إيطاليا: جهود شعبوية وفاشية لتحقيق انتصار في الانتخابات المحلية

20 سبتمبر 2020
سالفيني يكرر هجومه على المهاجرين وينتقد الحكومة (أنطونيو ماسييلو/Getty)
+ الخط -

تتجه، اليوم الأحد وغدا الاثنين، سبعة أقاليم إيطالية لانتخابات محلية، بمشاركة نحو 18 مليون ناخب، يسعى فيها الشعبوي المتطرف، زعيم حزب "ليغا" (رابطة الشمال سابقا) ووزير الداخلية السابق الشعبوي المتشدد، ماتيو سالفيني، وزعيمة الحركة الفاشية Fratelli D’Italia (إخوة إيطاليا)، جورجيا ميلوني، لاستغلال شارع إيطالي ساخط من الإغلاق وخسائر مالية بسبب كورونا.

ومساعي سالفيني، الذي حقق تحالفه الشعبوي قبل عامين انتصارا أوصله إلى منصب نائب رئيس الوزراء، قبل أن يخرج بعد نحو 13 شهرا من الائتلاف الحاكم، تركز على هجوم على حكومة جوزيبي كونتي، وعلى ما يعتبره "نشر المهاجرين للعدوى بين الإيطاليين".

وخلال الأيام الماضية،ردد ماتيو سالفيني (47 سنة) خطابه الشعبوي بالقول إن "فيروس كورونا لم يعد حالة طارئة، ومع ذلك فإن الحكومة ترتكب الإرهاب للتمسك بالسلطة"، وفقا لما نقلت عنه صحف إيطالية. ويتهم الرجل حكومة روما بأنها "تضخم تهديد كورونا لممارسة الطغيان ضد الشعب".

مساعي سالفيني، الذي حقق تحالفه الشعبوي قبل عامين انتصارا أوصله إلى منصب نائب رئيس الوزراء، قبل أن يخرج بعد نحو 13 شهرا من الائتلاف الحاكم، تركز على مهاجمة حكومة جوزيبي كونتي، وعلى ما يعتبره "نشر المهاجرين العدوى بين الإيطاليين"

في حملاته الانتخابية، التي خالفت قواعد التباعد الاجتماعي، بكثير من نزع الكمامات والتقاط صور سيلفي دون تعقيم، وبطريقة شعبوية معروفة عند هذا المعسكر الأوروبي، رأى وزير الداخلية السابق المتشدد أن "التباعد الاجتماعي لا يجب أن يستمر إلى الأبد، فنحن جميعا، رجالا ونساء، سنواصل حياتنا من خلال الحس السليم لكل منا، فمن الهراء وقف السلام باليد وطبع قبلة، واستبدال ذلك بسلام الكوع".

محاولات حثيثة يسعى إليها مع الحركة الفاشية لاقتحام معاقل اليسار في عدد من الأقاليم السبعة (فينيتو، ليغوريا، توسكانا، مارشي، كامبانيا، بوليا، فالي دي أوستا).

ويسعى حزب "الرابطة" لاستغلال زخم شعبية متراجعة خلال أزمة كورونا، منذ أن أظهرت استطلاعات فبراير/شباط الماضي تقدم الليغا وسالفيني.

وفي روما، أظهرت سياسات رئيس الوزراء جوزيبي كونتي التفافا شعبيا عاما حول سياساته في مواجهة الجائحة في بدايتها، قبل أن تصدر أصوات تتذمر من طول العزل الاجتماعي في مجتمع معتاد على تقارب اجتماعي، بحكم ثقافة وتقاليد البلد المتوسطي.

 

 "غزو مهاجرين"

لم يفوت شعبويو إيطاليا، والحركة الفاشية، الفرصة لتوجيه سهامهم نحو المهاجرين، رغم انخفاض أعداد القادمين خلال أزمة كورونا، لاتهامهم بالمسؤولية عن نشر كورونا، رغم أن بداية انتشار الوباء في إيطاليا انطلقت من شماله الثري، وليس من الجنوب الذي يستقبل قوارب المهاجرين وتنتشر في مزارعه ومعامله اليد العاملة الرخيصة من أناس هاجروا من أفريقيا ودول شرق أوروبا الفقيرة.

