إيطاليا تفتح باب التطبيع الأوروبي مع الأسد: الدوافع والأهداف

28 يوليو 2024
ستيفانو رافانيان (يمين) في إحدى الفعاليات بكازاخستان، 15 ديسمبر 2015 (فيكتور بويكو/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تعيين سفير إيطالي في سورية:** إيطاليا تعين ستيفانو رافانيان سفيراً في سورية، لتصبح أول دولة في مجموعة السبع تعيد بعثتها الدبلوماسية في دمشق منذ 2011، بعد تعليق النشاط الدبلوماسي احتجاجاً على "العنف غير المقبول" من نظام الأسد.

- **أهداف وتبعات القرار:** يثير القرار تساؤلات حول أهدافه، خاصة فيما يتعلق بورقة اللاجئين والحد من النفوذ الروسي والإيراني في سورية، وقد يشجع دول أوروبية أخرى على استئناف علاقاتها مع نظام الأسد.

- **ردود الفعل:** وصف الصحافي دانييلي راينيري القرار بأنه "ثورة دبلوماسية صغيرة"، بينما رأى المحلل إيمانويلي روسي أنه قد يقلص النفوذ الروسي والإيراني، وأشار الكاتب ريكاردو كريستيانو إلى نوايا بائسة وراء القرار.

يطرح قرار إيطاليا تعيين سفير لها في سورية تساؤلات كثيرة عن أهدافه وتوابعه، خصوصاً عما إذا كان مقدمة لخطوات مماثلة من قِبل دول أوروبية أخرى تتجه لاستئناف علاقاتها أيضاً مع نظام بشار الأسد، بعد نحو 13 عاماً من بدء الثورة السورية، وما تلاها من مقاطعة أوروبية ودولية للنظام وفرض عقوبات عليه. لكن ورقة اللاجئين تبدو أبرز الدوافع وراء القرار الجديد، والذي قد يفتح باب التطبيع الأوروبي مع الأسد وسط تخوف من "موجات جديدة" من اللاجئين السوريين تتجه إلى أوروبا، في ظل غياب حل للوضع في سورية، بالتوازي مع سعي دول أخرى للعب، عبر استعادة علاقاتها مع نظام الأسد، على سياسة وضع حد للنفوذ الكبير لروسيا وإيران في سورية. ويعزز كل ذلك المخاوف على مصير مئات الآلاف من الفارين من بطش نظام الأسد، وعلى مستقبلهم في غياب ضمانات لحمايتهم في حال إعادتهم إلى سورية.

وأعلنت إيطاليا، أمس الأول الجمعة، قرارها بتعيين ستيفانو رافانيان، سفيراً لها في سورية في تمهيد لدب مرحلة التطبيع الأوروبي مع الأسد وذلك بعد مرور 12 عاماً على استدعاء طاقم سفارتها في دمشق، في 2012، بالكامل وتعليق النشاط الدبلوماسي هناك، احتجاجاً على "العنف غير المقبول" من قبل نظام الأسد ضد مواطنيه. وبهذا القرار، تكون إيطاليا أول دولة في مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى (كندا، إيطاليا، فرنسا، ألمانيا، اليابان، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة) تعيد افتتاح بعثتها الدبلوماسية في دمشق منذ اندلاع الحرب السورية، عام 2011. يُذكر أن رافانيان يتولى منذ 2021 منصب المبعوث الإيطالي الخاص للأزمة السورية، والمبعوث الخاص للتحالف الدولي ضد "داعش".

وتحدث وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني لوكالة رويترز عن رسالة وجّهتها إيطاليا والنمسا وقبرص وجمهورية التشيك واليونان وكرواتيا وسلوفينيا وسلوفاكيا، إلى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في سياق القرار، كي يؤدي الاتحاد دوراً أكثر فاعلية في سورية. وجاء في الرسالة أن "السوريين يغادرون بأعداد كبيرة (من سورية)، مما يزيد من الضغوط على الدول المجاورة، في فترة يتصاعد فيها التوتر في المنطقة، ما ينذر بخطر موجات جديدة من اللاجئين". وعبّرت هذه الدول "عن أسفها" إزاء "الوضع الإنساني" في البلاد الذي "زاد تدهوراً" في ظل بلوغ اقتصادها "حالة يرثى لها". وأوضح تاياني في تبرير خطوة روما في سياق التطبيع الأوروبي مع الأسد أن "بوريل كلف دائرة العمل الخارجي الأوروبي بدراسة ما يمكن القيام به"، مضيفاً أن تعيين سفير إيطالي جديد "يتماشى مع الرسالة التي أرسلناها إلى بوريل، لتسليط الضوء على سورية".

