في العام 1999، حصل الفلسطيني أحمد أبو سمرة (42 سنة)، على لم الشمل مع عائلته والهوية الفلسطينية بعد خمس سنوات على عودة والده، أحد فدائيي جيش التحرير إلى قطاع غزة مع الرئيس الراحل ياسر عرفات والآلاف من عناصر منظمة التحرير، بموجب اتفاق أوسلو في يوليو/ تموز 1994.
وكانت منظمة التحرير الفلسطينية، التي تقودها حركة فتح، قد وقعت في 13 سبتمبر/ أيلول 1993 على اتفاق إعلان المبادئ الإسرائيلي الفلسطيني الذي عرف باسم "اتفاق أوسلو" المرحلي، وأنشأت بموجبه السلطة الوطنية الفلسطينية، وبدأت العمل في كل من قطاع غزة ومدينة أريحا بالضفة الغربية المحتلة.
وكان من المفترض أنّ يتم استكمال الاتفاق بمفاوضات للوصول للحل الدائم، على اعتبار أن "أوسلو" كان اتفاقاً مرحلياً، لكن إسرائيل تنصلت من كثير مما اتفق عليه، ولم يكن الوسطاء في الاتفاق، ولا شهوده، إلا منحازين لاحتياجات إسرائيل الأمنية.
سهيل الهندي: هناك من لا يزال يتمسك باتفاق أوسلو على حساب مصالح الشعب الفلسطيني
وأرخى الاتفاق بظلاله على الحالة الفلسطينية، التي بات الانقسام عنواناً لمرحلتها اللاحقة، رغم وجود هذا الانقسام بين مكونات المنظمة والتيار الإسلامي، المتمثل بحركتي حماس والجهاد الإسلامي، قبل الاتفاق.
يقول أبو سمرة، لـ"العربي الجديد"، إن اتفاق أوسلو مكنه وإخوته من الحصول على الهوية الفلسطينية، بعد أن كان ذلك حلماً لهم ولملايين المهجرين الفلسطينيين، مشيراً إلى أنّ والده كان يتحدث، قبل وفاته، عن كثير من التضييق الذي تعرض له الفلسطينيون في دول الشتات في العامين اللذين سبقا الاتفاق.
ولا يزال أبو سمرة مؤمناً بأن اتفاق أوسلو كان فرصة تاريخية للفلسطينيين في ظل التواطؤ الدولي ضدهم، متهماً المتطرفين في دولة الاحتلال الإسرائيلي بالمسؤولية عن عدم التقدم في الاتفاق والتهرب من استحقاقات المراحل اللاحقة منه.
غير أنّ ناصر ماهر لديه رؤية مختلفة، حيث يعتبر اتفاق أوسلو تنازلاً عن 78 في المائة من أرض فلسطين التاريخية، وأنّ قيادات منظمة التحرير، ومن ثم السلطة، هم الذين استفادوا فعلياً من الاتفاق، فيما لم يحقق للفلسطينيين أي شيء سوى سلطة لا تسيطر إلا على الفتات الذي لا يريد الإسرائيليون حكمه بشكل مباشر.
اتفاق أوسلو كان وهماً
ويشير ماهر، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ اتفاق أوسلو كان وهماً، حتى للذين وقعوا عليه ويتمسكون به حتى اليوم. وفي اعتقاده أنّ الاتفاق "مات وانتهى، لكن السلطة الفلسطينية لا تريد الإقرار بذلك، فيما المسؤولون الإسرائيليون يقولون ذلك علناً، وبدون مواربة".
ويقول: "كثيرون مثلي يشعرون بالخيبة. نحن نعيش خيبة أمل كبيرة نتيجة ما جره أوسلو علينا. الاتفاق مكن الإسرائيليين من السيطرة على كل شيء، والتحكم في كل شيء. لا يستطيع أحد في غزة أو الضفة أن يفعل شيئاً إلا بموافقة إسرائيلية، والوعود بتحول أراضي السلطة الفلسطينية إلى جنة لم تتحقق، بل على العكس تماماً تحولت الحياة إلى جحيم لا يطاق".
وبينما كانت حركتا حماس والجهاد الإسلامي على رأس المعارضين للاتفاق في حينه، فقد وقعتا "ضحية" للاتفاق بعد أشهر معدودة منه، حيث اعتقل العشرات من قيادات الحركتين وعناصرهما في الضفة الغربية وقطاع غزة، تنفيذاً لالتزامات السلطة الفلسطينية الناشئة بموجب الاتفاق، وما بات يعرف باسم "التنسيق الأمني".
وبعد سنوات من عدم تحقيق الاتفاق منجزات للفلسطينيين، باتت بعض فصائل منظمة التحرير تعارضه علناً، وتنتقد بين الحين والآخر استمرار السلطة الفلسطينية في الرهان عليه، وخاصة في ظل التحلل الإسرائيلي منه، والتهرب الدائم من الاستحقاقات المتبقية.
لم يعد اتفاق أوسلو قائماً إسرائيلياً
إسرائيلياً، لم يعد اتفاق أوسلو قائماً، ولم تعد الحكومات المتعاقبة منذ 2014 ترغب حتى في الالتقاء بقيادات السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس. وتقتصر اللقاءات منذ ذلك الوقت على اجتماعات أمنية، من بوابة وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ ومسؤولي الإدارة المدنية الإسرائيلية ووزراء الأمن.
محمود الراس: الاتفاق ساهم في تقسيم الفلسطينيين سياسياً، وامتد الأمر ليصبح جغرافياً
ويقول الناطق باسم حركة فتح منذر الحايك، لـ"العربي الجديد"، إن اتفاق أوسلو كان بمثابة إعلان مبادئ مرحلي، الهدف منه الوصول لحل نهائي للقضية الفلسطينية، لكن إسرائيل هي التي قتلت عملية السلام عندما قتلت رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين.
ويضيف الحايك أن الشعب الفلسطيني خاض العملية السلمية، معتقداً أن المجتمع الدولي والأمم المتحدة سيحمون السلام والاتفاقيات وسيلزمون الاحتلال بالقانون الدولي والشرعية الدولية، إلا أن العالم تعامل بازدواجية مع هذا الأمر، مشيراً إلى أنه وبعد مرور 30 عاماً على الانتهاكات والتنصل الإسرائيلي من حل الدولتين، إلا أن الشعب الفلسطيني مصمم على المضي قدماً حتى تحقيق الأهداف كاملة بالحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية.
غير أنّ عضو المكتب السياسي لحركة حماس سهيل الهندي يشير، في المقابل، إلى أنّ هناك من لا يزال يتمسك باتفاق أوسلو على حساب مصالح الشعب الفلسطيني، بالرغم من كل ما يقوم به الاحتلال من انتهاكات.
اتفاق أوسلو أنكر حقوق الشعب الفلسطيني
ويوضح الهندي، لـ"العربي الجديد"، أن حركته عارضت الاتفاق منذ البداية، كونه أنكر حقوق الشعب الفلسطيني وتم فيه التنازل عن قرابة 78 في المائة من مساحة فلسطين وأبقى على 22% فقط من الحقوق التي عاد إليها الاحتلال لاحقاً ليقوم بابتلاعها بالاستيطان والتهويد.
ويشدد على أن المسار الذي يجب أن يسلكه الفلسطينيون اليوم يتمثل في المقاومة، مع التحلل من كافة الاتفاقيات، وعلى رأسها ملف التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي باعتباره أحد أبرز النصوص السارية من الاتفاق حتى الآن.
ويدعو الهندي قيادة السلطة وعباس إلى الإعلان عن إلغاء الاتفاقيات وتطبيق القرارات التي سبق أن أعلن عنها في المجلسين المركزي والوطني لمنظمة التحرير، على اعتبار أن اتفاق أوسلو كان سبباً في ضياع الحقوق الفلسطينية ولم يجلب إلا الكوارث.
