انتهت الجولة السادسة من المفاوضات بين المعارضة السورية والنظام حول كتابة دستور جديد للبلاد، أول من أمس الجمعة، بلا نتائج، وهو ما كان متوقعاً منذ البداية في ظلّ عدم اكتراث النظام بحل سياسي، بل يطلب من المعارضة تقديم صكوك استسلام غير مشروط.
ولم يجد المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن، وهو المسيّر لأعمال اللجنة الدستورية المشكلة من قبل الأمم المتحدة وتضم ممثلين من المعارضة والنظام والمجتمع المدني من الطرفين، ما يصف به الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية، إلا بالقول إنها كانت "خيبة أمل". وأضاف في مؤتمر صحافي عقب انتهاء الجولة السادسة: "لم نحقق ما أردنا إنجازه... افتقرنا إلى فهم سليم لطريقة دفع هذا المسار إلى الأمام... هذه الجولة لم توصلنا إلى أي تفاهمات أو أرضية مشتركة حول أي من المواضيع". وفي دلالة واضحة على عبثية التفاوض حول الدستور والذي كان بدأ أواخر عام 2019، قال بيدرسن إنه لم يتم التوافق على موعد الجولة المقبلة "لأن الأطراف المشاركة لم تصل إلى أي آلية مشتركة أو قرار". وتابع: "أجريت جولة مع الرئيسين المشتركين (عن النظام أحمد الكزبري وعن المعارضة هادي البحرة)، وقلت لهما إنه يجب التوصل إلى تفاهم سليم للتوصل لأساليب عمل سليمة وصياغة جوهرية سليمة، فالعملية يجب أن تُبنى على الثقة، حتى لو كانت قليلة".
البحرة: العملية الدستورية لا يمكن أن تستمر إن بقيت كما هي
وبدأت أعمال الجولة السادسة يوم الإثنين الماضي في مقر الأمم المتحدة في مدينة جنيف، حيث كانت تأمل الأمم المتحدة بالخروج بتوافق حول مبادئ الدستور والبدء بصياغة مواده وفق ما تنص عليه القرارات الأممية وخصوصاً القرار 2254. وناقشت وفود اللجنة الدستورية في جلساتها الأوراق المقدمة من قبل كل وفد، متمثلة بورقتي "السيادة السورية" و"الإرهاب والتطرف" اللتين قدمهما وفد النظام، وورقة "الجيش والقوات المسلحة والأمن والاستخبارات" التي قدّمها وفد المعارضة، وورقة مبدأ "سيادة القانون" التي قدّمت من قبل وفد المجتمع المدني.
من جهته، اتهم البحرة النظام بعدم الرغبة في التوصل إلى أي اتفاقات، قائلاً في مؤتمر صحافي الجمعة: "لا توجد حتى الآن الرغبة، على الأقل لدى طرف واحد، في التوصل إلى توافقات. هذه العملية الدستورية لا يمكن أن تستمر إن بقيت كما هي". وحول نيّة المعارضة الانسحاب من المفاوضات في ظل تعنّت النظام، قال البحرة: "الانسحاب لا يخدم الثورة، ولا يوقف سفك الدماء في سورية".
بدوره، قال أحد المستشارين السياسيين لوفد المعارضة السورية، والذي فضّل عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث العلني، لـ"العربي الجديد"، إن "وفد النظام جاء إلى جنيف لإضاعة الوقت بعد أن اضطر للمجيء نتيجة ضغوط". وأشار إلى أنّ وفد النظام "تجنب مناقشة الأوراق التي قدّمتها المعارضة والمجتمع المدني"، مضيفاً: "قدّم النظام ورقة حول الإرهاب والتطرف، هي بمثابة منشور حزبي لا علاقة لها بالدستور. وكان واضحاً أن وفد النظام لا يعنيه إلا بقاء بشار الأسد في السلطة، وأي شيء يمكن أن يفضي إلى تطبيق القرارات الدولية هو غير معني به".
وحول الخطوة المقبلة المحتملة من قبل المعارضة السورية، قال المصدر إن "الائتلاف الوطني السوري باعتباره المرجعية الأهم لوفد المعارضة، سيعقد اجتماعات لتقرير ما سيحدث في ظلّ الفشل المتكرر للجنة الدستورية". وأعرب المتحدث نفسه عن قناعته بأنه "ليس من مصلحة المعارضة الانسحاب"، مضيفاً: "البقاء يثبت للمجتمع الدولي عدم جدية النظام في التوصل إلى حل سياسي، وعلى المبعوث الأممي غير بيدرسن أن يضع مجلس الأمن الدولي بصورة ما يحدث، وأن يطالب بضغط دولي كبير على النظام لتنفيذ قرارات الشرعية، وإلا لا قيمة أبداً لهذه القرارات". وتابع بالقول: "كل السوريين يدركون أن النظام ليس بصدد إنهاء المأساة، ويهمه بقاء الحال على ما هو عليه. بشار الأسد يريد منا الاستسلام، ويسعى لتوريث ابنه السلطة، ولكن لا تملك المعارضة السورية القدرة على إجباره على الرضوخ للشرعية الدولية في ظل التراخي الكبير من قبل الولايات المتحدة التي تبدو في ظلّ الإدارة الحالية منشغلة بملفات أخرى غير الملف السوري".
