اجتماع سد النهضة مهدّد: مصر وإثيوبيا تماطلان

02 يناير 2021
من المقرر أن يمتلئ سد النهضة في الصيف المقبل (فرانس برس)
+ الخط -

تبذل وزارة الخارجية الجنوب أفريقية جهوداً كبيرة ومتواصلة منذ أول من أمس الخميس، لضمان مشاركة مصر وإثيوبيا في الاجتماع المقرر عقده غداً الأحد لاستئناف مفاوضات ملء وتشغيل سد النهضة. وهو اجتماع يفترض أن يكون الأول منذ شهر، نظراً لتعقّد الأوضاع السياسية بين البلدين. وقد وجّهت الخارجية إلى السودان أيضاً، لحضور الاجتماع الذي حددته مفوضية الاتحاد الأفريقي، على خلفية الاتصالات التي أجراها الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا بصفته الرئيس الحالي للاتحاد، بكل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ورئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك.

وكشفت مصادر مصرية من وزارتي الخارجية والري لـ"العربي الجديد"، إنه بعدما كان السودان هو المتسبب في تعطيل الاجتماعات، نظراً لاعتراضه على عدم منح خبراء الاتحاد الأفريقي سلطات أكبر في المفاوضات، فإن كلا من القاهرة وأديس أبابا "تتهربان حالياً من حضور هذا الاجتماع"، ولكن لأسباب خاصة بكل منهما. وترغب مصر في إهدار ما تبقى من ولاية جنوب أفريقيا على رأس الاتحاد الأفريقي، تحضيراً لواقع جديد تأمل أن يكون إيجابياً لها بصورة أكبر خلال المفاوضات برئاسة الكونغو الديمقراطية، التي تربطها بمصر علاقات جيدة. وأضافت المصادر أن الرؤية المصرية مستقرة على انعدام الأمل في التوصل إلى حل بالطريقة التي أدارت بها جنوب أفريقيا الاجتماعات السابقة، منذ بدء المفاوضات في المسار الأفريقي بعد فشل اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي، نظرا لعدم ممارسة جنوب أفريقيا أي ضغوط سياسية جادة على إثيوبيا، لتغيير مواقفها والقبول بصيغ جديدة للتعامل مع مصر والسودان. وكذلك بسبب الموقف السلبي الذي لعبته جنوب أفريقيا في مجلس الأمن ضد المذكرتين المصرية والسودانية بشأن قضية السد. 


تطرقت إثيوبيا للمرة الأولى إلى فضّ رابعة وظروف وفاة مرسي

 

وأوضحت المصادر أنه بعيداً عن العبارات الدبلوماسية في الخطابات والاتصالات المتبادلة بين السيسي ورامافوزا، فإن تجربة المفاوضات "ربما يكون لها أثر سلبي طويل المدى على الثقة بين البلدين". وفي التقديرات المصرية للجولات الأخيرة منذ الصيف الماضي، فإن رامافوزا أدى دوراً لصالح إثيوبيا بشكل كامل، وأن آبي أحمد استغل تلك الجولات لإكساب إرغام مصر والسودان على القبول بالأمر الواقع، غطاءً أفريقياً من المفاوضات المجمدة التي لم تنتج أي جديد على مدار خمسة أشهر. من جهتها، لا تبدو إثيوبيا مستعدة حالياً ولا في أي وقت لاحق لتقديم أي تنازلات في مفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، وبالتالي فإن حضورها من عدمه اجتماع الغد ليس له أي أثر مرجو. ولكن المخطط المصري الذي يستهدف الاستفادة من رئاسة الكونغو الديمقراطية للاتحاد الأفريقي يرمي إلى تعرية الموقف الإثيوبي ليس فقط على المستوى القاري ولكن أيضاً على المستوى الأممي، إذ ما زالت مصر متمسكة باللجوء مرة أخرى إلى مجلس الأمن وفقا لمعطيات جديدة قبل الملء الثاني للسد الصيف المقبل. وعلى مستوى آخر، فإن سوء العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإثيوبيا والتصريحات الحادة بينهما في الآونة الأخيرة، ستعطّل عملياً تحقيق أي إنجاز في الاجتماع في حال عقده، خصوصاً بعدما وصل التصعيد بينهما حد الدخول في مناطق تعتبرها كل دولة من المحظورات وخرقاً للخطوط الحمراء. ففي مقابل الحديث الإثيوبي للمرة الأولى عن فض اعتصام رابعة وظروف وفاة الرئيس المعزول الراحل محمد مرسي، كان الرد المصري هو الأول من نوعه الذي ينتقد التعامل الإثيوبي الرسمي مع القوميات العرقية في تيغراي وأوروميا وبني شنقول، مضافاً إلى انتقادها المتكرر مسؤولية إثيوبيا عن النزاع الحدودي والتوتر الميداني المستمر مع السودان.

