طهران: سنرد إذا أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قراراً ضدنا

04 يونيو 2024
مؤتمر صحافي لمحمد إسلامي ورافاييل غروسي، أصفهان 7 مايو 2024 (فاطمة بهرامي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- إيران تقلل من التزاماتها النووية استجابةً للانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وإعادة العقوبات، مستندةً إلى بنود الاتفاق التي تبرر ذلك.
- البرلمان الإيراني يسن قانوناً لتعزيز البرنامج النووي بهدف دفع الأطراف الأخرى لرفع العقوبات، مما يشمل زيادة التخصيب.
- تصاعد التوترات الدبلوماسية مع تقديم أوروبا مشروع قرار يدين إيران، وتهديدات إيران بتقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما يعقد المفاوضات النووية.

توعد رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي، اليوم الثلاثاء، بأن بلاده "سترد حتماً" إذا صدر قرار ضدها خلال الاجتماع الفصلي لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي بدأ أمس الاثنين. وأضاف إسلامي، في تصريحات لوسائل إعلام إيرانية في مدينة شهر كرد، جنوب غربي إيران، "إذا لم تعد الأطراف إلى التزاماتها فنحن سنواصل خفض تعهداتنا، ونحن حالياً في مرحلة خفض الالتزامات (النووية)".

وأشار إسلامي إلى الاجتماع الفصلي لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية مبيناً أن هذا الاجتماع يُعقد كل ثلاثة أشهر مرة واحدة، ويقدم المدير العام للوكالة رافاييل غروسي تقريراً دورياً إلى مجلس المحافظين بشأن تنفيذ الاتفاق، استناداً إلى القرار 2231 لمجلس الأمن والمكمل للاتفاق النووي المبرم عام 2015.

وأضاف أن التقرير الأممي له شقان؛ الأول مرتبط بالاتفاق النووي والثاني متصل باتفاق الضمانات الملحق بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، مشيراً إلى أن الشق الثاني يسلك مساراً طبيعياً بموجب التزامات إيران بحسب اتفاق الضمانات، وتقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعملياتها التفتيشية في إيران من خلال مفتشيها و"العمل في هذا السياق مستمر ولم ولن يتوقف".

وفي ما يتعلق بالشق المرتبط بالاتفاق النووي، أكد إسلامي أن بلاده تخفض تعهداتها المنصوص عليها بالاتفاق بسبب الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي عام 2018 وتخلي واشنطن عن تعهداتها في رفع العقوبات وإعادة فرضها، وكذلك عدم سماحها لبقية الأطراف بالتعاون مع إيران، موضحاً أن خفض إيران التزاماتها يتم على أساس الفقرة الـ36 للاتفاق النووي مؤكداً أنها ستواصل خفض هذه الالتزامات ما لم تعد بقية الأطراف إلى الاتفاق.

وينصّ البند 36 أيضاً على أنّه في حال ظلّ الخلاف قائماً، ولم يقتنع الشاكي ورأى أنّ هناك "عدم التزام مبدئي" بالتعهدات من الطرف الآخر، أو أحد أعضاء الاتفاق، حينئذ يمكنه اللجوء إلى الإيقاف الكامل أو الجزئي لالتزاماته المنصوص عليها في الاتفاق النووي، أو إبلاغ مجلس الأمن الدولي بقناعته بـ"عدم التزام مبدئي" من الطرف أو العضو بتعهداته وانتهاكه لها. وشدد إسلامي على أن المنظمة تخفض تعهداتها بموجب قانون "الإجراء الاستراتيجي لإلغاء العقوبات".

وأقرّ مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في إيران، هذا القانون في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، لاتخاذ خطوات نووية مهمة لإجبار الطرف الآخر على رفع العقوبات، منها رفع مستوى التخصيب وكذلك إلغاء العمل بالبروتوكول الإضافي الذي يحكم الرقابة الدولية على البرنامج النووي الإيراني بموجب الاتفاق النووي المبرم عام 2015 والذي انسحبت منه واشنطن في 8 مايو/ أيار 2018.

وكانت لندن وباريس وبرلين، الأعضاء الثلاث في الاتفاق النووي، قد قدموا إلى مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية مساء أمس الاثنين، مشروع قرار يدين إيران لعدم التعاون مع الوكالة، ويعد هذا التحرك المناورة الدبلوماسية الأحدث لقوى غربية تخشى من أن تكون طهران تسعى لتطوير سلاح نووي، وهو ما تنفيه الأخيرة على الدوام، وفي الوقت الذي تضغط فيه الترويكا، على إصدار قرار ضد إيران، تعارض الولايات المتحدة ذلك.