وفد النظام تجنّب مناقشة الأوراق التي قدّمتها المعارضة والمجتمع المدني
من جانبه، أشار طارق الكردي، وهو عضو المجموعة المصغرة من اللجنة الدستورية من طرف المعارضة، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى "أننا كنا نتوقع أن يستمر النظام في دوره المعطل لسير أعمال اللجنة الدستورية"، مضيفاً: "جاء وفد النظام بإيجابية شكلية إلى الجولة السادسة، ولكن يوم الجمعة ظهر بدوره السلبي عندما رفض التوافق على الأوراق المقدمة". وبيّن أنه حدث "تقدم طفيف في الجولة السادسة"، مضيفاً: "بدأنا مرحلة صياغة دستور جديد، أي أن اللجنة بدأت بتنفيذ ولايتها بكتابة دستور وليس النظر في الدستور القائم كما يريد النظام". وأشار إلى أن "وفد هيئة التفاوض يأتي إلى جنيف للتفاوض مع المجتمع الدولي ليمارس ضغوطاً أكبر على النظام السوري"، مؤكداً أن "المعارضة مؤمنة بالحل السياسي للقضية السورية، بينما النظام مؤمن بالحل العسكري".
واعتبر الكردي أن اللجنة الدستورية "جبهة من جبهات الصراع مع النظام، لا نملك نحن قرار إخلائها، لا بل علينا تعزيزها أكثر"، مضيفاً: "وضعنا ليس سيئاً على هذه الجبهة، لأن لدينا رغبة صادقة في إنهاء مأساة السوريين في داخل البلاد وخارجها". ومضى بالقول: "نتطلع إلى تنفيذ القرار 2254 ونعتبر اللجنة الدستورية مدخلاً واسعاً للتوصل إلى حل سياسي، والمجتمع الدولي بات يعرف من هو الطرف المعطل، ومن واجب المبعوث الأممي أن يطلع مجلس الأمن الدولي على ما جرى، وأن يشير إلى النظام على أنه المعرقل لمساعي الأمم المتحدة في المضي في طريق الحل السياسي في سورية".
وحاولت موسكو تبرير الفشل في الجولة السادسة من مفاوضات اللجنة الدستورية. إذ اعتبر الممثل الخاص للرئيس الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، في تصريحات أول من أمس، أن الانفجار الأخير الذي أدى إلى مقتل عسكريين تابعين للنظام في دمشق، بالتزامن مع اجتماعات جنيف، "أثار قلق الأطراف في مناقشات اللجنة الدستورية السورية". وتابع: "كانت هناك مخاوف معينة الأربعاء الماضي، على الأرجح إثر الهجوم الإرهابي الذي وقع في دمشق وقتل 17 جندياً سورياً". وأشار إلى أن الأطراف "عادت إلى لغة الاتهامات المتبادلة"، مضيفاً: "مواقف أطراف اللجنة الدستورية السورية ما زالت متضاربة في كثير من القضايا". ويبدو أن موسكو مارست ضغوطاً على النظام لإرسال وفده إلى جنيف، ولكنها لم تفعل الشيء ذاته كي يبدي مرونة ويسهّل أعمال اللجنة الدستورية.
حاولت موسكو تبرير الفشل في الجولة السادسة من مفاوضات اللجنة الدستورية
ويسود الشارع السوري المعارض استياء كبير من فشل المحاولات الأممية في إيجاد حل سياسي، إذ إن هذا المسار لم يفض إلى نتائج منذ منتصف عام 2012 الذي شهد صدور بيان "جنيف 1" الذي يعد المرجع الأكبر للمفاوضات والتي وصلت إلى حائط مسدود، لا سيما حيال السلال الأربع التي أقرتها الأمم المتحدة، وهي: الانتقال السياسي، الدستور، الانتخابات، والإرهاب. ووصف جورج صبرا، وهو من الوجوه السورية المعارضة، في منشور له على "فيسبوك" أمس السبت، اللجنة الدستورية بـ"الخديعة"، مطالباً بـ"إنهاء المهزلة التي اخترعها الروس خدمة لمشروعهم"، وفق قوله.
وفي السياق ذاته، دعا الباحث السياسي رضوان زيادة، في حديث مع "العربي الجديد"، المعارضة إلى "بناء استراتيجية جديدة ومختلفة لا تعتمد على مفاوضات اللجنة الدستورية"، مضيفاً: "هذه اللجنة لن تثمر شيئاً كما بات واضحاً للجميع". ولفت إلى أن هذه الاستراتيجية "يجب أن تشمل تفعيل دور الحكومة المؤقتة في المناطق المحررة، وتفعيل دور اللاجئين السوريين في كل دول العالم بهدف استثمارهم في الضغط الدولي، وإعادة بناء مؤسسات المعارضة بشكل تمثيلي أفضل يسمح بمشاركة كل السوريين فيها". وعبّر زيادة عن اعتقاده بأن المبعوث الأممي لن يحيط مجلس الأمن بالدور المعطل للنظام في مفاوضات اللجنة الدستورية، و"سيحاول الاحتفاظ باللغة الدبلوماسية"، مضيفاً: "دور المبعوث الأممي ضعيف جداً، لذلك يحتاج لهذه اللغة كي يحافظ على دوره، وكي يبقى له مدخل على النظام السوري".