في تقرير نشرته السبت، تتبعت شبكة "سي أن أن" الأميركية، المفاوضات الأميركية الإيرانية غير المباشرة التي وصفتها بعملية "خطوة بخطوة"، واستغرقت سنتين ونصفاً، قبل أن تثمر يوم الخميس، عن اتفاق أميركي إيراني محتمل، يقضي بالإفراج عن خمسة أميركيين مسجونين، ووصول طهران في نهاية المطاف إلى حوالي 6 مليارات دولار من عائدات النفط الإيراني. كما كشف التقرير دور الدبلوماسية القطرية التي وصفتها بـ"المكوكية- من فندق إلى فندق" التي توسطت بين الجانبين، فأسهمت في الأشهر الأخيرة في إحداث الاختراق المطلوب، في مفاوضات شائكة وغير مباشرة.
وذهب تقرير الشبكة إلى أن الوفود الأميركية والإيرانية تجمعت في فنادق منفصلة في الدوحة، بينما كان الدبلوماسيون القطريون يتنقلون ذهاباً وإياباً محاولين بشكل محموم، التوسط في اتفاق بدا بعيد المنال بين الاثنين.
وأكد، نقلاً عن مسؤول أميركي مطلع على المفاوضات، أنه لم يكن هناك محادثات وجهاً لوجه بين الولايات المتحدة وإيران، على مدار أكثر من عام من الاجتماعات الفندقية المتقطعة في العاصمة القطرية. بدلاً من ذلك، نقل المسؤولون القطريون الرسائل ذهاباً وإياباً، مع بعض أعمال لوجستية، بأكثر الطرق السرية الممكنة، عبر سلسلة نصية بين القطريين والدبلوماسيين الأميركيين.
الدوحة: جهود مكثّفة
وأضاف التقرير أن المحادثات غير المباشرة كانت جزءاً من عملية استمرت عامين، أسفرت عن الاتفاق الذي جرى الإعلان عنه هذا الأسبوع، وهو "اختراق دبلوماسي بين الخصمين اللدودين، الذين لا يتحدثون حتى مع بعضهم البعض".
وبيّن التقرير أنه بعد عامين ونصف من المناقشات المكثفة غير المباشرة بين واشنطن وطهران، بدأت الخطوط العامة لخريطة الطريق للاتفاق تتبلور في الدوحة قبل نحو ستة أشهر. وفي يوم الخميس، أسفرت تلك الجهود المكثفة عن أول علامة على المردود، عندما أفرجت إيران عن أربعة أميركيين كانوا محتجزين في سجن إيفين سيئ السمعة، ونقلتهم إلى الإقامة الجبرية.
وبحسب الشبكة، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن، بعد الإعلان عن نقل السجناء الأميركيين: "إنها خطوة إيجابية أن يجري إطلاق سراحهم من السجن، وإرسالهم إلى الاحتجاز المنزلي. لكن هذه مجرد بداية لعملية آمل وأتوقع أن تؤدي إلى عودتهم إلى الولايات المتحدة".
ورأت الشبكة أنه إذا ما تحقق ذلك على النحو المتفق عليه، فإن الدبلوماسية المعقدة ستكون قد أسفرت عن اتفاق بالغ الأهمية بين الخصمين التقليديين، اللذين توترت علاقتهما بسبب "البرنامج النووي الإيراني المتنامي وانتهاكاتها المزعومة لحقوق الإنسان". ووصفت "سي أن أن" المسار بالشائك، خصوصاً أن ليس للولايات المتحدة وإيران علاقات دبلوماسية، ورفضت طهران مبادرات واشنطن للتفاوض معها مباشرة بشأن هذه المسألة.
بدلاً من ذلك، كان على الولايات المتحدة أن تسعى إلى سبل غير مباشرة، بالاعتماد على شركاء في الشرق الأوسط، وأوروبا، بما في ذلك قطر وعمان والمملكة المتحدة وسويسرا، وجميعهم عملوا محاورين للجانبين على مدار العامين ونصف العام الماضيين.
"لا ضمانات مع الإيرانيين"
وبين تقرير "سي أن أن" أن المسؤولين الأميركيين تقدموا إلى المفاوضات على أساس أنه "لا توجد ضمانات" مع الإيرانيين، وفقاً لمصدر مطلع على المفاوضات، لكن "مع ظهور الأمور في مكانها الصحيح، بدأت حكومة الولايات المتحدة في التواصل مع الكونغرس وأسر السجناء".
