توحي تحركات ومطالب وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، بإقامة "حرس قومي" وإشراك جهاز "الشاباك" في قضايا مدنية، وأخيراً المطالبة بصلاحيات لإصدار أوامر اعتقال إداري تتيح احتجاز شخص لمدة ستة أشهر من دون أمر قضائي، بأنه يستعد لشن حرب على فلسطينيي الـ48، بدلاً من مكافحة الجريمة المستفحلة في صفوفهم، بصفته الوزير المسؤول عن الشرطة.
ويتخبط بن غفير في مطالبه، التي تتخذ منحى "قومياً أمنياً"، بدل البحث عن وسائل لفرض الأمن والأمان ووضع حد لعصابات الإجرام، بينما تسببت الجرائم في مقتل أكثر من 100 عربي داخل الخط الأخضر منذ مطلع العام الحالي.
وتُعتبر الصلاحيات التي يطالب بها بن غفير، أحد أقل الوزراء خبرة في منصبه، ذات تبعات خطيرة جداً على فلسطينيي الداخل، الذين يعانون أصلاً من استهداف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لهم، من خلال تنفيذها اعتقالات وتحقيقات تعسفيّة بحق شريحة من الشباب، خاصة منذ هبّة مايو/أيار 2021، تشمل أحياناً اعتقالات إدارية، تكون مبنية على معلومات استخباراتية توصف بالسرية، ويقف عادة جهاز الشاباك" خلفها، وقد تمتد لفترة غير محدودة من دون تهمة واضحة أو محاكمة. وإن كان بن غفير يطالب بمنحه الصلاحية لاعتقال إداري يمتد حتى ستة أشهر، وليس لفترة غير معلومة، فإن الأمر لا يختلف في جوهره.
بموجب الوضع الحالي تقع صلاحية أوامر الاعتقال الإداري في يد وزير الأمن وقائد هيئة أركان جيش الاحتلال
وبذريعة مكافحة العنف والجريمة في المجتمع العربي في الداخل، واعتقال أعضاء منظمات الإجرام، يطالب بن غفير بكل هذه الأدوات والصلاحيات. يُضاف إليها قانون سنّه الكنيست قبل نحو ثلاثة أشهر يمنح الشرطة صلاحية اقتحام البيوت وتفتيشها لمجرد الشك في شيء ما، من دون الحاجة للحصول على إذن مسبق من المحكمة.
مخاوف من اعتقالات إدارية لفلسطينيي الداخل
وبموجب الوضع الحالي، تقع صلاحية أوامر الاعتقال الإداري في يد وزير الأمن الإسرائيلي وقائد هيئة أركان جيش الاحتلال. وإن كان ثمة اعتقالات إدارية تُنفّذ بحق فلسطينيين من الداخل، لكنها تبقى نادرة نسبياً. وبعيداً عن نجاعة الاعتقالات الإدارية من عدمها في مكافحة الجريمة في المجتمع العربي، تكمن المخاوف بأن يعزز بن غفير، بعقليته العنصرية المعادية للعرب، تطبيق مثل هذه الاعتقالات لتكون على نطاق أوسع بكثير مما هي عليه اليوم، بدواع سياسية، وبذرائع أمنية وليس جنائية فقط.
ويمنح مشروع القانون الذي تقدم به رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست، تسفيكا فوغيل (عن حزب عوتسما يهوديت)، أول من أمس الإثنين، بن غفير صلاحيات، ضمنها تقييد حرية الحركة والعمل والسفر إلى الخارج لشخص ما، وإجباره على الامتثال لمركز الشرطة، في المواعيد التي يحددها، وإلزامه بالتبليغ عن نيته الدخول إلى مناطق معيّنة أو الخروج منها. كما يمكّن بن غفير من منع الشخص من بعض الخدمات والاتصال عبر الإنترنت، وحظر الاتصال بشخص أو مجموعة معيّنة.
وفي حديثه لموقع القناة 12، نُشر أمس الثلاثاء، يقول مدير الوحدة للحقوق الاجتماعية – المدنية في جمعية حقوق المواطن، المحامي غيل غان-مور، إن "الاعتقال الإداري معناه اعتقال شخص لفترة، قد تكون غير محددة، من دون حصوله على محاكمة، وليس على فعل يُشتبه أنه أقدم عليه، وإنما لمنعه من عمل غير قانوني مستقبلاً".
ويضيف أن "مثل هذه الخطوات غير الديمقراطية وشديدة القسوة، قد تمنع القتل في حالات معيّنة، لكن أضرارها فظيعة وأخطر بكثير من أي فائدة محتملة. هذا (الاعتقال الإداري) ليس آلية مشروعة في مجتمع ديمقراطي، المواطنون فيه أبرياء حتى تثبت إدانتهم، ولا يحرم الشخص من حريته إلا بعد محاكمته، ويسمح له بالدفاع عن نفسه".
