اجتماعات جنيف السورية: تضييع الوقت بسجال الدستور

24 مارس 2022
المبعوث الأممي غير بيدرسن خلال الجولة الخامسة من المفاوضات، يناير 2021 (فرانس برس)
+ الخط -

تتواصل أعمال الجولة السابعة من اجتماعات "اللجنة الدستورية" السورية في مدينة جنيف السويسرية، وسط تقديم الوفود الثلاثة المشكلة للجنة (وفود النظام والمعارضة والمجتمع المدني)، المنوط بها وضع دستور جديد للبلاد، أوراق عملها. وفيما يستمر وفد النظام في الحديث عن "تعديل" في دستور وضعه في عام 2012، تبرز مؤشرات حول خلافات داخل المعارضة، التي يرى متابعون أنها تتحمل أيضاً المسؤولية في تضييع الوقت.

اللجنة الدستورية السورية وأجندة الجولة السابعة

ذكرت مصادر مواكبة لأعمال الجولة السابعة أن وفد النظام قدّم في اليوم الثالث من الاجتماعات (أمس الأربعاء)، ورقة عمل للنقاش حول "رموز الدولة"، وتتضمن "النشيد الوطني واللغة والعملة وشعار الدولة". وأكد عضو وفد المعارضة السورية في الاجتماعات، أحمد العسراوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الورقة التي قدّمها النظام "وصلتنا"، مشيراً إلى أن الردود الرسمية على كل الأوراق المقدمة ستكون يوم غدٍ الجمعة.

نفى عضو وفد المعارضة أحمد العسراوي أن يكون العمل جارياً لتعديل دستور 2012

وحول تقييمه لأعمال هذه الجولة، قال العسراوي إنها "ما زالت محفوفة بالتقديرات الشخصية"، لافتاً إلى أن يوم غدٍ الجمعة (يوم الاختتام المفترض للجولة) تتضح كل الأمور". ونفى العسراوي أن يكون العمل جارياً في جنيف على أساس إجراء تعديل على دستور عام 2012. وقال: "أنفي هذا الأمر بشدة". 

وكان وفد المعارضة قدّم بدوره أول من أمس الثلاثاء، ورقة عمل حول مبدأ "أساسيات الحكم"، يبدو أنها لم تلق قبولاً لدى النظام. وفي هذا الإطار، نقلت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، عن مصادر "مقرّبة" منها قولها إن "ما قدّمه (وفد المعارضة) هو مبادئ غير متجانسة".

من جهته، قدّم وفد المجتمع المدني التابع للنظام، ورقة عمل حول "هوية الدولة"، تؤكد على أن اسم الدولة يجب أن يبقى "الجمهورية العربية السورية"، وأنها "جزء من الوطن العربي، والشعب السوري جزء من الأمة العربية".

وتضم اللجنة الدستورية المشكلة من الأمم المتحدة 150 عضواً، ثلثهم من النظام وثلثهم الآخر من المعارضة والثلث الأخير من المثقفين ومندوبي منظمات من المجتمع المدني السوري، اختارتهم الأمم المتحدة من الطرفين (النظام والمعارضة). وانبثق من الهيئة الموسعة للجنة، لجنة مصغرة (هدفها صياغة الدستور)، مؤلفة من 45 عضواً بواقع 15 من كل مجموعة، تتخذ قراراتها بموافقة 75 في المائة من أعضائها، وبرئاسة مشتركة من النظام والمعارضة.

وبدأ وفدا المعارضة والنظام التفاوض حول المسألة الدستورية في عام 2019، وعقدا ست جولات قبل الجولة الحالية، وُصفت بـ"الفاشلة"، حيث يريد النظام تعديلاً على دستور وضعه في عام 2012، بينما تصّر المعارضة على كتابة دستور جديد وفق مضامين القرارات الدولية.

ويُغرق وفد النظام اللجنة بالتفاصيل، حيث من الواضح أنه يخطط لإبقاء التفاوض حول الدستور مستمراً دون نتائج لسنوات عدة مقبلة، ما يؤدي في النهاية إلى تمييع القرارات الدولية. 

اللجنة الدستورية: تمييع للوقت

وأكد مصدر رفيع المستوى في هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية، والمشرفة على وفد المعارضة في اللجنة الدستورية، طلب عدم ذكر اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المعارضة لا تعوّل على الإطلاق على المفاوضات مع النظام للتوصل إلى حلّ سياسي". وأضاف: "نحن نعرف أن النظام يضع العملية السياسية وراء ظهره، ولكن لا نريد أن نقع في قفص الاتهام بأن المعارضة تُفشل مساعي الأمم المتحدة".