التطبيع الأوروبي مع الأسد مقابل نفوذ إيران وروسيا

في هذا الصدد، رأى إيمانويلي روسي، المحلل الجيوسياسي الإيطالي بمركز ميد-أور للأبحاث التابع لمجموعة ليوناردو الإيطالية لصناعات الدفاع ومجلة فورميكى الإيطالية، أن "استئناف العلاقات من الممكن أن يساعد في انتزاع سورية من النفوذ الهائل لروسيا وإيران". وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، حول التطبيع الأوروبي مع الأسد أن "هذه مسألة بالغة الأهمية، بالنظر إلى تحركات موسكو وطهران لتوسيع نطاق تواجدهما في البحر المتوسط وأفريقيا".


إيمانويلي روسي: إيطاليا كانت إحدى الدول التي حاولت بشكل غير رسمي استيعاب الديناميات السورية

وقال روسي إن "إخلاء السفارة الإيطالية وتعليق النشاط الدبلوماسي في دمشق منذ عام 2012 لدواعٍ أمنية، كان يمثل أيضاً إشارة دبلوماسية من قبل روما إلى نظام الأسد المتهم بالقمع الوحشي للاحتجاجات ضد المنظومة الفاسدة والقمعية التي ألقت بظلالها على الحرب الأهلية السورية بالكامل". واستدرك أن "إيطاليا كانت، على الرغم من ذلك، إحدى الدول التي حاولت بشكل غير رسمي استيعاب الديناميات السورية، كذلك من منظور مصلحة الأمن الوطني، نظراً لكونها مقدَمة أيضاً على ديناميات تنظيم داعش". وأوضح أن "التطورات الحالية تتجاوز بشكل جزئي الماضي القريب، إذ عادت سورية إلى أحضان جامعة الدول العربية، فيما تشهد الفترة الحالية استئناف الاتصالات مع دمشق من قبل الدبلوماسيات الإقليمية". وتابع: "لا أقول إنه من الصحيح محو حاضر وماضي الأسد، لكن مع ذلك فإننا أيضاً بصدد مسألة براغماتية، وهكذا هي أيضاً العلاقات الدولية". وبشأن التطبيع الأوروبي مع الأسد ونظامه، لفت إلى أن "إيطاليا تسعى من جانبها للتحرك، ربما استباقاً للدول الأوروبية الأخرى التي سوف تستأنف هي أيضاً علاقاتها مع دمشق".

من جهته، وصف الصحافي الإيطالي دانييلي راينيري قرار تعيين سفير في دمشق بأنه "ثورة دبلوماسية صغيرة، ولا شك في أنها ستُستكمَل مع دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فخطوة روما تفتتح مسار التطبيع الأوروبي مع الأسد بالمرحلة المقبلة. ورأى راينيري، في مقال نشرته صحيفة لاريبوبليكا الإيطالية يوم الجمعة الماضي، أن "عودة السفير الإيطالي إلى دمشق تعني أن إيطاليا ترغب في كسر العزلة الدولية لسورية، والتي فُرضت كعقاب على الجرائم الوحشية المتعددة التي ارتكبت بحق المدنيين في الحرب الأهلية التي راح ضحيتها أكثر من نصف مليون شخص". وأوضح أنه "كانت ثمة إشارات على هذا الانفتاح من قبل الحكومة الإيطالية على بشار الأسد، إذ أعلن التلفزيون السوري يوم 28 مايو/أيار الماضي، زيارة رئيس جهاز الاستخبارات الإيطالية جاني كارافيللي إلى دمشق للاجتماع مع نظيره السوري" حسام لوقا. وأضاف أن "المحادثات بين المسؤولين تناولت إمكانية إنشاء منطقة آمنة بالقرب من مدينة حمص من أجل إعادة اللاجئين السوريين في الخارج"، مستدركاً بقوله إن هذا الأمر "لا يبدو منطقياً، نظراً لأن معظم السوريين في الخارج لاذوا بالفرار من البلاد تحديداً لتفادي قمع جنود الأسد".

