بدأ، اليوم الإثنين، في العاصمة الجزائرية، الاجتماع الوزاري التشاوري لدول الجوار الليبي، بمشاركة رفيعة لوزراء خارجية دول الجزائر وليبيا ومصر وتونس وتشاد والنيجر، إضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية.
وطالبت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، خلال الاجتماع، بالسحب الفوري لكامل القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، ووقف التدخلات الخارجية في الشأن الليبي. واعتبرت أن "استمرار بقاء القوات الأجنبية ووجود المرتزقة يشكل تهديدا للمنطقة بأكملها"، واعتبرت أن "التدخلات الخارجية في ليبيا تناقض الأعراف الدولية".
وقالت المنقوش، في كلمة لها خلال مؤتمر دول جوار ليبيا المنعقد اليوم في الجزائر، إن "المسار الأمني والعسكري يعد التحدي الأكبر الذي يواجه ليبيا في الوقت الراهن، خاصة مع قرب موعد الانتخابات المقبلة، وهو ما يتطلب دعما من شركاء ليبيا، للعمل على توحيد الجيش الليبي والأجهزة الأمنية تحت قيادة واحدة وإعلاء السيادة الليبية".
وذكرت المنقوش أن الليبيين يتطلعون إلى "نظام ديمقراطي من خلال انتخابات حرة ونزيهة، غير أن ذلك لا يدوم ولا يتأتى إلا ببلوغ الأمن والاستقرار، لتخلق المناخ لتحوّل ديمقراطي سلمي ولمصالحة شاملة بين كل الليبيين"، وأعلنت عما وصفتها بـ"مبادرة استقرار ليبيا لتكون بقيادة وتوجيه ليبي، وبدعم الأمم المتحدة دول الطوق، لمساندة الليبيين على اختيار مستقبلهم ومصيرهم".
وفي نفس السياق، أكد وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، الذي أدار الاجتماع، أنه "يتعين سحب المرتزقة الأجانب من التراب الليبي في أقرب وقت ممكن، والعمل على وضع حد لكافة التدخلات الأجنبية في الشؤون الليبية"، مشيراً إلى أن "حل الأزمة الليبية لا يتحقق إلا عبر مسار ليبي ليبي بدعم من المجتمع الدولي، وفي مقدمته دول الجوار، ودعم السلطات الانتقالية في ليبيا، لتنفيذ كافة الاستحقاقات المنصوص عليها في خارطة الطريق، وإجراء الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، واستكمال تحييد مؤسسات الدولة الليبية، وتحقيق المصالحة الوطنية".
واقترح الوزير الجزائري على الدول المشاركة في اجتماع الجزائر "صياغة مقترحات عملية لاستشراف الأوضاع، والمساهمة في تعزيز الجهود لإيجاد التسوية اللازمة للأزمة التي طال أمدها"، وشدد لعمامرة على أن هذا الاجتماع يجب أن يخرج "برؤية استباقية تأخذ بعين الاعتبار كافة المعطيات الراهنة، في ظل مخططات بعض الدول الساعية إلى إعادة رسم التوازنات الدولية، انطلاقا من المنطقة الحساسة. وإذا حصل ذلك فسيكون على حساب المصالح الاستراتيجية لليبيا نفسها ولجيران ليبيا أيضا".
الأمم المتحدة تعلن قرب نشر فريق مراقبين
من جانبها، أعلنت بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، قرب نشر فرق مراقبين في منطقة سرت الفاصلة بين قوات حفتر وقوات الحكومة الليبية، لضمان تطبيق قرار وقف إطلاق النار المعلن عنه منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وجددت المطالبة بخروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، وأبدت تمسّكا بتنظيم الانتخابات النيابية والرئاسية في ليبيا، والمقررة في 24 ديسمر المقبل.
وقال المبعوث الأممي إلى ليبيا، يان كوبيتش، في كلمة له خلال الاجتماع، إن "الفريق الأول لمراقبي وقف إطلاق النار بصدد الانتشار في سرت"، وحث جميع الفاعلين على احترام اتفاق وقف إطلاق النار، وشدد على ضرورة وضع خطة "لانسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية، وفقا لقرارات مجلس الأمن وإعلانه الأخير في 15 يوليو الماضي، حيث يمثل استمرار تواجدهم مدعاة للقلق البالغ لليبيا ولكل دول الجوار"، مشيرا إلى أن اللجنة العسكرية المشتركة "تضع خطة عمل لانسحاب هذه القوات تدريجيا، وآلية للتحقق منها بالتعاون مع الشركاء الدوليين، كما يتعين أن تسهم دول جوار ليبيا في هذا الإطار".
وأوضح المبعوث الأممي أن "جميع الأطراف الليبية التي تحاورنا معها تؤكد تمسّكها بموعد الانتخابات في 24 ديسمبر المقبل"، كما حث الحكومة على تقديم التمويل اللازم لإجرء الانتخابات، مشيرا إلى أنه "ما زالت هناك حاجة لإطار قانوني وقاعدة دستورية من أجل ذلك"، بسبب خلافات أطراف الحوار الليبي، داعيًا الحكومة ومجلس النواب الليبي إلى تحمّل مسؤولياتهما للإسراع في استكمال إصدار الترتيبات القانونية اللازمة لإجراء الانتخابات.
