبنان فالبحر المتوسط.
وبالتزامن مع معارك ريف حمص الشرقي، تخوض قوات النظام والمليشيات معارك ضد المعارضة في ريفي السويداء ودمشق، في مسعى لتأمين الحدود الأردنية، والوصول إلى الحدود العراقية، وهو ما قوبل بقصف للتحالف الدولي قبل أسبوع على أوتوستراد دمشق-بغداد قرب معبر التنف.
في السياق، نفى المتحدث السابق باسم "جيش سورية الجديد" مزاحم السلوم، قيام "جيش مغاوير الثورة" بهجوم بري على مواقع النظام في البادية القريبة من معبر التنف الحدودي. وأشار السلوم في منشور له على صفحته في موقع "فيسبوك" إلى أن "جيش مغاوير الثورة" لم يهاجم مواقع لقوات النظام والمليشيات الأجنبية الموالية لها، بدعم من التحالف الدولي.
أما المتحدث الإعلامي باسم "جيش مغاوير الثورة" البراء فارس، فقد أكد في تصريحات صحافية أن قوات المعارضة تستعد للقيام بمعركة ضد المليشيات الموالية للنظام والمدعومة من إيران وروسيا في المنطقة، رافضاً الكشف عن تفاصيل أخرى لأسباب عسكرية. وأوضح فارس أن المعركة ستكون بدعم من قوات التحالف الدولي سواءً على الأرض أم من الجو، خصوصاً في منطقة التنف، متوقعاً أن تنطلق المعركة من معبر التنف وتتوسع باتجاه الشرق وصولاً إلى الحدود الإدارية لمحافظة السويداء، لتشمل محاور القلمون والبادية والسويداء. وكانت قوات النظام والمليشيات تقدمت خلال الأيام الأخيرة في المنطقة وسيطرت على بعض المواقع مثل حاجز ظاظا وسد الزلفة.
وقالت مصادر محلية الخميس إن قوات النظام تقوم برفع سواتر ترابية بارتفاعات عالية في ريفي حماة الشمالي والشمالي الغربي، حيث من المحتمل أن تكون هذه السواتر لفصل المناطق وليست لأغراض دفاعية.