اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة: نقاش الأزمات بلا التزامات متوقعة

20 سبتمبر 2022
من أمام مبنى الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك (إيتاك أونال/الأناضول)
+ الخط -

"تجتمع الجمعية العامة للأمم المتحدة في وقت شديد الخطورة". بهذه الكلمات وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الحقبة التي يعيشها العالم خلال مؤتمر صحافي عقده أخيراً في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، قبيل اجتماعات الجمعية العامة بدورتها الـ77 رفيعة المستوى التي تفتتح اليوم الثلاثاء في نيويورك، على مستوى مشاركة القادة.

ومن المتوقع أن يكون هذا التحذير لغوتيريس، جزءاً من رسالته أمام الجمعية وكلمته التي سيلقيها اليوم، بحضور كبير لقادة الدول ووفود دبلوماسية رفيعة المستوى، للمرة الأولى بهذا الحجم منذ ثلاث سنوات، أي منذ انتشار جائحة كورونا، من دون أن يعني ذلك التخلي التام عن القيود الصحية، إذ اضطرت الوفود إلى تقليص حجمها، وخُصصت أماكن محدودة لوسائل الإعلام، فيما سيكون وضع الكمامة إلزامياً.

وعلى الرغم من السماح للوفود الدبلوماسية بالحضور إلى نيويورك، إلا أن عدد الاجتماعات التي ستعقد داخل المقر يبقى محدوداً، بسبب قيود الجائحة، والكثير من الاجتماعات ستعقد في مناطق مختلفة من المدينة.

لن يسمح لأي من قادة الدول بمخاطبة الجمعية العامة عن طريق الفيديو باستثناء الرئيس الأوكراني

ولن يسمح لأي من قادة الدول بمخاطبة الجمعية العامة عن طريق الفيديو، كما حدث خلال السنتين الأخيرتين بسبب الجائحة، مع استثناء واحد وهو للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بسبب الحرب في بلاده، بحسب ممثلية بلاده لدى الأمم المتحدة في نيويورك.

وكانت الجمعية العامة قد صوتت على السماح له بذلك، بطلب من أوكرانيا، يوم الجمعة الماضي، وسط اعتراضات روسية، لكن القرار حصل على تأييد 101 دولة، ومعارضة 7 دول، وامتناع 19 عن التصويت.

وفيما يشارك نحو 150 من قادة العالم في الاجتماعات، يعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ من أبرز الغائبين.

أما الرئيس الأميركي جو بايدن، فلن يتحدث أمام الجمعية العامة في اليوم الأول لافتتاح أعمالها رفيعة المستوى، كما جرت العادة باعتباره رئيس البلد المضيف لمقر الأمم المتحدة الرئيسي في نيويورك، بل غداً الأربعاء بسبب تغيير في جدوله، وحضوره مراسم جنازة ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية في لندن.

كما لن يترأس بايدن قمة الغذاء التي تنظمها الولايات المتحدة. وكان من المفترض أن يعقدها اليوم الثلاثاء، وسيترأسها وزير خارجيته أنتوني بلينكن بدلاً عنه. وأثّر ذهاب الكثير من قادة الدول إلى لندن للمشاركة في جنازة الملكة إليزابيث، على جدول أعمالهم ولقاءاتهم المرتقبة في نيويورك، وهو ما أكدته أكثر من ممثلية.

الحرب الأوكرانية في الجمعية العامة للأمم المتحدة

وسيحضر الموضوع الأوكراني والحرب الروسية في عدد من المحاور، أبرزها اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الخميس المقبل، تنظمه فرنسا، التي ترأس مجلس الأمن لهذا الشهر.

الكثيرون في دول الجنوب العالمي، عبروا عن امتعاضهم بسبب طريقة تعامل الدول الغربية مع الموضوع الأوكراني، مقارنة بتعاملها مع صراعات أخرى حول العالم، وهي السياسة التي يصفها الكثير من الدبلوماسيين في نيويورك بسياسة "الكيل بمكيالين".

ولعل ارتفاع تلك الأصوات هو ما يفسر قول السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة في نيويورك، ليندا توماس-غرينفيلد، أخيراً، رداً على سؤال صحافي حول ما إذا كان موضوع أوكرانيا سيهيمن على الاجتماعات، إن الموضوع الأوكراني "لن يهيمن على الاجتماعات، لكننا لن نتجاهل أوكرانيا. ندرك أنه لا يمكننا تجاهل بقية العالم على الرغم من احتدام هذه الحرب المروعة في جميع أنحاء أوكرانيا. هناك صراعات تحدث في أماكن أخرى، وهناك قضايا تؤثر علينا جميعاً".

الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين واالصيني شي جين بينغ أبرز الغائبين

تركيز أميركي على أزمة الغذاء

وحول المحاور الرئيسية التي ستركز بلادها عليها خلال الاجتماعات رفيعة المستوى قالت توماس-غرينفيلد "أولويتنا هي انعدام الأمن الغذائي العالمي الذي أصبح ملحاً أكثر من أي وقت مضى، إذ ينام أكثر من 828 مليون شخص في العالم كل ليلة جياعاً. وتفاقمت أزمة الغذاء في ظلّ تفاقم أزمة التغيير المناخي وتبعاتها، وكورونا، وأزمة الطاقة، كما أدت الصراعات وتحديداً الغزو الوحشي الروسي لأوكرانيا لتفاقم الأوضاع". وشددت على أن "أزمة الغذاء غير المسبوقة، تتطلب رداً غير مسبوق لمواجهتها".

ومن اللافت للانتباه أن قمة الغذاء، التي سيترأسها بلينكن اليوم، بدلاً عن الرئيس الأميركي، سوياً مع الاتحاد الأوربي والاتحاد الأفريقي، ستعقد خلف أبواب مغلقة.

أما الأولوية الثانية للولايات المتحدة خلال الاجتماعات، بحسب السفيرة الأميركية، فستكون "قضايا الصحة العالمية التي ستلعب كذلك دوراً مركزياً في الاجتماعات رفيعة المستوى، حيث أظهرت جائحة كورونا أن التهديدات الصحية عابرة للحدود".

وستعقد الولايات المتحدة إلى جانب دول أخرى عدداً من الاجتماعات في هذا السياق، تتعلق كذلك بمكافحة الإيدز والسل والملاريا وغيرها. ولفتت السفيرة الأميركية إلى أن بلادها ستركز كذلك على ما سمته "الدفاع عن ميثاق الأمم المتحدة وتشكيل مستقبلها".

تشاؤم غوتيريس

من جهته، بدا الأمين العام للأمم المتحدة متشائماً في تحقيق أي انفراجة ملموسة في الملفات الدولية العالقة والصراعات، وخصوصاً الملف الأوكراني، على هامش أعمال الجمعية.

وقد قال خلال مؤتمر صحافي سبق الاجتماعات رفيعة المستوى، إنه "من الواضح أن أي شيء يمكن أن يساعد في إعادة بناء الثقة مفيد، ولكن سيكون من السذاجة الاعتقاد بأننا قريبون من إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام (في الملف الأوكراني). إن المساعي الحميدة جاهزة (للوساطة)، لكن ليس لدي أوهام لفرص التوصل إلى اتفاق سلام حالياً، وأدرك أن هذه الفرص ضئيلة في الوقت الحالي".

بدا غوتيريس متشائماً في تحقيق أي انفراجة ملموسة في الملفات الدولية العالقة والصراعات

ويركز غوتيريس جهوده خلال الاجتماعات على حشد الدعم لعدد من الملفات الإنسانية وأهداف التنمية المستدامة 2030، وعلى رأسها التعليم والمناخ والطاقة وانهيارات اقتصادية تحوم في الأفق، وأزمة الغذاء العالمية والمجاعة التي يحوم شبحها في عدد من المناطق.

وفيما يخص التعليم، ترأس غوتيريس اجتماعاً رفيع المستوى أمس الإثنين لقمة التعليم، في وقت يشهد فيه العالم تراجعاً ملموساً ليس في مستوى التعليم فحسب، بل حتى في مستوى عدد الأطفال الذين يستطيعون قراءة وفهم قصة بسيطة، والذي وصل إلى قرابة 65 في المئة من الأطفال حول العالم.

ملفات الشرق الأوسط في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة

وفيما يخص الشرق الأوسط والملفات المختلفة بما فيها فلسطين واليمن وليبيا وسورية والملف النووي الإيراني، سيعقد عدد من الاجتماعات رفيعة المستوى، ولكن سيكون أغلبها مغلقاً، بما في ذلك اجتماع عن فلسطين على مستوى وزراء الخارجية، ومن المستبعد أن يسفر عن أي نتائج ملموسة.