ووصل وزير الخارجية المصري سامح شكري، ووزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي، ووزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، وممثل الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا يان كوبيتش، مساء أمس الأحد، إلى الجزائر، وكذلك وزيرا خارجية النيجر وتشاد، للمشاركة في الاجتماع الذي يأتي قبل أشهر من تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرّرة في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، ويشارك فيه أيضاً نائب رئيس الوزراء وزير خارجية الكونغو الديمقراطية، ممثلاً للرئيس الكونغولي، الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط.
ويبحث الاجتماع ورقة سياسية سيتضمنها "بيان الجزائر" الذي سيصدر في ختام الاجتماع، وتتضمن التزام دول جوار ليبيا بإيجاد حلّ سياسي سلمي يُسهم في إخراج ليبيا من الأزمة، والالتزام بدعم وإسناد مؤسسات الحكم الانتقالي في ليبيا، والتي انبثقت عن تفاهمات الحوار الليبي، وحث الأطراف الليبية على الإسراع في الانتهاء من باقي الخطوات السياسية، لتوفير إطار أمثل لمرحلة تركيز مؤسسات الدولة الليبية الجديدة وإعادة الإعمار، وضمان إسناد ودعم هيئة الانتخابات في ليبيا عبر الأمم المتحدة، لضمان تنظيم الانتخابات في أفضل الظروف، وشجب محاولات التدخل الأجنبي في ليبيا، والمطالبة بإخراج كلّ القوات الأجنبية من البلاد.
واستبعدت الجزائر من الاجتماع الدول المتدخلة في الأزمة الليبية، والتي ليست لديها حدود جوار مع ليبيا. وتسعى الجزائر، من خلال هذا الاجتماع، إلى منع عودة ليبيا إلى فترة انزلاق الأوضاع الأمنية والمواجهة العسكرية السابقة، وتثبيت حالة الاستقرار الحالي، والبناء عليها لإتمام مسارات الحل السياسي في ليبيا، خصوصاً أن التوترات تلك كانت تشكل مأزقاً أمنياً بالنسبة لدول جوار ليبيا، باعتبارها الظرف الأمثل لنشاط المجموعات الإرهابية وشبكات تهريب السلاح والجريمة وتهريب البشر.
واستقبل وزير الشؤون الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، مساء الأحد، نظيره التونسي عثمان الجرندي، حيث جرى التطرق إلى خارطة طريق لإجراء الانتخابات في ليبيا. وقال الجرندي، في تصريح صحافي عقب اللقاء، إن "هناك خارطة طريق. نحن هنا في الجزائر للنظر في الأوضاع الليبية، وفي إمكانية مساعدة الإخوة الليبيين للتوجه نحو تطبيق هذه الخارطة، والتحاور معهم حول أنجع السبل للوصول إلى الاستحقاقات"، مشيراً إلى أن "كل دول الجوار تود أن ترجع ليبيا إلى مكانتها، وأن تلعب دورها في استقرار المنطقة"، مشيراً إلى أن "هناك محيطاً جيو سياسياً كبيراً جداً، وعلينا أن نتحاور في شأنه".
وقال وزير الخارجية الكونغولي جون كلود غاكوسو، إن الوضع السائد في ليبيا مقلق، مشيراً، في تصريح صحافي عقب لقائه مع لعامرة، إلى أن "ليبيا تُعدّ مأساة لا تنتهي، لكن هناك بصيص أمل يلوح مع الانتخابات المقبلة المزمع تنظيمها في شهر ديسمبر، ويجب العمل من أجل توفير عناصر تنظيم هذه الانتخابات"، لافتاً إلى أنه يتعين إدانة التدخلات وكثرة الأجندات الأجنبية في ليبيا، مضيفاً: "لا تزال هناك صعوبة في العمل مع تواجد الجيوش الأجنبية في ليبيا والفرقاء المرئيين وغير المرئيين، في هذا البلد"، مشدداً على "ضرورة ترك الليبيين يقررون أمورهم بأنفسهم".
واعتبرت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الليبية، أن اجتماع الجزائر "يمثل فرصة لمزيد من التشاور والتنسيق، حول مستجدات الأوضاع في ليبيا، وسبل دعم مبادرة استقرار ليبيا، وهي المبادرة التي أطلقتها المنقوش خلال مؤتمر برلين 2، لإنهاء كلّ أشكال التدخل في الشؤون الداخلية لليبيا، في خطوة لعقد مؤتمر دولي تترأسه وتحتضنه ليبيا، بمشاركة كل الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في الملف الليبي، بهدف تحقيق الأمن والاستقرار على كامل التراب الليبي، وتوحيد مؤسسات الدولة السيادية، وعلى رأسها العسكرية والأمنية، وصولاً إلى الاستحقاق الانتخابي في الموعد المحدد".
وسيكون المؤتمر فرصة للقاءات على الهامش بين وزراء الدول المشاركة، خصوصاً اللقاء بين وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي، ووزيرة الخارجية والتعاون الدولي الليبية نجلاء المنقوش، لبحث ملف الحدود البرية بين البلدين، والأزمة السياسية الأخيرة بين ليبيا وتونس، على خلفية تصريحات رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة، وقضية تواجد الارهابيين على الحدود التونسية الليبية.