أعلنت الخارجية الإيرانية، اليوم الأحد، استدعاء السفيرين البريطاني والنرويجي على خلفية موقف بلديهما من موجة الاحتجاجات، التي تشهدها إيران منذ الـ17 من الشهر الجاري، على وفاة الفتاة الإيرانية مهسا أميني بعد أيام من احتجازها من قبل شرطة الآداب بتهمة حجابها "غير المناسب".
وبعد أيام من التظاهرات احتجاجاً على هذه الحادثة، شهدت مدن إيرانية، اليوم الأحد، أيضا مسيرات داعمة للحكومة والحجاب، ومنددة بالتجمعات الاحتجاجية التي رفع فيها المحتجون هتافات سياسية ضد السلطات، مع المطالبة بإلغاء الحجاب الإجباري وإنهاء دور دوريات شرطة الآداب في الشوارع.
وحسب وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية، فإن الخارجية الإيرانية استدعت السفير البريطاني سايمون شركليف، لتسليمه مذكرة احتجاج على "الضجة الإعلامية العدائية لوسائل إعلام ناطقة بالفارسية في لندن ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، في إشارة غير مباشرة إلى قناتي "إيران إنترنشنال" المتهمة إيرانيا بأنها ممولة سعوديا، و"بي بي سي الفارسية" التابعة لهيئة الإذاعة البريطانية.
وأبلغت الخارجية الإيرانية السفير احتجاج طهران "الشديد" على استضافة بريطانيا لوسائل إعلام، قالت إنها "في الأيام الأخيرة، وضعت على سلم برامجها التحريض والدعوة إلى إثارة الشغب ونشر الفوضى في الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، مؤكدة أن ذلك "بمثابة التدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية وإجراء ضد السيادة الوطنية" لإيران.
كذلك، استدعت الخارجية الإيرانية السفير النرويجي سيغوالد تامين هاوجه، للاحتجاج على تصريحات رئيس البرلمان النرويجي مسعود قره خاني، بشأن الاحتجاجات في إيران.
وأكدت الخارجية الإيرانية أن تصريحات قره خاني "تدخّل" في الشؤون الداخلية الإيرانية، علما أن قره خاني شخصية إيرانية الأصل انتخب العام الماضي رئيسا للبرلمان النرويجي. وولد عام 1982 في العاصمة طهران.
من جانبه، اعتبر الاتحاد الأوروبي أن الاستخدام "غير المتكافئ والمعمم" للقوة في حق المتظاهرين في إيران "مرفوض وغير مبرر".
وفي تصريح باسم الاتحاد الأوروبي، ندد مسؤول العلاقات الخارجية جوزيب بوريل كذلك "بقرار السلطات الإيرانية تقييد الوصول إلى الانترنت بشكل صارم وتعطيل منصات الرسائل السريعة" ما يشكل "انتهاكا فاضحا لحرية التعبير"، وفق ما نقلت وكالة "فرانس برس".
مسيرات داعمة للحكومة
إلى ذلك، خرجت في عدة مدن إيرانية، اليوم الأحد، مسيرات داعمة للنظام في مواجهة الاحتجاجات التي تقول السلطات الإيرانية إنها "باتت أعمال شغب"، مطالبة بالتعامل بـ"حزم" مع من وصفهم المشاركون في المسيرات بأنهم "مثيرو الشغب" و"دواعش".
وندد المشاركون في المسيرات بحرق العلم الإيراني وإهانة المقدسات في التجمعات الاحتجاجية، مطالبين السلطات الإيرانية بمحاكمة ومعاقبة منتهكي "الحرمات". ومن المقرر أن ينظم أنصار النظام، مساء اليوم، مسيرات مماثلة في العاصمة الإيرانية طهران ومدن أخرى.
