تتجه الأنظار، اليوم الإثنين، إلى الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يعقد اجتماعاً لهيئته الإدارية، وهي السلطة الثانية في المنظمة بعد المؤتمر، لتباحث تطور الوضع في تونس، وقرار الرئيس قيس سعيّد استحداث هيئة استشارية لتكتب دستوراً جديداً للبلاد وتعيد تنظيم الحياة السياسية، فيما يسميه سعيّد جمهورية جديدة.
لا شيء في هذه الهيئة مبدئياً يمكن أن يدفع الاتحاد ليزكيها أو يوافق عليها، بالنظر إلى كل مواقفه السابقة المعلنة، فهي مجرد هيئة استشارية وليست تقريرية، لا تشارك فيها الأحزاب، ويعود فيها القرار إلى الرئيس. أما الاتحاد فمجرد مشارك في لجنة لا يترأسها حتى، وهي اللجنة الاقتصادية والاجتماعية، التي أوكلت مهمة إدارتها لعميد المحامين، إبراهيم بودربالة، المثير للجدل.
موقف الاتحاد المعروف والوارد في أكثر من تصريح وبيان، أنه لا يمكن أن يكون مشاركاً في حوار نتائجه معروفة مسبقاً، ولن يقبل بأن يكون شاهد زور، ولا جزءاً من ديكور. وأكد أيضاً أنه يرفض إقصاء الأحزاب، ويختلف كثيراً مع أفكار سعيّد بخصوص النظام السياسي في البلاد، وهو ما يعني صراحة أنه لا يلتقي مع هذه القرارات التي لم يُدعَ إلى المشاركة فيها.
في الوقت نفسه، يخضع الاتحاد إلى ضغوط من أحزاب وشخصيات تدعوه وبقية المنظمات إلى عدم المشاركة في هذه اللجنة، وآخرها حزب العمال اليساري، الذي دعا كل الجمعيات والمنظمات الرافضة للاستبداد "كي لا تشارك في المهزلة الحالية حفاظاً على سمعتها وكرامتها وتاريخها"، بحسب بيان له السبت الماضي.
لا يريد الاتحاد أن يكون جزءاً من مشروع سعيّد، ولكنه لا يريد أيضاً أن يقع برفضه الصريح القاطع بين أحضان معارضيه، خصوصاً حركة النهضة، والعودة إلى ما قبل 25 يوليو/تموز الماضي. وهو كان يرى بالفعل في إجراءات 25 يوليو فرصة لإعادة ترتيب المشهد في تونس على قواعد جديدة، أو ما يسميه الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي، بالخيار الثالث. ولكن لن يكون أمام الاتحاد متسع من الوقت لانتظار توضح ميزان القوى، وسيكون عليه أن يتحمّل مسؤولية تاريخية، مرة أخرى، لإنقاذ البلاد التي تقترب من الانهيار الاقتصادي، والمواجهة السياسية.
وأمام خطورة هذه الوضع، وبالنظر إلى أهمية قرار الاتحاد وتأثيره في وضع الصراع الحالي، وجّه سعيّد دعوة، أمس الأحد، للقاء الطبوبي، في محاولة استباقية واضحة للتأثير على قرار المنظمة النقابية، التي تدرك بالتأكيد أنها مناورة جديدة، ومحاولة، مثل سابقاتها، للتلاعب بها. ولكن الاتحاد يدرك أيضاً اليوم، أنه ليس أمام مجرد مفاوضات سياسية ونضال نقابي مع الحكومة، وإنما هو في مواجهة التاريخ، وبين يديه مستقبل التونسيين.