كما سيعقد اجتماع برعاية هولندا والأمم المتحدة والولايات المتحدة حول التمويل لناقلة صافر اليمنية (حملة لجمع تبرعات للمساعدة في تفريغ مليون برميل من النفط الخام من ناقلة عملاقة متهالكة قبالة السواحل اليمنية على البحر الأحمر).

وقد استبق الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، توجهه إلى نيويورك بالتأكيد أمس الإثنين، أن مشاركته "فرصة لتبيان رؤى الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومواقفها"، مؤكداً أنه "لن تكون هناك اجتماعات مع المسؤولين الأميركيين خلال هذه الزيارة التي تستغرق خمسة أيام".

الاجتماعات رفيعة المستوى سيكون أغلبها مغلقاً

كما نقلت شبكة "سي. بي. أس" عن رئيسي قوله في مقابلة أجريت معه يوم الثلاثاء الماضي، وبُثت أول من أمس الأحد، إن طهران "ستكون جادة في إحياء اتفاق بشأن برنامجها النووي، إذا توافرت ضمانات بعدم انسحاب الولايات المتحدة منه مرة أخرى". ولفت إلى أنه "إذا كان اتفاقاً جيداً وعادلاً، فسنكون جادين في التوصل إلى اتفاق".

من جهته، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، أمس الإثنين، في مؤتمره الصحافي الأسبوعي في معرض رده على سؤال بشأن مرافقة كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، الرئيس الإيراني إلى نيويورك، إنه "لا يوجد تخطيط مسبق لإجراء حوار حول المفاوضات النووية" خلال الزيارة.

لكن كنعاني في الوقت ذاته، لم يستبعد إجراء حوار حول الملف النووي الإيراني خلال اللقاءات على هامش مشاركة الوفد الإيراني في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال إن احتمال ذلك يبقى وارداً.

من جهته، توقع ريتشارد غاون، مدير مكتب الأمم المتحدة في "منظمة كرايسيس غروب"، خلال اجتماع خاص مع عدد من الصحافيين المعتمدين لدى الأمم المتحدة في نيويورك، بمن فيهم مراسلة "العربي الجديد"، أن يأخذ موضوع أوكرانيا والأمن الغذائي حيزاً مهماً في المداولات.

وقال "من الواضح أن بايدن، وأغلبية القادة الغربيين، سيكررون أمام الجمعية العامة موقفهم بشأن عدوان روسيا على أوكرانيا، وسيكون من المثير للاهتمام الاستماع إلى الاختلافات في وجهات نظر القادة؛ على سبيل المثال ما سيقوله الرئيس (الفرنسي إيمانويل) ماكرون، إذا ما نظرنا إلى تشديده في مناسبات مختلفة على الحاجة إلى الدبلوماسية مع موسكو بشكل أقوى مقارنةً بالزعماء الغربيين".

رئيسي: لن تكون هناك اجتماعات مع المسؤولين الأميركيين

وأضاف "لكن عموماً، ستكون الرسالة أن هذه الحرب عدوان روسي وتمثل هجوماً على منظومة الأمم المتحدة". وحول قمة الغذاء، قال غاون إنه "واضح للكثير من القادة الغربيين، وخاصة الولايات المتحدة، أنه ولإبقاء الدول غير الغربية على نفس الخط، من الضروري التحدث عن مخاوفها في ما يتعلق بأسعار الغذاء، وأسعار الطاقة، والقضايا الاقتصادية الأخرى".

وتوقع أن يتحدث الكثير من القادة الغربيين عن جهودهم لمواجهة أزمة الغذاء العالمية. ولفت كذلك إلى "شعور الكثير من القادة في دول الجنوب العالمي بالضيق بسبب قضايا عالقة أخرى؛ ككورونا والتلقيح والتمويل لقضايا المناخ وأسعار الغذاء والطاقة".

وبرز في السياق ما قاله سفير أنتيغوا وبربودا، والتون ويبسون، رئيس تحالف الدول الجزرية الصغير (AOSIS) "لم يعد لدينا وقت نضيّعه"، معرباً عن أمله في الحصول على "التزامات" في ما يتعلق بتمويل خطط مواجهة التغيّر المناخي.

المساهمون