وأضاف التقرير أن الجانب الأميركي لم يدرك أن الخطة كانت قيد التنفيذ إلا قبل يومين من الانتقال إلى الإقامة الجبرية. كان الأميركي الخامس قيد الإقامة الجبرية بالفعل.
ونقل عن مصدر مطلع على المفاوضات قوله، يوم الأربعاء، إن الولايات المتحدة لديها "ما يبدو أنه معلومات ملموسة"، بأن الخطوة الأولى في الصفقة، المتمثلة بنقل الأميركيين الأربعة من سجن إيفين إلى الإقامة الجبرية، ستتخذ يوم الخميس. ومع ذلك، كان المسؤولون حذرين.
وحذّر المصدر من أن "هناك بالتأكيد عناصر في النظام الإيراني لا تريد أن يحدث هذا".
وأضاف المسؤول الأميركي أنه بحلول يوم الخميس، كان للمسؤولين الأميركيين خط مباشر مع السفير السويسري في إيران للحصول على تحديثات حول التقدم على الأرض، "يعمل الدبلوماسيون السويسريون كقوة حماية، عيون وآذان على الأرض، للولايات المتحدة في إيران".
في وقت مبكر من بعد ظهر الخميس، بتوقيت واشنطن، أعلن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي أدريان واتسون أن البيت الأبيض " تلقى تأكيداً بأن إيران أطلقت سراح خمسة أميركيين جرى احتجازهم ظلماً، ووضعتهم قيد الإقامة الجبرية".
وذهبت الشبكة إلى أن المسار وصف بعملية "خطوة بخطوة"، مشيرة إلى تأكيد المسؤولين الأميركيين أن "المفاوضات غير المباشرة مستمرة وحساسة".
صعوبات تنفيذ الاتفاق
وفي تفاصيل الصفقة تقول الشبكة إن أحد مكوناتها هو تبادل أسرى متوقع بين الولايات المتحدة وإيران، وآخر ينطوي على جعل 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية، من حسابات مقيدة في كوريا الجنوبية، متاحة بسهولة أكبر "للتجارة غير الخاضعة للعقوبات"، للسلع مثل الغذاء والدواء عن طريق نقلها إلى حسابات مقيدة في قطر. وقالت مصادر لـ"سي أن أن" إن الأموال جاءت من مبيعات النفط التي سمح بها ووضعت في حسابات أنشئت تحت إدارة ترامب.
ونقلت عن مصدر مطلع على الاتفاق، أن عملية تحويل الأموال إلى قطر يرجّح أن تستغرق من 30 إلى 45 يوماً، وأن الأموال ستمر عبر سويسرا قبل الوصول إلى قطر.
وينوّه التقرير بأن التنفيذ لن يكون سهلاً، ومع تأكيد المصادر أن وزارة الخزانة الأميركية ستشارك بشكل كبير، فإنه من المتوقع أن يستغرق تحويل الأموال الإيرانية إلى قطر أسابيع حتى يكتمل، خاصة لأن الولايات المتحدة لا ترفع أي عقوبات من أجل تسهيل التحويل. ونقلت عن مسؤول أميركي أن مشاركة وزارة الخزانة جعلت العملية "أكثر صعوبة في بعض الأحيان، لكنها كانت ضرورية للتأكد من أن أي اتفاق سيحافظ على رقابة صارمة على الأموال الإيرانية".
ويختم تقرير "سي أن أن" بأن عملية الوصول إلى هذه النقطة، مع الهدف النهائي المتمثل في تأمين إطلاق سراح الأميركيين، كانت طريقاً طويلاً لمسؤولي إدارة بايدن، وأن إعادة الأميركيين إلى ديارهم كانت أولوية منذ بداية ولاية الرئيس جو بايدن، بحسب المصادر.
وكان الأميركيون الثلاثة المعروفون علناً بأنهم متضمنون في الصفقة، وهم سياماك نمازي، ومراد طهباز، وعماد شارجي، قد سجنوا لسنوات قبل تولي بايدن منصبه، مع اعتقال نمازي عندما كان بايدن نائباً للرئيس وتركه لصفقة جرى تأمينها في ظل إدارة أوباما.
الآن، يقول المسؤولون الأميركيون إن العمل مستمر، لكنهم متفائلون بحذر بأن الخمسة قد يعودون إلى ديارهم. وقال بلينكن: "أعتقد أن هذه هي بداية نهاية كابوسهم، والكابوس الذي مرت به عائلاتهم".