يجري مسؤولون مصريون اتصالات تتمحور حول سبل عدم تكبد عسكر السودان المزيد من الخسائر السياسية بعد انقلابهم في 25 الشهر الماضي. وشملت اتصالات المخابرات العامة برئاسة اللواء عباس كامل، المكلف من رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي بإدارة الملف السوداني، مسؤولين في الإمارات والسعودية لإقناعهما بضرورة عدم دعم أي خطوة إضافية تدعو لابتعاد الجيش عن السلطة، وضرورة التدخل مع مصر لدعم تشكيل حكومة "وفاق وطني" جديدة، تضمن إبعاد العناصر الليبرالية واليسارية والمناهضة للمصالح المصرية والإسرائيلية والخليجية، من المشهد السياسي تماماً.
وكشفت مصادر دبلوماسية مصرية وغربية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، عن زيارة فريق صغير من المخابرات المصرية إلى الخرطوم قبل يومين، لمتابعة الجهود التي بدأتها القاهرة منذ وقوع الانقلاب، لتقريب وجهات النظر والتنسيق بين النظام المصري وكل من قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ونائب رئيس مجلس السيادة، قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو "حميدتي"، وتقريب وجهات النظر بين أعضاء المجلس العسكري، ومحاولة تبديد الخلافات التي اندلعت بينهم خلال الفترة الماضية، خاصة بعدما تعذر تنفيذ مقترح عودة عبد الله حمدوك لرئاسة الحكومة وفقاً لشروط ومعطيات جديدة.
تريد مصر أن تكون لها الأسبقية للمشاركة في اتخاذ القرارات في السودان قياساً بالإمارات وإسرائيل
وتم تكليف هذا الفريق بمتابعة الأنباء والمعلومات المتداولة في الاتصالات الجارية داخل السودان، بهدف أن تكون لمصر الأسبقية للمشاركة في اتخاذ القرارات، وتوجيه الأوضاع، قياساً بالإمارات وإسرائيل القريبتين بالفعل من دوائر صنع القرار، وكذلك السعودية التي بدا أنها كانت الطرف الأكثر ابتعاداً عن مجريات الأحداث في الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى ضمان عدم تأثير انفلات الأوضاع في السودان على المصالح المصرية المباشرة، أمنياً وعسكرياً، وكذلك في قضية سد النهضة.
وذكرت المصادر أن مصر تتفق مع البرهان وحميدتي في الرفض المطلق لفتح المجال لعودة قائمة من الوزراء المقربين من حمدوك، والمصنفين من قبلهم كشخصيات قريبة من الدوائر الأميركية والغربية، بمن في ذلك شخصيات سياسية مدنية ودبلوماسية لعبت أدواراً كبيرة في مساعي إسقاط ديون السودان، وساهمت في جذب دعم أوروبي كبير للدولة، بعد التوصل إلى الوثيقة الدستورية، وكذلك الشخصيات التي كانت على اتصال دائم برئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إبان فترة رعايته لمفاوضات المصالحة الوطنية السودانية.
وبحسب المصادر فإن القاهرة ترى أن وجود هذه الشخصيات في السلطة يمثل خطراً على مصالحها المرتبطة بالسودان، أمنياً وعسكرياً، وكذلك في قضية سد النهضة، وأن حكومة حمدوك بعلاقاتها الممتدة بالتيارات الليبرالية واليسارية والتجمعات المهنية، كانت تقف حجر عثرة أمام تطوير التواصل بين مصر والمجلس السيادي المنحل، لا سيما في قضية سد النهضة، وبالتالي كان الحل الأمثل بالنسبة لها الإطاحة به واستئثار العسكر بالسلطة.
وأوضحت المصادر أن مصر رفضت المشاركة في البيان الرباعي، الذي جمع الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات والسعودية، لتضمنه عدة نقاط تتعارض تماماً مع المصالح المصرية، على رأسها عودة الحكومة (وليس حمدوك بمفرده) وتعليق حالة الطوارئ، خاصة في ظل المد السياسي المعارض للتدخل المصري في الشأن السوداني والارتباط العسكري السلطوي بين البلدين. أما الاتصالات الجارية بالدول الغربية في الشأن ذاته، فتحاول مصر من خلالها البحث عن صيغ مقبولة لإعادة التعامل مع عسكر السودان من دون العودة عما تحقق بالفعل، بما في ذلك البحث عن بديل لحمدوك، أو الضغط عليه للعودة مع القبول بالشروط المصرية لاستبعاد عناصر بعينها من الحكومة والمشهد السياسي، والعمل على تأجيل إجراء أي استحقاقات انتخابية في الوقت الحالي، وتعديل الوثيقة الدستورية.
ترى مصر أن وجود وزراء مقربين من حمدوك يمثل خطراً على مصالحها المرتبطة بالسودان
وذكرت المصادر أن الاتصالات المصرية مع بعض الوزارات الغربية والسفارات، وبصفة خاصة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، حول تطورات الموقف، تواجه حتى الآن إصراراً على تحدي أولوياتها في السودان، مع تعذر تجاوز موقف الإطاحة بحمدوك، والتأكيد على ضرورة إعادته مع حكومته بنفس شخوصها، مع التمسك بالمسار الدستوري الذي كان محدداً سلفاً. ويرتبط هذا الموقف بصورة مباشرة بالنصائح المصرية للبرهان وحميدتي، والتي تركزت على ضرورة الثبات في المواقف وعدم إبداء مرونة إزاء المطالب بالتراجع، مهما كانت الضغوط، وهو ما انعكس على التصريحات الأخيرة للقياديين بالتأكيد على عدم الرجوع للخلف، وأن التدخل العسكري كان ضرورياً "لتصحيح مسار الثورة" والتمسك بوجود "طرف ثالث يعتدي على المتظاهرين"، وغيرها من العبارات التي توصل للغرب رسائل أقرب إلى نهج السيسي في التصعيد وعدم التراجع، بالتوازي مع البحث عن مداخل للتنسيق والتعاون الاقتصادي وتحقيق الاستفادات المتبادلة، على حساب مسار الانتقال الديمقراطي وملفات حقوق الإنسان.