واستدعت مصر يوم الأربعاء الماضي القائم بالأعمال الإثيوبي في القاهرة لإبلاغه رسمياً برفضها تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي عن الشأن الداخلي المصري. ثم أصدرت بياناً حاداً للرد عليه معتبرة تلك التصريحات "خروجاً فجاً عن الالتزامات الواردة في القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، والذي ينص بوضوح في مادته الرابعة على التزام الدول الأعضاء بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى، ويعد خروجاً عن القيم الأفريقية العريقة". وسبق أن قالت مصادر مصرية لـ"العربي الجديد" الأسبوع الماضي إن "مصر ليست قلقة بسبب تأخر التوصل إلى اتفاق طالما استمر مستوى الفيضان على وضعه الحالي"، لكنها "لن تعتد بأي تفاهم ثنائي بين إثيوبيا والسودان على أجندة الاجتماعات المقبلة".


انتقدت مصر التعامل الإثيوبي في تيغراي وأوروميا وبني شنقول

 

وكشفت أنها رصدت بالفعل تقارباً بين الطرفين الآخرين على التركيز على بعض النقاط دون الأخرى، وإهمال للقضايا الأساسية التي تهم مصر، وهو ما قد يلقي بظلاله على الاجتماعات المقبلة التي ستعقد تحت رعاية الاتحاد الأفريقي. وأشارت المصادر إلى أنه في مواجهة تفاهم ثنائي محتمل بين الطرفين على تقديم قضية كمية المياه المحبوسة خلف السد في فترة الملء الثاني، المتوقع إتمامها في الصيف المقبل، فإن الوفد الفني المصري سيركز على ضرورة الربط بين السدود وكمية التدفق السنوية ونوعية المياه والتصرفات التي ستجرى عليها، لا سيما أن الرؤية المصرية تختلف عن السودانية حول فترات الجفاف والجفاف الممتد.

وتقترح مصر تمرير 37 مليار متر مكعب كرقم وسط بين ما تطالب به إثيوبيا وهو 32 مليارا وما كانت تطالب به مصر وهو 40 مليار متر مكعب، على أن يُترك الرقم الخاص بأوقات عدم الملء والرخاء لآلية التنسيق بين الدول الثلاث. لكن السودان يعتبر أن التمسك بالرقم الجديد المقترح من مصر لا يمكن اتفاقه مع جهود إثيوبيا للملء الجاد، كما أن هناك خلافاً أيضاً حول خطة إثيوبيا للاستخدامات الخاصة بالمياه، سواء كانت مخصصة لإنتاج الطاقة أو الزراعة أو غيرهما. وابتداء من يونيو/حزيران الماضي، تسبّب فشل خطوة اللجوء لمجلس الأمن والاكتفاء بالاتحاد الأفريقي غير المتعاطف مع مطالب مصر بحالة من التشاؤم بين المفاوضين واللجان الفنية في وزارة الري، وكذلك بين المستشارين والخبراء الذين يعدون تقارير الموقف المصري في الإطار القانوني، والذين باتوا متأكدين من أن "إثيوبيا ترغب بشتى السبل في التهرب من أمرين اثنين: أن يكون الاتفاق إلزاميا لها، وأن يتضمن الاتفاق بنداً ينظم فض المنازعات باللجوء للتحكيم الدولي أو الإقليمي".