انتهى اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني بإصدار قرارات بوقف التنسيق الأمني وتعليق الاعتراف بدولة إسرائيل.
لكن هذه القرارات المكررة للمجلس منذ سبع سنوات لم تنفذ حتى اليوم، ولم تلق أي صدى جدي في الشارع الفلسطيني، الذي انشغل بالحديث عن التعيينات وملء الشواغر في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والمجلس الوطني، التي يُنظر إليها على أنها استعدادات لـ"اليوم التالي" لغياب الرئيس محمود عباس.
وفي إطار ترتيب المرحلة السياسية بعد غياب عباس، تم انتخاب عضو مركزية "فتح" روحي فتوح رئيساً للمجلس الوطني، ليكون الرئيس المؤقت في حال رحيل عباس، وذلك بعد حل المجلس التشريعي.
كما تم انتخاب عضو مركزية الحركة، حسين الشيخ، الذي يعد مرشحاً فوق العادة لخلافة عباس، عضواً في اللجنة التنفيذية، في المنصب الشاغر الذي تركه الراحل صائب عريقات، مع ترجيحات أن يكون أمين سر اللجنة التنفيذية لاحقاً.
انتخب روحي فتوح رئيساً للمجلس الوطني، ليكون الرئيس المؤقت بعد وفاة عباس
وحصل رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني محمد مصطفى على مقعد حنان عشراوي التي استقالت سابقاً. وترأس رمزي خوري الصندوق القومي، وهو بمثابة "وزارة مالية" منظمة التحرير، في ترتيب واضح لمراكز القوى القانونية والأمنية والمالية.
وقف التنسيق الأمني لم يحدث زلزالاً في إسرائيل
وحول قرارات المجلس المركزي، رأى الكاتب والخبير في الشؤون الإسرائيلية عصمت منصور، أن "قرار المجلس المركزي وقف التنسيق الأمني لم يحدث زلزالاً في إسرائيل، وهذا لأن لديهم تجربة سابقة مع مثل هذه القرارات".
وقال منصور، لـ"العربي الجديد"، إن "ما قاله وزير الأمن الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان عندما اتخذ المجلس القرار (في 2018)، يلخص الرؤية الإسرائيلية: ليوقفوا التنسيق".
وأضاف "الحقيقة أن السلطة بصيغتها الحالية لا تملك القدرة على وقف التنسيق الأمني، لأنه الأوكسجين الذي يبقيها على قيد الحياة". واعتبر أنه "طالما أن قرارات المجلس المركزي تتضمن هذه الجملة، فإنها لن تعدو كونها حبرا على ورق. وهي: قرر المجلس تكليف تنفيذية المنظمة بوضع الآليات المناسبة لتنفيذ القرار، وفق ما تقتضيه المصلحة الوطنية".
وأدى اجتماع المجلس المركزي، الذي دعت إليه القيادة الفلسطينية لصياغة المرحلة المقبلة، وقاطعته فصائل فلسطينية من داخل المنظمة وخارجها، إلى نقل الانقسام إلى داخل منظمة التحرير بشكل أوضح من أي وقت مضى، على وقع رصاص الفلتان الأمني في الخليل ومسيرات شعبية ضد الغلاء، واغتيال ثلاثة من مقاومي حركة "فتح" في نابلس الثلاثاء الماضي.
وتسبب اغتيال المقاومين الثلاثة، خلال انعقاد المجلس المركزي برام الله، وفي ذروة التقارب بين قيادة السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، في إحراج كبير للمجلس، الذي كان قرر أكثر من مرة، في 2015 و2018، وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، لكن القيادة لم تنفذ قراراته.
وهتف آلاف المشيعين خلال جنازة الشهداء في نابلس، الثلاثاء، للقائد العام لـ"كتائب عزالدين القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، محمد ضيف، وضد التنسيق الأمني، الذي يوجه له الفلسطينيون أصابع الاتهام بعد كل عملية اعتقال أو اقتحام لمناطق السلطة الفلسطينية المصنفة "أ" حسب اتفاق أوسلو.
وتظهر الشعارات التي رفعت خلال التشييع ضد التنسيق الأمني مفارقة لافتة، إذ احتاجت عملية مشاركة عشرات من القيادات الفلسطينية، التي حضرت اجتماع المجلس المركزي، إلى تنسيق مع الاحتلال للدخول إلى الضفة الغربية المحتلة.
اجتماع "المركزي" زاد الانقسام داخل منظمة التحرير
ويرى سياسيون أن اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني زاد من الانقسام داخل منظمة التحرير، وتآكل شرعية النظام سياسياً. وشاركت في الاجتماع فصائل فلسطينية صغيرة تدور في فلك حركة "فتح"، وهي لم تستطع خلال فترة التحضير للانتخابات التشريعية، التي ألغاها عباس العام الماضي، التقدم بقائمة انتخابية واحدة بسبب ضآلة وجودها على الأرض.
وتضم الفصائل جبهة التحرير العربية، وجبهة التحرير الفلسطينية، والاتحاد الديمقراطي الفلسطيني "فدا"، وجبهة النضال الشعبي. فيما أحدث قرار مشاركة الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب شرخاً بين القاعدة التي رفضت المشاركة به والقيادة.