ويتفق عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي أحمد المدلل مع الهندي في أن اتفاق أوسلو كان بمثابة حصاد مُر دفع الشعب الفلسطيني ثمنه في وقت لاحق، من خلال التغلغل الاستيطاني الذي سلب غالبية المناطق في الضفة الغربية المحتلة.
المدلل: المطلوب التحلل من اتفاق أوسلو
ويقول المدلل، لـ"العربي الجديد"، إن المطلوب في المرحلة الحالية التحلل من الاتفاق بشكل كامل، باعتباره شكل تمهيداً للطريق أمام بعض الأنظمة العربية للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي في وقت لاحق تحت غطاء أوسلو الذي يعتبر بمثابة جريمة في حق القضية الفلسطينية.
ويشير إلى أن غالبية الفصائل الفلسطينية مع التحلل من اتفاق أوسلو والتوجه لخيارات بديلة، لعل أبرزها خيار المقاومة الفلسطينية، الذي من شأنه أن يعزز الوحدة الداخلية، ويمنع الاحتلال من الاستفادة من حالة الفرقة، شرط توافق الجميع على برنامج عمل وطني.
أما عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مسؤول فرعها في غزة محمود الراس فيشير، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى الرفض التام للاتفاق منذ بدايته وحتى اللحظة، كون الوقائع على الأرض كانت توحي بالنتائج التي وصل إليها الشعب الفلسطيني بعد ثلاثة عقود من الاتفاق.
اتفاق أوسلو ساهم في تقسيم الفلسطينيين
ويبين الراس أنّ الاتفاق ساهم في تقسيم الفلسطينيين سياسياً، وامتد الأمر ليصبح جغرافياً، عبر الانقسام الحاصل حالياً بين المحافظات الشمالية (الضفة الغربية)، والجنوبية (قطاع غزة)، فضلاً عن تجرد الاحتلال الإسرائيلي من كافة الحقوق الفلسطينية وتنصله منها.
ويشير إلى أن القيادة السياسية الفلسطينية الحالية مُطالبة بعملية مراجعة وتقييم للمشهد، والتحلل الفوري من هذه الاتفاقات والالتزامات، التي لم تجلب للفلسطينيين سوى الويلات والكوارث، مع طرح خيارات واقعية يمكن أن تنهي جميع مخرجات اتفاق أوسلو وما تبعه.
وبينما وافق حزب الشعب الفلسطيني على الاتفاق باعتباره مدخلاً لمواصلة الطريق لتحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وإقامة حلم الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، إلا أن الحزب رفض لاحقاً آليات التنفيذ التي سار بها الأمر، وفق حديث عضو المكتب السياسي للحزب وليد العوض مع "العربي الجديد".
اتفاق أوسلو لم يعد قائماً
ويقول العوض: "كانت واضحة حالة الانحدار التدريجي لإبقاء العملية السياسية مستمرة، ويتواصل معها الاستيطان والاحتلال، وهو ما أفضى لآليات خاطئة في التنفيذ"، مشيراً إلى أنّ اتفاق أوسلو لم يعد قائماً من الناحية الواقعية والعملية، وهو ما يفرض ضرورة التحلل منه بالعمل على إيجاد بدائل واقعية ومنطقية تُخرج الحالة الفلسطينية السياسية من المشهد القائم بعيداً عن التنازع على السلطة.
ويشير العوض إلى أن حزب الشعب قدم أكثر من رؤية لهذا الأمر خلال اجتماعات المجلسين الوطني والمركزي، إلا أنه لم يتم الأخذ بها، وهو ما يتطلب أن يكون هناك قرار فلسطيني يترجم على أرض الواقع، بالذهاب نحو تشكيل مجلس تأسيسي لدولة فلسطين ينهي الانقسام السياسي.