الاجتياح الروسي لأوكرانيا.. دوامة التصعيد واحتمالات العودة الإجبارية للدبلوماسية

28 فبراير 2022
جنود أوكرانيون يتجهون صوب المواجهة مع القوات الروسية (فرانس برس)
+ الخط -

بين سطور القراءات الأميركية لتزايد التصعيد والتهديد بشكل خطير بين الغرب وموسكو، يتردد صدى سؤال مخيف: هل تحصل مواجهة مباشرة ولأول مرة في التاريخ بين القوات الروسية والأميركية؟ وإذا حصلت، هل تتطور إلى تراشق نووي؟ مثل هذا السيناريو الذي كان من المحظورات، بات متداولًا في الأيام الأخيرة.

تسارع الإجراءات الرادعة وارتفاع منسوب التحدي المتبادل، زادا من قتامة الأفق، لكنهما في ذات الوقت حملا بعض الأصوات إلى التذكير بأهمية عدم إسقاط الدبلوماسية من الحساب رغم قتامة الصورة. وقد أخذت هذه الدعوة أهمية بعدما توافق الجانبان الروسي والأوكراني على عقد لقاء بين وفدين من بلديهما اليوم الإثنين على الحدود مع بيلاروسيا.

وبدأ التصعيد النوعي والخطير بإنذار الرئيس بوتين أواخر الأسبوع الماضي بردّ "غير مسبوق" ضد من يتدخل في الحرب على أوكرانيا. إشارته جرى تفسيرها كتلويح بالخيار النووي. فيما تبع ذلك قرار قمة حلف "الناتو" يوم الجمعة الماضي "بتفعيل قوات الردّ" لأول مرة. خطوة استثنائية جرى اعتبارها بمثابة استنفار لمواجهة ميدانية محتملة مع القوات الروسية في ساحة أو أكثر من ساحات "الناتو" الأوروبية.

ترافق ذلك مع عقوبات أميركية أوروبية شملت كندا، وتناولت وقف تعامل المزيد من المصارف الروسية مع شبكة "سويفت" للتحويلات المالية الدولية في المعاملات التجارية وغيرها. خطوة أثارت الاستغراب لأن إدارة بايدن ومعها دول أوروبية وغيرها، خاصة ألمانيا وإيطاليا، رفضت قبل قرارها بيوم استبعاد روسيا من نظام "سويفت"، للحيلولة دون إلحاق الأذى بمصارف أوروبية وغيرها لها ديون على مؤسسات مالية روسية يجري تسديدها عادة عبر هذه الشبكة الدولية.

إضافة إلى ذلك، فإن قطع تعامل المصارف الروسية مع الشبكة من شأنه عرقلة مبيعات الطاقة الروسية إلى أوروبا المحتاجة إلى نفط وغاز روسيا. هذه الاعتبارات جرى تجاوزها بعد أقل من 24 ساعة والاستعاضة عنها بصيغة وسطية تترك المجال مفتوحا لبعض المصارف الروسية لمتابعة تعاملاتها عبر "سويفت". ثم واكب هذه الخطوة تراجع ألمانيا عن موقفها وموافقتها المفاجئة قبل يومين على تزويد أوكرانيا بالأسلحة.

هذه التحولات والتطورات المتسارعة أدت إلى طرح تساؤلات عن دوافعها: هل جاءت من باب الاستعداد لجولة قادمة من التصعيد العسكري الروسي "غير الاعتيادي"، وتوقعتها معلومات استخباراتية أميركية "شديدة السرية" تقول إدارة بايدن إنها تشارك حلفاءها بها، أم أنها جاءت كتدبير استباقي ردعي لحمل بوتين على إعادة النظر بحساباته؛ وبالتالي التراجع عن حملته العسكرية التي تنذر باحتمال خروج الصراع عن دائرته الأوكرانية، حسب التوجسات الأميركية؟

الاعتقاد يتأرجح بين الاثنين مع الميل للاحتمال الأول الذي أخذ قدرًا من الزخم بعد قرار الرئيس بوتين أمس وضع القوة النووية الروسية في حالة "تأهب". ومع أن ثمة من رأى أن ذلك ليس سوى عملية تهويل، إلا أن آخرين رأوا فيه تلويحًا جادًا بإمكانية استخدام هذا السلاح، بدليل أن الحشد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية كان جديًا وليس خدعة كما اعتقد كثيرون ومنهم الرئيس الأوكراني، وبما يفيد أن الرئيس بوتين يعني ما يقوله وأنه "يتصرف في المدة الأخيرة بشيء من اللاتوازن العقلي وكشخص معزول" كما تروج أوساط عديدة في الأيام الأخيرة.

من هذا المنظور تكون لعبة التحدي بين موسكو والمحور الأطلسي وكأنها قد صارت أسيرة الدوران في دوامة مخاطر يُخشى تعذر الخروج منها قبل فوات الأوان. وربما من هنا بزغت فكرة لقاء الوفدين الروسي والأوكراني اليوم الإثنين والذي قد لا يكون أكثر من مناورة. لكن حتى بهذا الإطار، فإنها تنطوي على نية لجس النبض المتبادل وعلى حرص ولو ضئيل على ترك خط الدبلوماسية مفتوحاً وإن بصورة مواربة، علّ انسداد الطريق العسكري يقضي بالعودة اللاحقة إليه.

قد يكون ذلك أقرب إلى الوهم في ضوء معطيات اللحظة الراهنة التي تبشر بحرب باردة ثانية "إذا كنا محظوظين"، إذ إننا في غالب الظن "نتجه نحو حرب ساخنة" حسب جون لويس غادّيس الأستاذ في جامعة يال المرموقة. لكن مع هذا لا يجوز تجاهل الخيار الدبلوماسي الذي "ينبغي على إدارة بايدن أخذه بالحسبان"، كما يشدد تشارلز كوبشين أستاذ التاريخ في جامعة جورج تاون بواشنطن.

المساهمون