ويعزو المتخصص الإيراني في الاتفاق النووي والعلاقات الإيرانية الأميركية، هادي خسروشاهين، في حديث لـ"العربي الجديد" معارضة واشنطن للقرار الأوروبي المرتقب إلى عوامل؛ منها مضامين المفاوضات السرية المستمرة في سلطنة عُمان بين كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني الذي تقلد قبل أسبوعين منصب وزير الخارجية بالوكالة بعد وفاة حسين أمير عبد اللهيان، والمبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط، بريت ماكغورك. ويضيف خسروشاهين أن الطرفين أجريا نحو ست جولات مباحثات في مسقط منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

كما يشير المتحدث إلى تعرض إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لضغوط بسبب اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية ما يدفعها إلى تهدئة الوضع وتجنب أي تصعيد في المنطقة، إذ إن أي تصعيد "يمكن أن يؤثر سلباً على حظوظ الرئيس جو بايدن والتركيز على التصدي لروسيا والصين، باعتبارهما أهم أعداء الولايات المتحدة".

ويخلص خسروشاهين إلى أن الإدارة الأميركية في ظل قناعتها بعدم إمكانية التوصل إلى اتفاق مع طهران بشأن الملف النووي حالياً "تسعى جاهدة إلى الحفاظ على الواقع الراهن مع إيران من دون تصعيد من جهة، وكذلك الاحتفاظ بالحد الأدنى أو المتوسط من الاتصالات والتعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن ملفات محددة، من جهة ثانية".

ويضيف أنّ الترويكا من خلال قرارها، تسعى إلى دفع غروسي إلى إصدار تقرير تحت مسمى "الاستنتاج الأوسع" المنصوص عليه في الاتفاق النووي والقرار الـ2231 الأممي، لتحميل إيران مسؤولية انتهاك الاتفاق النووي "مما يعني إصدار شهادة الوفاة الرسمية للاتفاق"، ويرى أن الترويكا "على قناعة بأن المخاوف يمكن أن تراود إيران من الوصول إلى هذه المرحلة وتبعاتها ما قد يدفعها إلى القيام بتعهداتها وفق الاتفاق النووي وخارج اتفاق الضمانات".

ويوضح المتخصص بالعلاقات الإيرانية الأميركية أن "غروسي ليس ملزماً في التقرير بالقول إن تخلّي إيران عن التزاماتها النووية جاء ردةَ فعلٍ على الانسحاب الأميركي من الاتفاق، مما سيؤدي بالقرار الأوروبي المحتمل والرد الإيراني عليه إلى تصعيد التوتر حول الملف النووي خلال فترة الانتخابات الرئاسية في كل من إيران والولايات المتحدة"، مشيراً إلى أنّ مثل هذا التصعيد "يشكّل قلقاً للإدارة الأميركية التي تسعى إلى تعديل مسوّدة القرار والحؤول دون زيادة التوتر".

من جانبه يقول الخبير الإيراني رحمان قهرمان بور، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ الرد الإيراني على الأغلب "سيطاول جزءاً من مجالات التعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي ليست ضمن تعهدات إيران الملزمة بموجب اتفاق الضمانات التابع لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية"، مشيراً إلى أن إيران "ما زالت تنفذ التزامات نووية طوعاً بحسب الاتفاق النووي، مثل تركيب جهاز فحص درجة نقاء اليورانيوم داخل أجهزة الطرد المركزي التي تخصب اليورانيوم بدرجة نقاء 60%".

أما مجال التعاون الآخر الذي يمكن أن يشمله الرد الإيراني، بحسب قهرمان بور، فهو "حول الموقعين الاثنين المشتبهين بممارسة أنشطة نووية غير معلنة"، مضيفاً أن "تعاون إيران في هذا الملف ليس إلزامياً بموجب اتفاق الضمانات، بل هو إجراء طوعي وافقت عليه طهران سابقاً، وهي في إطار الرد على القرار الأوروبي يمكن أن تنهي التعاون في مثل هذه الإجراءات الطوعية".

وكانت زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية في مايو/ أيار الماضي إلى إيران أشاعت التفاؤل بشأن تعزيز التعاون بين طهران والوكالة، وتحدث غروسي بعد الزيارة عن ِاحتمال بدء مرحلة جديدة في العلاقات بين الطرفين. واتفق الطرفان خلال الزيارة على تفعيل الاتفاق المبرم بينهما في مارس/ آذار 2023 بشأن حل القضايا العالقة.

وتُعدّ قضية التحقيقات التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول موقعين إيرانيين كانت أعلنت سابقاً أنها عثرت فيهما على جزيئات اليورانيوم المخصب؛ إحدى أهم نقاط الخلاف بين الطرفين. وخلال السنوات الماضية، توصل الطرفان عدة مرات إلى تفاهمات لحل هذا الملف، لكنها أخفقت في ذلك وتحولت القضية إلى  العقبة الرئيسية أمام الاتفاق النهائي في المفاوضات النووية المتعثرة منذ سبتمبر/ أيلول 2022، والرامية إلى إحياء الاتفاق النووي.