وترى الخبيرة في شؤون الشعبوية الأوروبية من جامعة كولومبيا، ناديا أوربيناتي، أن خطاب هذا المعسكر الشعبوي المتطرف الساعي للتوحد في القارة الأوروبية "يجعله يصدر خطاب (هم ونحن)، ويظهر سالفيني أن عودة المعسكر الشعبوي ممكنة وبقوة، من خلال استغلال مشاعر عدم الرضا والغضب تجاه الأزمات الاقتصادية التي نتجت عن كورونا".

ورأت أوربيناتي، في تصريحات نقلتها صحف إيطالية، مثل "لاريبوبليكا" أن معسكر سالفيني الشعبوي "يحاول أن يُظهر أن فريقه يسجل عودة قوية، باستغلال السخط على إعادة الفتح البطيئة ورغبة الناس في العودة إلى الحياة التي يعرفونها".

لم يفوت شعبويو إيطاليا، والحركة الفاشية، الفرصة لتوجيه سهامهم نحو المهاجرين، رغم انخفاض أعداد القادمين خلال أزمة كورونا، واتهامهم بالمسؤولية عن نشر كورونا، رغم أن بداية انتشار الوباء في إيطاليا انطلقت من شماله الثري

ويضع ماتيو سالفيني ثقله يومي الأحد والاثنين لاستغلال تغير المزاج الشعبي بين ناخبي سبع من مقاطعات إيطاليا العشرين، مع الاستفتاء الشعبي المتزامن حول خفض أعداد أعضاء البرلمان في روما.

وتعتبر الانتخابات الإقليمية المحلية أول امتحان سياسي للأحزاب الإيطالية بعد جائحة كورونا وآثارها، وتوتر علاقات روما في بداية الجائحة مع الأوروبيين على خلفية تأخر مد اليد لها في أوج حاجتها، وهو امتحان ينعكس على كل معسكر اليمين الشعبوي المتطرف في القارة الأوروبية.

فرغم أن الإيطاليين أثنوا على أداء حكومتهم التي يقودها كونتي، بائتلاف حركة "خمس نجوم" والحزب الديمقراطي، إلا أن لا شيء مسلماً به في إيطاليا، خصوصا مع طول مدة الوباء وانعكاساته التي طاولت معظم الإيطاليين، من المقاهي الصغيرة حتى عجلة الصناعة.

ويسيطر الحزب الديمقراطي (بي دي PD) على أربع من المقاطعات السبع، وتظهر الاستطلاعات التي سبقت هذه الانتخابات أن معسكر يسار الوسط ربما يخسر الانتخابات في مقاطعتين من مقاطعاته الأربع، وخصوصا توسكانا، التي عدت معقلا يساريا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ويركز سالفيني على توسكانا لإحداث اختراق تاريخي، هذا إلى جانب تراجع للديمقراطي، وفقا للاستطلاعات، في مقاطعتي وسط وجنوب إيطاليا، مارشي وبوليا.

ومنذ أن انتقل سالفيني بحركة "ليغا" من كونها "رابطة الشمال"، حيث ركزت على الشمال الإيطالي، إلى "الرابطة" في عموم البلد، حقق الحزب تقدما وانتصارات في معاقل حسبت على يسار الوسط.

وحقق "ليغا" منذ انتخابات 2018، انتصارات في انتخابات محلية في 9 مقاطعات، وفوزه خلال اليومين، اليوم وغدا، يراهن عليه سالفيني باعتباره بروفة لتوجيه رسالة للشعب أن الحزب الديمقراطي و"خمس نجوم" لا يمثلان الشعب الإيطالي.

ونظرا إلى تجارب سابقة خسرت فيها حكومات مركزية، الحكومة الوطنية في روما، انتخابات أقاليم، فإن خسارة الأحزاب الحاكمة اليوم تعتبر صفعة قوية من الناخبين لحكومة ائتلاف هشة، وهو ما يراهن عليه سالفيني للدفع نحو انهيار الحكومة الحالية والذهاب إلى انتخابات عامة مبكرة، حيث تفيد الاستطلاعات بأنه لو جرت انتخابات برلمانية الآن فإن "ليغا" سيكسب، رغم أنه خسر شعبية أثناء كورونا بنحو 10 في المائة (35 في المائة قبل الجائحة)، إلا أنه سيكسب 25 في المائة، أي ربع أصوات الناخبين، وهو ما يجعله في مقدمة الأحزاب الإيطالية.

عين سالفيني والفاشيين اليوم على تفكك الحكومة. وتستند في ذلك إلى تاريخ طويل من النزاع بين طرفي ائتلاف حاكم، "خمس نجوم" و"الديمقراطي الشعبي" (يسار وسط)، اللذين اختارا الائتلاف بدل الذهاب إلى انتخابات مبكرة في العام الماضي، مع مخاوف من اكتساح سالفيني البرلمان بشعبية وصلت إلى 37 في المائة صيف 2019.

حقق "ليغا" منذ انتخابات 2018، انتصارات في انتخابات محلية في 9 مقاطعات، وفوزه خلال اليومين، اليوم وغدا، يراهن عليه سالفيني باعتباره بروفة لتوجيه رسالة للشعب أن الحزب الديمقراطي و"خمس نجوم" لا يمثلان الشعب الإيطالي

استدعاء خطاب الكراهية واتهام الأجانب لعبة معسكر التطرف المفضلة في القارة العجوز. ويتهم الرجل أوروبا بانتهاج "سياسة هجرة فاشلة"، وأن المهاجرين/اللاجئين "رجال عصابات ومرتكبو جرائم".

ويكرر خطابه عن أن بلده وأوروبا يتعرضان لـ"غزو جيش من الحرامية (السارقين) والمجرمين"، وهو ما يبثه بشكل شبه أسبوعي على موقعه الرسمي على فيسبوك، بمشاركة عشرات آلاف المتابعين لفيديوهاته التي تبث مباشرة.

حزب "ليغا"، بخطاب شعبوي متشدد وكاريزما سالفيني، يركز على اللعب على مشاعر الشارع بخطاب تعميمي عن المهاجرين بوصفهم "ناقلي العدوى، الذين يضعون شعب إيطاليا في خطر".

وأحدث ذلك الخطاب حالة استقطاب في الشارع الإيطالي، حيث رفضت بعض مدن أقصى الجنوب الإيطالي إسكان مهاجرين في مجمعات سكنية. الخطاب الشعبوي يجد صدى في الشارع، رغم أن أرقام الأمم المتحدة تتحدث عن أن عام 2020 لم يصل إلى البلاد سوى 21 ألف مهاجر/لاجئ قوارب. لكن سالفيني يتلاعب بالأرقام بقوله إن "جيش الغزاة (المهاجرين) تضاعف عن العام السابق"، وهي إشارة إلى أنه في فترة ترؤسه وزارة الداخلية كان يمنع قوارب الهجرة، وقوارب الإنقاذ، من الرسو في موانئ جنوبي البلد وجزره.

وفي جولاته الانتخابية لم يتوقف سالفيني عن اتهامه الحكومة الحالية بأنها "تستورد العدوى" باستقبالها المهاجرين، "وهدفها نشر العدوى وإبطاء إعادة الفتح".

الخطاب الشعبوي يجد صدى في الشارع، رغم أن أرقام الأمم المتحدة تتحدث عن أن عام 2020 لم يصل إلى البلاد سوى 21 ألف مهاجر/لاجئ قوارب، لكن سالفيني يتلاعب بالأرقام

وعلى حسابه في "تويتر"، لم يتوقف عن استعراض خطابه الشعبوي الكاره والمحرض على المهاجرين، من بين أشياء أخرى كثيرة تعزز دغدغة شعبوية لمشاعر الشارع، فاعتبر أن صقلية، التي تصلها قوارب هؤلاء، تتحول إلى "مناطق خارجة عن القانون، فجيش من غزو المهاجرين غير الشرعيين رفع نسبة الإصابات بكورونا وجعل صقلية على حافة الانهيار".

وتجد في السياق زعيمة الحركة الفاشية (إخوة إيطاليا)، جورجيا ميلوني، نفسها في منافسة مع سالفيني على المرتبة الأولى في الخطاب اليميني المتشدد. فبحسب ميلوني، "ثمة علاقة بين الهجرة غير الشرعية وزيادة أعداد مصابي كورونا في البلد"، رغم أن السلطات الصحية الإيطالية تتحدث عن أن زيادة الإصابات لها علاقة بعودة الإيطاليين من رحلات سياحية أثناء الإجازة الصيفية.​

المساهمون