يُذكر أن حزب إخوة إيطاليا، برئاسة رئيسة الحكومة الإيطالية الحالية جورجيا ميلوني، كان قد تبنّى مواقف مؤيدة في سياق التطبيع الأوروبي مع الأسد في المراحل الأشد عنفاً للحرب السورية في السنوات الماضية. وكان من اللافت التصريح الذي أدلت به ميلوني على هامش تظاهرة أمام مقر مجلس النواب الإيطالي، في أعقاب الهجوم الذي استهدف مقر شرطة باريس في أكتوبر/تشرين الأول 2019، حين قالت إن "فرنسا تعرضت لهجوم آخر نفذه إرهابيون يستلهمون فكر تنظيم داعش. وفي سورية ثمة من يحارب داعش". وأشارت حينها إلى أن "من يحارب داعش اليوم هي حكومة بشار الأسد، في جبهة تقف فيها أيضاً روسيا وإيران وبعض المليشيات، لذا يتعين علينا الانتباه إلى هذه المعطيات لأنها معقدة للغاية، ولأن تبسيط الأمور ليس خياراً مساعداً على الدوام". وشدّدت على أن "الفضل يرجع إلى تلك الجبهة في أنه ما زال في الإمكان الاحتفال بأعياد الميلاد وحماية الجالية المسيحية هناك".

نوايا بائسة

ثمة نظرة أخرى مقابلة بشأن الخطوة الإيطالية، وبالتالي التطبيع الأوروبي مع الأسد فقد قال الكاتب الصحافي الإيطالي المخضرم ريكاردو كريستيانو إنه "ربما تكون ثمة نوايا بائسة وراء قرار الحكومة الإيطالية إعادة فتح مقرنا الدبلوماسي في دمشق، بل وتعيين سفير جديد".


ريكاردو كريستيانو: إيطاليا، وربما رومانيا واليونان وقبرص تتودد لنظام الأسد

وأشار في مقال نشره موقع سيتيمانا نيوز الإيطالي، أمس الأول، تحت عنوان "إيطاليا وسورية: هل يعاد فتح السفارة؟"، إلى أن "إيطاليا تتودد، ومن المحتمل أيضاً مع رومانيا واليونان وقبرص، منذ فترة إلى نظام دمشق، على أمل أن يتمكن من إعادة استيعاب اللاجئين السوريين الذين غطت بهم شوارع الشرق الأوسط". وأضاف أن "هؤلاء اللاجئين، الذين أُجبروا على مغادرة سورية قبل عقد من الزمن على الأقل، يمثلون كابوساً لدبلوماسيتنا، التي تثق في الأسد". ورأى أن "هذا الطريق مهده المسيحيون اللبنانيون، خوفاً من فكرة أن اللاجئين، وجميعهم من المسلمين، من شأنهم الإخلال بالتوازن المجتمعي. وهكذا، لم يجد هؤلاء منذ أن سقطت بلادهم (لبنان) في هاوية التفكك، كبش فداء أفضل (من اللاجئين السوريين) لتعويضهم عن الضرر الناجم عن فساد طبقتهم السياسية، التي التهمت البلاد حرفياً".