وبرأي المصدر، فإن "الهدف من أعمال اللجنة الدستورية تمضية الوقت حتى تصل الدول الفاعلة في الملف السوري إلى تفاهمات حول العديد من القضايا، منها القضية السورية". وأضاف أن "الدستور المقبل لسورية تضعه جمعية تأسيسية منتخبة مباشرة من الشعب"، متسائلاً أنه "داخل المعارضة، لم نتفق على اسم الدولة المستقبلي، فكيف يمكن الاتفاق مع النظام؟".  

وفي السياق، قال العضو السابق في اللجنة الدستورية، إبراهيم جباوي، والذي استقال من منصبه أواخر شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، لـ"العربي الجديد"، إن "مجريات أعمال الجولة السابعة المنعقدة حالياً تشير إلى أن اللجنة الدستورية سائرة في طريق إجراء تعديلات دستورية على دستور 2012 الذي وضعه النظام، وليس كتابة دستور جديد، وهذا لا يتساوق مع أهداف الثورة".

درويش خليفة: المشاركون في اللجنة الدستورية من جانب المعارضة أسهموا في تمرير الوقت

وبيّن جباوي أن عدداً من أعضاء اللجنة من جانب المعارضة، بدأوا يشعرون أن هذه اللجنة "لعبة روسية ومضيعة للوقت". واعتبر أنه "إذا كان في كل جولة تُناقش مواد عدة في الدستور، فهذا يعني أن أمامنا سنوات من التفاوض حول الدستور، مع العلم أن ست جولات لم تقر فيها مادة واحدة، وهناك فوارق زمنية بين كل جولة تمتد لأشهر عدة". 

انعكاسات لخلافات المعارضة السورية

وفي انعكاس لتباين الرؤى داخل المعارضة، أعلن يحيى العريضي، وهو المتحدث الرسمي باسم هيئة التفاوض المعارضة، أول من أمس، انسحابه من اللجنة الدستورية، معتبراً في بيان أنها "مسار عبثي، ولم تقدّم شيئاً للشعب السوري خلال أكثر من سنتين ونصف". واتهم العريضي "البعض في مؤسسات المعارضة السورية بالتفرد والإقصاء وتسيير المؤسسات بالاتجاه الذي يريدونه عبر لقاءات سرّية وتفاهمات وأوراق وصياغات لا نعلم عنها شيئاً".  

وتعليقاً على انسحاب العريضي، قال دبلوماسي منشق عن وزارة الخارجية السورية وقريب من وفد المعارضة السورية في اللجنة الدستورية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن هذا الانسحاب "لن يكون له أي تأثير على اللجنة".

وأضاف الدبلوماسي أن "المطلوب من العريضي الإفصاح عما أشار إليه في بيان انسحابه من اللجنة الدستورية من تفاهمات سرّية وأوراق من قبل البعض في المعارضة السورية، فالتلميح لا يجوز في أمر يخص الشأن العام. عليه كشف ما لديه للرأي العام، وإلا فإن موضوع الانسحاب يندرج ضمن المصالح الشخصية لا أكثر".  

وفي هذا السياق، أشار المحلّل السياسي درويش خليفة، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "الإشارة من جانب العريضي حول تفرد البعض في المعارضة السورية بالقرار داخلها، توضح حجم الخلافات داخل كيانات المعارضة الرسمية".

وشدّد خليفة على أن "المضي بهذا المسار التفاوضي الذي نتج عن مؤتمر سوتشي (2018)، لا يعفي العريضي وغيره من أعضاء المعارضة الرسمية من المسؤولية في إضاعة وقت السوريين الذي يحسب بالدم". 

وأعرب المحلّل السياسي عن اعتقاده بأن المشاركين في اللجنة الدستورية من جانب المعارضة "أسهموا في تمرير الوقت للنظام، للوصول إلى مسرحية ما يسمى بالانتخابات الرئاسية العام الماضي".

ورأى خليفة أن المعارضة السورية "بحاجة لوقفة مع الذات ومع الشارع المعارض حول نتائج تحركاتهم بعد مضي أكثر من عقد على انطلاق الثورة السورية". وحمّلها جانباً من المسؤولية عمّا آلت إليه القضية السورية "بسبب نهجها في إطاعة الحلفاء وتجاهل أبناء القضية، وإدخال نفسها في الصراعات الإقليمية واصطفافها مع طرف ضد الآخر وهو ما سبّب للقضية السورية نكسات عديدة".

وأضاف المحلّل السياسي أن العريضي "مطالب بأكثر من الاستقالة من الدستورية، وهو الخروج للرأي العام والإفصاح عن كل من تآمر على السوريين من معارضة ودول تدعي وقوفها إلى جانب الشعب السوري وصداقته".

المساهمون