التلفزيون الإيراني: مقتل 41 شخصًا في الاحتجاجات
من جهته، أفاد التلفزيون الإيراني، في نشرته الإخبارية ظهر اليوم الأحد، بمقتل 41 شخصا في الاحتجاجات الأخيرة، من بينهم 7 من قوات الأمن والشرطة. وذكرت أن عضوا آخر في "الباسيج" توفي اليوم الأحد صباحا بعد إصابته بجروح، الخميس الماضي، في احتجاجات مدينة أورومية، مركز محافظة أذربيجان الغربية.
وأشار التلفزيون الإيراني إلى أن طهران والمدن الأخرى شهدت، الليلة الماضية، "ليلة هادئة"، مع حديثه عن تجمعات في "مدن قليلة"، بما فيها نقطة غربي طهران.
ووفقا للفيديوهات المنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي، فقد شهدت مدينة طهران، الليلة الماضية، تجمعات احتجاجية في عدة نقاط، فضلا عن تسجيل تجمعات أخرى في مدن مثل آمل شمالي البلاد، وكرج غرب العاصمة، وسندج وتبريز غربي إيران.
اعتقالات
إلى ذلك، تتواصل الاعتقالات في إيران، وتتحدث السلطات المحلية الإيرانية في المحافظات عن اعتقال من وصفتهم بـ"مثيري الشغب" و"إرهابيين" و"أعضاء مجموعات مسلحة".
وفي السياق، قال المدعي العام لمدينة ساري، مركز محافظة مازندران، محمد كريمي، اليوم الأحد، إن السلطات بالمحافظة اعتقلت خلال الاضطرابات الأخيرة 450 شخصا، قائلا إن من بين المعتقلين عددا من أعضاء تنظيم "داعش"، و"حزب كوملة" (الكردي المعارض)".
وكانت وكالة "تنسيم" الإيرانية قد ذكرت، السبت، نقلا عن "مصدر مطلع"، أن أجهزة المخابرات والأمن والشرطة اعتقلت أكثر من 1200 شخص من "مثيري الشغب".
كذلك، أعلنت قيادة الشرطة في محافظة جيلان أنها في المحافظة وحدها اعتقلت 739 شخصا، مشيرة إلى أن 60 منهم من النساء، متحدثة أيضا عن تفكيك "خلية"، قالت إنها دخلت المحافظة من إحدى المحافظات الجنوبية لأجل "تنفيذ أعمال تخريبية".
في الأثناء، هدد رئيس السلطة القضائية الإيرانية غلام حسين محسني إيجئي، اليوم الأحد، أثناء زيارته مقر قيادة الشرطة في طهران، "بالحزم" ضد قادة الاحتجاجات والعناصر الرئيسيين فيها، الذين سماهم "المخلين بالأمن ومثيري الشغب"، قائلاً إن "العدو يسعى إلى ضرب أمن إيران وإثارة الفتنة فيها".
ولا تزال الأصوات ترتفع في الأوساط الفنية والسينمائية والرياضية من الوجوه المعروفة دعماً للمحتجين وانتقاداً لسلوك السلطات.
وأعلن الاتحاد الدولي للصحافيين، السبت، في تقرير، اعتقال السلطات الإيرانية 12 صحافيا وإعلاميا خلال الأيام الأخيرة، فضلا عن أن أنباء غير رسمية على شبكات التواصل الاجتماعي تتحدث عن اعتقال أكثر من 150 من الناشطين والناشطات في المجالات السياسية والنسائية والإعلامية والاجتماعية في البلاد.
استمرار تقييد الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي
في غضون ذلك، أكد وزير الداخلية الإيراني، أحمد وحيدي، أن تقييد الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي سيستمر طالما تستمر الاضطرابات.
وفي الأثناء، غرد كبير المفاوضين الأميركيين المبعوث للشأن الإيراني، روبرت مالي، قائلا إنه "بينما تقوم الحكومة الإيرانية بمعاملة المتظاهرين السلميين بوحشية وتحاول منع وصول الإيرانيين إلى الإنترنت العالمي، تتخذ الولايات المتحدة إجراءات لمساعدة الشعب الإيراني على التواصل بعضهم مع بعض".
While Iran’s government brutalizes peaceful demonstrators and tries to choke off Iranians’ access to the global internet, the United States is taking action to help the Iranian people communicate with one another. https://t.co/p3UUrXBr7q
— Special Envoy for Iran Robert Malley (@USEnvoyIran) September 24, 2022
وحجبت السلطات الإيرانية، خلال الأيام الماضية، مع اندلاع الاحتجاجات، مواقع تواصل اجتماعي، مثل "إنستغرام" و"واتساب"، شكلت همزة وصل بين المحتجين، فضلا عن صعوبات تتعلق بالوصول إلى الإنترنت في ظل انقطاعاته المتكررة وقطع خدمة الإنترنت المتنقل.
وقبل أيام، قال رجل الأعمال الكندي الأميركي إيلون ماسك، رداً على طلب على "تويتر" بتوفير إنترنت "ستارلينك" في سماء إيران، إنّ هذه الشركة ستعمل على الحصول على إعفاءات من العقوبات على إيران لتدشين هذه الخدمة للإيرانيين.
كما بعث 21 مشرعاً أميركياً رسالة إلى وزارة الخزانة الأميركية، داعين إياها إلى سرعة التحضير قانونياً لتوفير الإنترنت عبر الأقمار الصناعية للإيرانيين في ظل العقوبات الأميركية المفروضة على إيران.
وأعلنت الولايات المتحدة أنها استثنت الإنترنت من العقوبات، ليغرد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قائلا إن واشنطن منحت "تصريحات جديدة لنشر حرية الإنترنت وتداول حر للمعلومات للشعب الإيراني".
إلا أن إيران نددت بخطوة واشنطن لتوفير الإنترنت للمحتجين في إيران، إذ قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، في تغريدة، إن "أميركا تسعى دائما إلى إضعاف الأمن والاستقرار في إيران لكنها أخفقت في ذلك"، مضيفا أن واشنطن "من خلال خفض حدة عدة عقوبات مرتبطة بالاتصالات والحفاظ على الضغط الأقصى، تتابع بنفاق تحقيق أهدافها ضد إيران".
وتوعد كنعاني بأن إيران سترد على الخطوة الأميركية، قائلا إن "الجهود لانتهاك سيادة إيران لن تبقى من دون رد".
عبد اللهيان: موقف واشنطن يتعارض مع رسائلها حول المفاوضات
إلى ذلك، انتقد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، الموقف الأميركي من الاحتجاجات التي تشهدها إيران منذ أكثر من أسبوع، متهما الولايات المتحدة الأميركية بـ"التدخل في الشؤون الداخلية" الإيرانية.
كما اتهم الوزير الإيراني في لقاء مع نظيره العراقي، فؤاد حسين، في نيويورك على هامش مشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، الإدارة الأميركية بـ"اتخاذ إجراءات استفزازية في التماشي مع مثيري الشغب والتيارات" التي قال إنها "تستغل مشاعر الشعب الإيراني لزعزعة الأمن واصطناع القتلى" في إيران، حسب قوله.
وأضاف عبد اللهيان أن هذا السلوك الأميركي "يتعارض بشكل صريح مع الرسائل الدبلوماسية المتكررة للبيت الأبيض إلى إيران بشأن ضرورة الاتفاق وإيجاد الاستقرار والأمن في المنطقة"، وفق إفادة صحافية للخارجية الإيرانية.
وقالت الخارجية الإيرانية، إن عبد اللهيان ونظيره العراقي ناقشا أيضا قضايا إقليمية والأوضاع في اليمن وأوكرانيا وآخر تطورات المباحثات الإيرانية السعودية في بغداد.
من جهته، قال وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين إنّ بغداد ستواصل جهودها بشأن استمرار المباحثات بين السعودية وإيران، داعياً البلدين إلى العودة إلى "علاقات طبيعية وإعادة فتح السفارات".