تنطلق غداً السبت في العاصمة بكين، الجلسة الافتتاحية لاجتماعات مجلس النواب الصيني السنوية، وسط تحديات داخلية وخارجية.
وتكتسب هذه الدورة أهمية خاصة، نظراً للظروف والأزمات التي تعصف بالصين والعالم. وبالتالي ستكون نافذة مهمة لمعرفة ما إذا كانت بكين ستجري أي تغييرات على نهجها وسياساتها، الداخلية المتعلقة بسياسة صفر كوفيد ونسبة النمو الاقتصادي وأزمة البطالة والشيخوخة وتراجع معدلات المواليد الجدد في البلاد.
يُنظر إلى ميزانية الدفاع على أنها مؤشر على تقييم بكين للأمن القومي والتهديدات الخارجية
كما أنها ستكون نافذة لمعرفة ما إذا كانت ستجري تغييرات بسياساتها الخارجية المرتبطة بموقف الصين من الحرب الروسية على أوكرانيا، وعلاقاتها المتدهورة مع العالم الغربي، واستمرار تداعيات الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، إلى جانب ملف تايوان الساخن.
ميزانية الدفاع مؤشر على التهديدات الخارجية
ومن المقرر أيضاً أن يتم الإعلان في ختام جلسات البرلمان عن ميزانية الدفاع للعام الحالي. وغالباً ما يُنظر إلى ميزانية الدفاع الوطني على أنها مؤشر على تقييم بكين للأمن القومي والتهديدات الخارجية.
وكان خبراء صينيون قد حذروا، في وقت سابق، من أزمة ديمغرافية قد تهدد الخطط الاستراتيجية للنمو الاقتصادي، بسبب تراجع أعداد المواليد الجدد بصورة غير مسبوقة، وكذلك ارتفاع معدلات الشيخوخة، حيث يمثل الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على ستين عاماً حوالي 19 في المائة من إجمالي السكان البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة.
وقال هؤلاء إنه في حال لم تتخذ الصين إجراءات سريعة وناجعة لمواجهة هذه الأزمة، فإنها ستكون مهددة بفقدان عامل أساسي في تشكيل معجزاتها الاقتصادية، التي تحققت في العقود الأربعة الماضية.
أيضاً شهدت الصين خلال الأشهر الماضية تذمراً شعبياً بسبب سياسة صفر كوفيد، التي انتهجتها السلطات منذ ظهور فيروس كورونا قبل أكثر من عامين.
وقد أثيرت مخاوف بشأن تأثير هذه السياسة على الاقتصاد، خصوصاً في مجال التصنيع وكذلك حياة السكان. وطُرحت تساؤلات عما إذا كان يجب التحوّل إلى نهج التعايش مع الفيروس على الطريقة الغربية، نظراً لتأثير ذلك على التبادلات التجارية الدولية.
سياسياً، برز موقف الصين المتحفظ بشأن الحرب الروسية. وبدت من خلال تصريحات مسؤوليها كأنها تسير على حبل مشدود، إذ تسعى بكين إلى الموازنة بين الحفاظ على علاقات جيدة مع موسكو، وحماية مكانتها الدولية ونهجها تجاه تايوان.
وقد تكشف جلسات البرلمان عن بلورة موقف واضح ومحدد بشأن الحرب القائمة، خصوصاً أن مراقبين اعتبروا أن اشتعال الحرب في شرق أوروبا قد يوفر غطاء أمنياً للصين من أجل استعادة جزيرة تايوان بالقوة، في محاكاة مشابهة للتحرك العسكري الروسي.
الحرب الروسية على أوكرانيا بند بارز
في هذا الصدد، قال أستاذ الدراسات السياسية في معهد قوانغ دونغ، لين تشين، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه على الرغم من أن اجتماعات مجلس النواب معدّة لمعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسات الداخلية، فإن تدهور علاقات الصين مع العالم الغربي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، أكسب العلاقات الخارجية هامشاً أكبر من الاهتمام في اجتماعات السنوات الأخيرة.