في المقابل، قاطع الاجتماع كل من الجبهة الشعبية، والمبادرة الوطنية، والجبهة الشعبية - القيادة العامة، والصاعقة، وجميعها تحت مظلة منظمة التحرير، إلى جانب أوساط واسعة من الشخصيات الفتحاوية، مثل ناصر القدوة، ومستقلة مثل حنان عشراوي.
وقد تمت الاستعاضة عنهم بشخصيات ليست أعضاء في المجلس المركزي السابق، مثل رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون أحمد عساف، ووزير العمل نصري أبو جيش وغيرهم، لاستكمال النصاب العددي للمجلس.
ورأى الأمين العام لحركة "المبادرة الوطنية" مصطفى البرغوثي أن "اجتماع المجلس المركزي تم من دون تحضير كافٍ، ومن دون حوار وطني داخلي بين قوى منظمة التحرير أولاً، وبين هذه القوى والفصائل الفلسطينية التي ما زالت خارجها".
مصطفى البرغوثي: رسخ الاجتماع استمرار الانقسام الداخلي
وقال البرغوثي، لـ"العربي الجديد": "كنا نريد لاجتماع المجلس المركزي أن يوحّد لا أن يكرّس حالة الانقسام. ولكن للأسف الشديد فقد رسخ الاجتماع استمرار الانقسام الداخلي، إضافة للخلافات الداخلية بين قوى منظمة التحرير التي لم تشارك أربع منها في الاجتماع".
واعتبر البرغوثي أنه "للأسف، فقد أصبح الاجتماع بالأساس لملء شواغر في المنظمة، وليس للتوافق على برنامج وطني موحد".
ارتفاع متوسط أعمار أعضاء "التنفيذية"
ووفق الباحث السياسي جهاد حرب، فإن متوسط أعمار أعضاء اللجنة التنفيذية الجديدة 71 سنة، بزيادة 3 أعوام عن متوسط أعمار اللجنة السابقة التي انتخبت في 2018. واعتبر أن هذا الأمر يدحض أي فكرة حول ضخ دماء جديدة في المجلس، حسب الكلمات الافتتاحية لقيادة المجلس.
وأوضح حرب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "تمت إضافة أربعة أعضاء جدد للجنة التنفيذية، هم حسين الشيخ (61 سنة) عن حركة فتح، ورمزي خوري (76 سنة) ومحمد مصطفى (68 سنة) في مقاعد المستقلين التي عادة ما تختارهم فتح، ورمزي رباح (72 سنة) عن الجبهة الديمقراطية بعد استقالة تيسير خالد (81 سنة)".
وأكد حرب أنه "لا توجد دماء جديدة، بل أشخاص جدد هم بالأساس موجودون في النظام السياسي، ومن نفس اللون السياسي الموجود في اللجنة التنفيذية للمنظمة. ولم تتغير التركيبة العمرية لأعضاء اللجنة التنفيذية، بل ارتفع متوسط العمر ثلاث سنوات".
ويجمع الشيخ الآن رسمياً بين تولي وزارة الشؤون المدنية، وعضوية اللجنة المركزية لحركة "فتح"، وعضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ليكون الوحيد الذي يحظى بكل هذه المناصب.
أما محمد مصطفى فهو رئيس "صندوق الاستثمار الفلسطيني" منذ 2005 وحتى الآن، وهو الصندوق السيادي للسلطة بإجمالي أصول مليار دولار، وهو يدير أموال الشعب الفلسطيني، ويعتبر راتبه من أعلى رواتب الشخصيات المهمة الفلسطينية.
أما رمزي خوري فقد أصبح رئيساً للصندوق القومي الفلسطيني بعد أن كان مديراً عاماً له. وهذا الصندوق بمثابة "وزارة مالية" منظمة التحرير، وهو مسؤول عن مخصصات الفصائل التي درج عباس عادة على معاقبتها، بعدم صرف مخصصاتها عندما تعارضه سياسياً، كما هو الحال مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حالياً، وفي أوقات سابقة مع الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب.
الهدف ترتيب المرحلة سياسياً بعد عباس
واعتبر العضو في "التحالف الشعبي للتغيير" عمر عساف أن "الهدف من اجتماع السادس من شباط (فبراير) كان ترتيب المرحلة سياسياً بعد عباس".
وقال عساف، لـ"العربي الجديد"، إنه وحسب ما تم تسريبه في الإعلام، فإن الإدارة الأميركية أعطت عباس عامين لعدم إجراء انتخابات، على أن يتم خلالهما إجراء ترتيب ونقل سلس للسلطة، على حد وصفه.
واعتبر أن هذا الأمر "يعني أن المطلوب في المرحلة الحالية والمقبلة (وجود) مجموعة مطواعة مستعدة للعمل ضمن التوجه المطروح للنهج السياسي، بما يتفق مع السلام الاقتصادي والتسهيلات المعيشية. والتعيينات التي تمت باللجنة التنفيذية والمجلس الوطني تتفق مع هذا النهج".