إيران تعزز وجودها في حلب بذريعة مساعدة منكوبي الزلزال

04 مارس 2023
شهدت حلب حضوراً قوياً لإيران بعد الزلزال (فراس مقدسي/رويترز)
+ الخط -

كشف الزلزال المدمر الذي ضرب الشمال السوري في السادس من الشهر الماضي حجم تغلغل إيران، والمليشيات المدعومة منها، في مدينة حلب، ثاني أكبر مدينة في البلاد بعد العاصمة دمشق، والتي كانت إضافة لمدينة اللاذقية على الساحل السوري أبرز مدينتين تأثرتا بالزلزال ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري.

وأصاب الزلزال بشكل خاص الأحياء الشرقية من المدينة التي كانت سابقاً تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة، واستعادتها قوات النظام في نهاية عام 2016، بعد قصف عنيف لتلك الأحياء، ما تسبّب في تهدم أو تصدع آلاف المباني فيها.

وجاء الزلزال ليساهم في انهيار الأبنية المتصدعة على رؤوس ساكنيها، الذين كانوا قد فضّلوا البقاء فيها بعد عودتها لسلطة النظام، رغم خطورة ذلك، بسبب غياب البدائل، من دون أن تقدم لهم أي مساعدة من سلطات النظام لترميمها أو إيجاد منازل بديلة.

بعد زيارة قاآني لحلب تضاعف النشاط الإيراني في المدينة

وبعد وقوع الزلزال مباشرة، شهدت المدينة حضوراً قوياً لإيران والمليشيات الموالية لها، لا سيما "الحشد الشعبي" العراقي، سواء على صعيد رفع الأنقاض وإيواء المتضررين، أو تسلم وتوزيع المساعدات عليهم، وهو ما فسره مراقبون بمحاولة من تلك المليشيات لتبييض صفحتها السوداء بعد مشاركتها الدموية في الحرب السورية خلال السنوات العشر الماضية، إلى جانب قوات النظام، إضافة إلى وجود منافسة مع النظام نفسه للسيطرة على المدينة الحيوية، والتي تعتبر العاصمة الاقتصادية للبلاد.

قاآني يزور حلب قبل الأسد

ومنذ الساعات الأولى لوقوع الزلزال في 6 فبراير/ شباط الماضي، كان القنصل الإيراني في حلب سلمان نواب نوري يتفقد الأحياء المتضررة، وصوّرته وسائل إعلام وهو يشرف على توزيع مجموعات الإنقاذ والآليات الثقيلة على المواقع المنكوبة لانتشال العالقين تحت الأنقاض، في غياب مسؤولي المدينة التابعين للنظام الذين تأخر وصولهم.

كما استنفر القنصل المليشيات المرابطة في المدينة وضواحيها، والتي استقدمت معها آلياتها للمساهمة في عمليات رفع الأنقاض. وفي اليوم الثالث لوقوع الزلزال وصل قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني إلى المدينة، وقام بجولة برفقة القنصل وعدد من قادة المليشيات في الأحياء المتضررة شرقي المدينة.

وافتتح قاآني مركزين للإيواء، واحد في جامع النقطة، وآخر قرب القنصلية الإيرانية في حلب. كما ذكرت القنصلية أنها أقامت خياماً للإقامة الطارئة للمنكوبين، قبل أن يتم إنشاء مراكز أخرى في وقت لاحق.

وكان قاآني أول مسؤول أجنبي يصل إلى سورية بعد الزلزال، وسبق حتى وصول رئيس النظام بشار الأسد إلى المدينة بيومين، والذي زارها في اليوم الخامس بعد الزلزال، وتركت زيارته انطباعاً سيئاً، بسبب إطلالته المبتسمة والضاحكة أمام وسائل الإعلام.

وبعد زيارة قاآني، تضاعف النشاط الإيراني في المدينة، وامتد ليشمل استلام المساعدات الواصلة إليها عبر مطار حلب من جانب عناصر المليشيات، ومن ثم توزيعها على القاطنين في مراكز الإيواء التي أقامتها تلك المليشيات، مع تصوير المسؤولين التابعين للنظام، والذين تولوا توزيع بعض المساعدات الأخرى، بأنهم فاسدون، ويقومون بسرقة معظمها.

الأولوية لمراكز تشرف عليها المليشيات

لكن الناشط إحسان البكور لفت إلى أن تلك المليشيات لم تكن أكثر نزاهة من مسؤولي النظام في التعامل مع المساعدات، وأوضح في حديث مع "العربي الجديد"، أن المليشيات تفرغ المساعدات التي تتسلمها في مخازنها أولاً، ومن ثم تقوم بتوزيع القليل منها على المحتاجين، لكن الأولوية تكون دائماً لمراكز الإيواء والمناطق التي تشرف عليها تلك المليشيات، مع كميات قليلة تذهب لمراكز الإيواء التي أقامتها سلطات النظام.