ولفت إلى أن "اللاجئين السوريين، من وجهة نظر المسيحيين اللبنانيين، هم سبب كل الشرور التي حلت ببلادهم"، مضيفاً أن "هؤلاء اللاجئين مطالبون الآن على وجه الخصوص من قبل المسيحيين اللبنانيين بإنهاء هذا الإزعاج، وذلك بالاتفاق المؤكد مع الجيران في حزب الله. وقد أخذ زعيم هذا الأخير على عاتقه شرح كيفية بلورة الهدف: يكفي إطلاق بضع سفن مليئة بالسوريين نحو السواحل الأوروبية". واعتبر أن "(الأمين العام لحزب الله حسن) نصر الله لم يكن مخطئاً في توقعاته"، موضحاً أن "البلدان الأكثر عرضة للخطر، مثل إيطاليا، التي لا تدرك من الذي يدير حقاً الاتجار بالبشر في تلك الأجزاء، لم تكن لتفعل أي شيء آخر غير الذهاب وتقبيل نعال الزعيم السوري". وأشار إلى أن "الأسد يقدّر ذلك، لكن لا يتوهمن أحد أنه سيستعيدهم حقاً، بل ستُفتح لهم غياهب معسكرات الاعتقال المنتشرة في البلاد، لكن هذا يكفي وزيادة لمن لا يعرف ماذا يفعل".

وكان مركز جيوبوليتيكا الإيطالي للدراسات الجيوسياسية والعلاقات الدولية قد أجرى مقابلة مع السفير ستيفانو رافانيان في 18 مايو 2021، عقب توليه منصبه كمبعوث خاص للأزمة السورية، ومبعوث خاص للتحالف الدولي ضد "داعش". ورداً على سؤال عن أهداف إيطاليا تجاه سورية، وعن دور المبعوث الخاص لوزارة الخارجية إلى سورية، قال رافانيان إنه "باعتبارنا دولة كبيرة في منطقة البحر المتوسط، فإن لدينا مصلحة مباشرة في تحقيق الاستقرار في منطقة قريبة جداً منا، والتي تسبّبت أزمتها في نزوح الملايين من اللاجئين - مع كل ما يترتب على ذلك من عواقب أيضاً، من حيث التأثير على البلدان المجاورة وكذلك التدفقات نحو أوروبا".

وأضاف حينها: "نحن نتحرك على المستوى السياسي والدبلوماسي، بالتعاون الوثيق مع شركائنا الأوروبيين والأميركيين وندعم بقوة المبادرة التي أطلقها المبعوث الخاص للأمم المتحدة غير بيدرسن، خطوة مقابل خطوة، لحلّ جمود العملية السياسية التفاوضية رباعية المحاور، وندرسها باهتمام ونحتفظ بالحق في إعادة النظر إذا انحرفت عن مسارها". وأشار إلى أنه "تماشياً مع السياسة الإيطالية التقليدية المتمثلة في الحوار الشامل، فإننا نجري في الوقت ذاته مناقشات مستمرة وبنّاءة مع جميع الأطراف الفاعلة في الملف، روسيا وتركيا والدول العربية وإيران". ورداً على سؤال آخر عن كيفية التوفيق بين هدف المسؤولية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سورية وهدف إنهاء الحرب في سياق التطبيع الأوروبي مع الأسد أكد أنه "وفقاً للديمقراطيات الغربية، فإن مبدأ مسؤولية الحكومة التي ارتكبت جرائم خطيرة ضد شعبها أمر لا يمكن التنازل عنه، بدءاً من استخدام الأسلحة الكيميائية وهي الجريمة التي تسببت في تعليق عضوية سورية أخيراً من قبل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية".


اعتبر ستيفانو رافانيان في السابق أنه لا مفر من مراجعة الخطوط الحمراء مع نظام الأسد

واعتبر أنه "لذلك فإن التطبيع الأوروبي مع الأسد أمر مستبعد"، مستدركاً بالقول "على الرغم من ذلك، فلا مفر من أن نسأل أنفسنا ما إذا كانت بعض المواقف التي تراكمت على مدى عقد من الزمن، تحت هذه الخطوط الحمراء، لا تحتاج إلى مراجعة من بعض النواحي". علاوة على ذلك، قال رافانيان إن "هناك إشارات على نفاد الصبر في بعض البلدان الأوروبية، الأمر الذي يؤدي أيضاً، لدواعٍ سياسية داخلية، إلى إجراءات اضطرارية، على سبيل المثال، أثار قرار الدنمارك بسحب الحماية الإنسانية عن السوريين القادمين من منطقة دمشق جدلاً كبيراً، بدعوى أنها أصبحت الآن منطقة آمنة، ما يضع في أزمة، الافتراض الذي يرى عدم توافر شروط العودة الآمنة والكريمة والطوعية للاجئين".

المساهمون