وتوقع أن يطغى ملف الحرب الروسية في أوكرانيا على جدول أعمال البرلمان، نظراً لانعكاساته على المسألة التايوانية. وأضاف أن القيادة الصينية تولي هذا الملف اهتماماً خاصاً، لأنه من خلاله يمكن استخلاص العبر، وتجنب الوقوع في المأزق الروسي، خصوصاً إذا طال أمد الحرب، وحوصرت موسكو بمزيد من العقوبات.
توقع لين تشين أن يطغى ملف الحرب الروسية في أوكرانيا على جدول أعمال البرلمان
وفي سؤاله عما إذا كان سيناريو الهجوم على تايوان مطروحاً على أجندة العمل، قال الأستاذ الصيني إن بكين لديها وسائل وأدوات أكثر نجاعة من اللجوء لاستخدام القوة ضد تايبيه، مثل استخدام نفوذها السياسي في عزل تايوان عن المجتمع الدولي، وكذلك ثقلها الاقتصادي. وهي أدوات، حسب قوله، قادرة على إخضاع الجزيرة من دون إراقة قطرة دم واحدة.
تحديات اقتصادية واجتماعية ملحّة
من جهته، اعتبر المحلل في المركز الصيني للدراسات الاقتصادية في جامعة فودان، تشاو تشيانغ، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الملفات الاقتصادية والاجتماعية باتت أكثر إلحاحاً على القيادة من الملفات السياسية، في ظل المؤشرات الخطيرة على ارتفاع معدلات البطالة بسبب جائحة كورونا، وكذلك تراجع أعداد المواليد الجدد إلى أقل من المتوسط الطبيعي، وعزوف مجتمعي عن الإنجاب بسبب الظروف المعيشية الصعبة.
وأشار إلى أن نسبة البطالة تجاوزت 6 في المائة العام الماضي، بعد أن ضرب فيروس كورونا القطاع الخاص، الذي يستوعب أكثر من 80 في المائة من القوة العاملة في المناطق الحضرية. وقال إن الحكومة مطالبة بخلق وظائف لأكثر من 200 مليون عامل، لكي تحقق هدفها في الحفاظ على معدل بطالة لا يتجاوز 5 في المائة.
وفي سياق آخر، قال تشاو تشيانغ إن السلطات الصينية لا تزال عاجزة عن معالجة أزمة المواليد، على الرغم من تقديم العديد من الامتيازات لحث الأسر على الإنجاب. ولفت إلى أن عدد المواليد الجدد في الصين بلغ 10 ملايين خلال العام الماضي، مسجلاً انخفاضاً للعام الخامس على التوالي، بنسبة 11 في المائة مقارنة بالعام السابق.
تشاو تشيانغ: الملفات الاقتصادية والاجتماعية باتت أكثر إلحاحاً على القيادة من السياسية
وأضاف المحلل الصيني أن الأنظار تتجه أيضاً في هذه الدورة البرلمانية إلى ما سيتم الكشف عنه بخصوص هدف النمو الاقتصادي لهذا العام، على اعتبار ذلك عصا بكين الاقتصادية للخصوم المناهضين لسياساتها. وتوقع أن تحافظ بكين على نمو يتجاوز 5 في المائة هذا العام، مع إعطاء الأولوية للاستقرار الاقتصادي بعد عامين من الانكماش.
يشار إلى أن دورة مجلس النواب الصيني، هي واحدة من أهم الأحداث السياسية في البلاد، وتعقد في مارس/آذار من كل عام، وتستمر نحو أسبوعين.
ويناقش القادة الصينيون فيها أهم الملفات الداخلية والخارجية. ويقوم رئيس الوزراء الصيني في نهاية كل دورة بقراءة البيان الختامي الذي يتضمن الإعلان عن الموازنة العسكرية، وكذلك هدف النمو الاقتصادي، وهما رقمان عادة ما يثيران الكثير من النقاش والجدل في الأوساط الغربية، خصوصاً لدى الولايات المتحدة التي تنتقد دائماً الزيادة المستمرة في الإنفاق العسكري الصيني، وتعتبره انعكاساً لطموحات بكين العسكرية، وتهديداً للأمن في منطقة المحيطين الهادئ والهندي.