واعتبر البكور أن الأنشطة الإيرانية المرافقة للزلزال كانت ذات طابع دعائي أكثر من جانبها العملي، إذ لا يزال معظم المتضررين من الزلزال بلا مأوى، أو يبيتون في المساجد والمدارس أو في خيام نصبت بشكل عشوائي في الساحات العامة أو قرب منازلهم المهدمة، خصوصاً في أحياء كرم الجبل والميسر وقاضي عسكر وبستان القصر والشعار، وغيرها. 

تخوف عمار الإدلبي من أن تسعى إيران إلى إسكان عناصر مليشيات تابعين لها في حلب

يأتي ذلك رغم إعلان القنصل الإيراني في حلب عن إيواء 12000 من متضرري الزلزال في 9 مخيمات أقامتها بلاده في هذه المدينة.

"الحشد الشعبي" حاضر أيضاً

وإلى جانب الحضور الإيراني المباشر، أو عبر المليشيات، كان هناك حضور لافت أيضاً لـ"الحشد الشعبي" العراقي، المقرب من طهران، والذي ساهم في إدارة عمليات الإغاثة، خصوصاً بعد وصول رئيس أركان "الحشد" عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك) إلى المدينة تزامناً مع وصول رئيس النظام، حيث تبادلا الحديث كما ظهر في وسائل الإعلام.

ونشطت بعض المليشيات العراقية أو السورية المدعومة من إيران مثل "لواء الإمام الباقر"، و"لواء زين العابدين"، في تقديم المساعدات أمام عدسات وسائل الإعلام، وسط اتهامات لـ"لواء الباقر" بسرقة المساعدات، وأنه يوزع فقط كمية قليلة من الكميات الكبيرة التي خزنها في مستودعاته.

فرصة لإحكام القبضة على حلب

ونقلت وكالة "إرنا" الإيرانية عن القنصل العام لإيران في حلب قوله إن "15 وحدة هندسية إيرانية تقدم المساعدة للوحدات السورية وقوات الحشد الشعبي العراقي وغيرها في إزالة الأنقاض في حلب. كما يعمل المجمع الطبي الإيراني على تقديم الخدمات لأهالي حلب بعشر سيارات إسعاف وكادر من الأطباء والممرضين".

كما أشارت مصادر إعلامية محلية إلى أن آليات الحفر الخاصة بشركة "خاتم الأنبياء" الإيرانية التابعة للحرس الثوري بدأت بعمليات هدم عدد من الأبنية السكنية في أحياء حلب الشرقية، بحجة أنها متصدعة جراء تعرضها للزلزال، وذلك في أحياء الصالحين والفردوس والقاطرجي وباب النيرب والشعار.

وتخوف الناشط عمار الإدلبي من أن تكون إيران تسعى إلى إسكان عناصر مليشيات تابعين لها في تلك المناطق، مستغلة ظروف الزلزال. وأضاف الإدلبي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مكتب إعادة الإعمار التابع لشركة "خاتم الأنبياء"، عرض على أصحاب البيوت المتضررة من الزلزال، أو حتى غير المتضررة في هذه الأحياء الشرقية من حلب، شراء بيوتهم بوضعها الراهن.

وأشار إلى أن الشركة تضغط على أصحاب البيوت لتسجيل أنفسهم كمستكتبين على منازل مزعومة، ستقوم الشركة ببنائها خلال السنوات المقبلة، مقابل توقيع عقود تتيح لها التصرف ببيوتهم التي تصورها لهم بأنها عديمة الفائدة، وهي آيلة للسقوط.

كما تحرك سماسرة مرتبطون بجمعيات تدعمها إيران، مثل "جمعية المهدي" وجمعية "جهاد البناء"، لإقناع الأهالي ببيع منازلهم المهدمة أو المتصدعة عبر أساليب الترغيب والتهديد.

ولفت الإدلبي إلى أن عدد الأبنية المنهارة بفعل الزلزال في أحياء حلب الشرقية هو بالعشرات فقط، ولا يتجاوز 70 منزلاً، ومعظمها تهدم بسبب تعرضها سابقاً للقصف من جانب قوات النظام السوري وروسيا ومليشيات إيران، ويبدو أنهم وجدوا في الزلزال فرصة مواتية لطمس معالم جرائمهم في المدينة.

وإضافة إلى هذا الجانب، رأى الإدلبي أن إيران تسعى إلى تبييض صفحتها في سورية، فضلاً عن الحط من أهمية حكومة النظام أمام المجتمع المحلي في حلب، بهدف تسلم زمام الأمور في المدينة، أو اقتسامها مع النظام على الأقل.

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون