دخلت الاحتجاجات في إيران إثر وفاة الشابة مهسا أميني، بعد أيام من احتجازها بتهمة الحجاب "غير المناسب"، أسبوعها الثالث، وهي تشهد هبوطاً تارة وصعوداً تارة أخرى. فبعد تراجعها خلال الأسبوع الماضي، عادت، أمس السبت، إلى عدة مدن إيرانية، وكانت فيها الاحتجاجات الطلابية بارزة.
تؤكد السلطات الإيرانية المعنية أن الاحتجاجات "تم احتواؤها" وأن المحتجين "أقلية". فيما عقد البرلمان الإيراني، اليوم الأحد، اجتماعاً مغلقاً لبحث الاحتجاجات، بمشاركة وزير الداخلية أحمد وحيدي، والقائد العام للشرطة حسين أشتري، بالإضافة إلى إعلان وزارة العلوم الإيرانية الإفراج عن معظم الطلاب المعتقلين، وتهديدات وزارة الاستخبارات بـ"الرد الحازم" على من وصفتهم بـ"مثيري الفرقة ومرتكبي الجرائم".
فيما علق الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، اليوم الأحد، على الاحتجاجات الأخيرة في بلاده، واصفاً إياها بـ"مؤامرة جديدة"، إذ قال إن "هدف العدو من التخطيط للمؤامرة الجديدة هو منع البلاد من الازدهار"، وفق الموقع الإعلامي للرئاسة الإيرانية. وأضاف رئيسي أن "الأعداء هدفوا إلى عزلة إيران، لكنهم فشلوا في هذه المؤامرة أيضاً"، حسب قوله.
وحسب الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي المحظورة، فإنه حتى هذه اللحظة سُجل تجمع احتجاجي، اليوم الأحد، في أصفهان، وتجمعات طلابية لطلبة جامعات في مدن إيرانية، منها طهران ونجف أباد ومشهد وكرمانشاه وسنندج. وشهدت جامعة فردوسي في مدينة مشهد تجمّعين، الأول احتجاجي لدعم الاحتجاجات، والثاني مؤيد للحكومة رفع فيه المشاركون الأعلام الإيرانية.
في الأثناء، قالت وكالة "إيلنا" العمالية، مساء اليوم، إن الأجهزة الأمنية اعتقلت اللاعب السابق في فريق "برسبوليس" لكرة القدم، حميد رضا علي عسكري، بسبب دعمه الاحتجاجات.
وعسكري هو ثاني لاعب كرة قدم يعتقل في الاحتجاجات بسبب حملة رسمية ضد مشاهير فنيين وسينمائيين ورياضيين دعموا الاحتجاجات وانتقدوا السلطات التي تتهم هؤلاء بالحثّ على "الشغب" و"الإضرار بالأمن العام".
وأعلنت وزارة العلوم وتقنية المعلومات الإيرانية (التعليم العالي)، أن الأجهزة الأمنية والقضائية أفرجت عن معظم الطلاب المعتقلين بجهود وزير العلوم محمد علي زلفي غل، مشيرةً إلى أن الاتصالات مستمرة للإفراج عن بقية الطلاب المعتقلين.
من جهتها، أعلنت ثلاث جامعات في طهران الإفراج عن 20 من طلابها المعتقلين، وفق صحيفة "هم ميهن" الإصلاحية. ويستمر حجب مواقع التواصل وتقييد الإنترنت في إيران، مما سبب مصاعب بالغة في الوصول إلى الإنترنت الدولي. وبعد انتشار أنباء، اليوم الأحد، عن رفع الحجب عن منصة "واتساب"، نفت وزارة الاتصالات الإيرانية صحة هذه الأنباء.
إلى ذلك، أعلن الحرس الثوري الإيراني، اليوم الأحد، أن حصيلة قتلاه في المواجهات التي شهدتها مدينة زاهدان في محافظة سيستان وبلوشستان، الجمعة الماضي واستمرت أمس السبت، بلغت 5 أشخاص، بعد وفاة مصاب آخر من قواته. ومن قتلى الحرس في هذه المواجهات، قائد استخبارات الحرس في محافظة سيستان وبلوشستان، العميد حميد رضا هاشمي.
وشهدت زاهدان، الجمعة، يوماً دامياً بعد مواجهات بدأت مع انتهاء صلاة الجمعة أمام مركز الشرطة، خلّفت 21 قتيلاً وأكثر من عشرين جريحاً، وفق الإعلان الرسمي للسلطات، لكنها أدت إلى مقتل 40 شخصاً وإصابة أكثر من 100، حسب رجل الدين المولوي، عبد الحميد إسماعيل زهي، خطيب جمعة أهل السنة في المدينة.
كما تتضارب الروايات حول الحادث، إذ تتهم السلطات "انفصاليين" بمهاجمة مقر الشرطة، بهدف السيطرة عليه ودخولهم في مواجهات مع قوات الشرطة، لكن المولوي إسماعيل زهي نفى هذه الرواية، قائلاً إن المحتجين تجمعوا أمام مركز الشرطة ورموا في اتجاهه الحجارة، لكن القوات الخاصة المستقرة فيه أطلقت النار في اتجاه المحتجين، مما أدى إلى مقتل وإصابة العديد منهم. وحمّل إسماعيل زهي، الشرطة مسؤولية أحداث الجمعة في زاهدان.
من جهته، توعد وزير الاستخبارات الإيراني، في بيان بشأن مقتل قائد استخبارات الحرس في محافظة سيستان وبلوشستان، من وصفهم بـ"مثيري الفرقة ومرتكبي الجرائم، برد حازم" من قبل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، قائلاً إن "الجماعات الإرهابية سوف تلقى قريباً نتائج أعمالها المخزية وجرائمها ضد المواطنين العزل وأعمال الشغب التي ألحقت خسائر كبيرة بالممتلكات العامة" حسب ما ورد في بيان الوزير. كما أعلنت استخبارات الحرس الثوري الإيراني في بيان، تعقيباً على مقتل عدد من قياداته وأعضائه في مدينة زاهدان، أن "الإرهابيين سيتلقون ضربات مهلكة".
وفي وقت لاحق، قالت وكالة "فارس" الإيرانية، مساء اليوم، إن العقيد الثاني داود عبداللهي قائد وحدة الإسناد بالشرطة في مدينة مريوان غربي إيران قد توفي مساء اليوم الأحد في المستشفى بعد إصابته الخطرة خلال الاحتجاجات بالمدينة في الأيام الماضية. وأضافت أن العقيد عبداللهي أصيب برصاص "مثيري الشغب".
إلى ذلك، أعلنت قيادة الشرطة في محافظة كردستان غربي إيران، اليوم الأحد، الإفراج عن قرابة 150 معتقلاً بكفالات مالية.
كذلك، أفادت وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية، اليوم الأحد، بأن رجل الدين مهدي زاهد لويي من أعضاء "الباسيج"، التابع للحرس الثوري الإيراني، توفي بعد أيام من إصابته خلال الاحتجاجات في مدينة قم.
اجتماع البرلمان
على صعيد متصل، عقد البرلمان الإيراني، اليوم الأحد، اجتماعاً مغلقاً لمناقشة الاحتجاجات، بحضور وزير الداخلية أحمد وحيدي، والقائد العام للشرطة الإيرانية، العميد حسين أشتري.
ونقل النائب محمد حسين فلاحي عن وزير الداخلية وقائد الشرطة، قولهما إن الاحتجاجات "تم احتواؤها" وإن المحتجين "أقلية وهم ليسوا بذوي أهمية من وجهة نظر الأجهزة الأمنية".
ونقل عن وزير الداخلية خلال جلسة البرلمان، أن الاحتجاجات اندلعت بدعم إسرائيلي وأميركي.
كذلك قال المتحدث باسم الهيئة الرئاسية لمجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في إيران، نظام الدين موسوي، إن وزير الداخلية قدم تقريراً عن تطورات التحقيق في موضوع وفاة السيدة مهسا أميني، مشيراً إلى أن "عناصر مرتبطة بتنظيمات (إيرانية) خارج البلاد، وأجهزة استخبارات، ومجموعات إرهابية، تلعب دوراً في أحداث الشغب الأخيرة.
وعزا موسوي، الاحتجاجات التي تشهدها إيران منذ السابع عشر من الشهر الماضي، إلى وجود "شبكة منظمة"، قائلاً إن "التقديرات تشير إلى أن هناك قرابة 45 ألف شخص يشكلون شبكة في أنحاء البلاد تم القبض على قسم منهم"، على حد تعبيره.
مستجدات وفاة مهسا أميني
مع استمرار الاحتجاجات في إيران، لم تعلن السلطات بعد عن تقريرها النهائي بشأن أسباب وفاة الشابة مهسا أميني، والتي ما زالت مسألة ساخنة في البلاد. وأوقفت شرطة الأخلاق أميني، في الثالث عشر من الشهر الماضي، قبل أن تدخل في حالة غيبوبة وتنقل إلى المستشفى بعد ساعات من احتجازها، وتتوفى في السادس عشر من الشهر؛ وفجرت وفاتها احتجاجات واسعة في إيران.
وأعلن البرلمان الإيراني، اليوم الأحد، أنه سيعلن عن نتائج التحقيقات بشأن وفاة أميني حتى نهاية هذا الأسبوع.
من جهته، قال محامي عائلة أميني، صالح نيكبخت، اليوم الأحد، لصحيفة "اعتماد" الإصلاحية، إن خلاصة آراء أطباء موثوقين وأشخاص شاورهم، تؤكد أن مهسا "تعرضت لضرب من ناحية الرأس"، وذلك قبل نقلها إلى مقر الشرطة.
وتحدث المحامي نيكبخت عن "وجود آثار للدم خلف الرقبة وأسفل الجمجمة" على جثمان أميني، مضيفاً أن المحامين وعائلتها طلبوا من السلطة القضائية تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، مكونة من ثلاثة إلى خمسة أطباء متخصصين في جراحة الدماغ والقلب. وأشار إلى أن المدعي العام في طهران قد وافق على هذا الطلب لكنه لم ينفذ بعد.
كما طالب نيكبخت الشرطة بتسليم تسجيل فيديو الكاميرات الموضوعة على الزي العسكري لعناصر الشرطة الذين اعتقلوا مهسا أميني، قائلا إنه علم من خلال شهود عيان بأن أزياء هذه العناصر كانت مزودة بالكاميرات.
لكن وكالة "مهر" الإيرانية شبه الرسمية نقلت عن مصدر "مطلع" قوله إن عناصر الشرطة الذين اقتادوا أميني إلى مقر الشرطة لم يكونوا مزودين بالكاميرات.
بالإضافة إلى ذلك، دعا رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، خلال جلسة البرلمان إلى بحث الاحتجاجات، وإلى متابعة "طريقة وكيفية وفاة السيدة مهسا أميني بجدية، والإعلان عن النتيجة بشكل رسمي، ومعاقبة كل من يثبت قصوره أو تقصيره المحتمل من دون أي ملاحظة".
كما أكد قاليباف على ضرورة إصلاح بنية وطريقة عمل دوريات شرطة الأخلاق، لمنع تكرار هذه الحوادث، داعياً المحتجين إلى "عدم السماح لتتخذ احتجاجاتهم أبعاداً ضد الأمن وإسقاط النظام للحؤول دون تهميش مطالبهم"، وفق وكالة "خانه ملت" البرلمانية.