بدوره، يوضح المحاضر في كلية الحقوق في جامعة تل أبيب، البروفيسور يؤاف سابير، في حديث لموقع القناة 12 أمس الثلاثاء، أن "صياغة (مشروع) القانون لا تنص على أنه مخصص للاستخدام فقط في المجتمع العربي، فنحن بحاجة إلى أن نسأل أنفسنا عن احتمالات إساءة استخدام القانون في المستقبل. على سبيل المثال، استخدامه ضد المعارضين السياسيين. نحن نعلم مما يحدث في العالم أنه من السهل تعريفهم بأنهم خطرون على الجمهور ووضعهم رهن الاحتجاز، وبالتالي استغلال هذه السلطة (الأمر الإداري) بشكل غير لائق".
ويضيف سابير أنه حتى لو لم يتم استخدام القانون بهذا الشكل، فإنه قد يواجه الكثير من الصعوبات، وأن ثمة وسائل أخرى للتعامل مع الجريمة، مؤكداً أنه "لا يمكن توظيف الفشل في التعامل مع مشكلة الجريمة الصعبة في المجتمع العربي، من أجل المساس بأبسط الحقوق الأساسية".
في شِباك "الشاباك"
في الأيام الأخيرة، ضجّت الحلبة الإسرائيلية، السياسية والإعلامية، بجدال عقيم حول إدخال "الشاباك" إلى مجال مكافحة الجريمة في المجتمع العربي. والفكرة كان طرحها بن غفير الأسبوع الماضي، وأيّدها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واتخذ قراره بشأنها، موعزاً بفحصها، فيما يرفضها جهاز "الشاباك" نفسه.
يرفض المجتمع العربي عموماً إدخال "الشاباك" للمسار الجنائي، كما ترفضه العديد من الجهات الحقوقية
ويرى "الشاباك" أن دخوله المجال الجنائي قد يهدد عمله في الجوانب الأمنية، ويتسبب في كشف أدوات ووسائل عمله في السياق الأمني والعمليات التي ينفذها ضد الفلسطينيين وغيرهم. في المقابل، طفت أصوات تطالب بمنح الشرطة الأدوات التي يمتلكها "الشاباك" بدلاً من إشراك الجهاز نفسه.
وعلى الرغم من معاناته الكبيرة في ضوء الجريمة المستفحلة، يرفض المجتمع العربي عموماً إدخال "الشاباك" للمسار الجنائي، كما ترفضه العديد من الجهات الحقوقية، لما في ذلك من تهديد للخصوصية والحريات. وفي جميع الحالات، تواجه قضية إشراك "الشاباك" من عدمه، عقبات قانونية، كما يبقى هذا نقاشاً إسرائيلياً داخلياً لا علاقة لفلسطينيي الـ48 به، بينما تحاول المؤسسة الإسرائيلية جرّهم إلى المصيدة وشِباك "الشاباك"، لمعرفتها مسبقاً بموقفهم الرافض لتدخّله، وبذلك تجد ذريعة لتحميلهم جزءاً من مسؤولية استمرار سفك الدماء، وفشل الشرطة والحكومة في مكافحة العنف والجريمة.
ويأتي هذا الموقف، على الرغم من إدراك المجتمع العربي أن "الشاباك"، ومختلف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية، تضعه تحت المجهر، لكنها لا تتحرك عادة إلا لأسباب أمنيّة أو سياسية تحت ذرائع أمنية، وتترك الدماء تسيل في القضايا الجنائية. وتدل على ذلك تصريحات سابقة كشفتها وسائل إعلام إسرائيلية، في أكثر من مناسبة، تشير إلى تورط "الشاباك" في علاقات مع منظمات الإجرام، بحيث يغض النظر عنها مقابل معلومات أمنية.
ومن أسباب معارضة إقحام "الشاباك" أيضاً في قضايا الجريمة، ما ورد في رسالة وجهها مركز "عدالة" الحقوقي إلى نتنياهو والمفتش العام للشرطة الإسرائيلية يعقوب شبتاي، قبل أيام، من أن إقحام الشاباك "يشير إلى موقف أمني وعدائي وغير متساو من قبل السلطات الإسرائيلية تجاه العرب، وهو قرار عنصري يقع ضمن خانة التنميط العرقي ويخلق نظامين لتطبيق القانون، واحد في البلدات العربية وتجاه المواطنين العرب، وآخر في سائر البلدات".
وأضاف "عدالة" في الرسالة: "كما يعامل المواطنين العرب كأعداء، علاوة على إدخال الشاباك إلى الحيز المدني الذي ليس من ضمن صلاحياته القانونية، خصوصاً بعد تحديد المحكمة العليا صلاحيات الشاباك. كما أن آلياته سرية، ويعمل من دون إشراف وشفافية، لذلك لا يمكن تكليفه بأمور مدنية، حتى عندما يتعلق الأمر بظاهرة جريمة جنائية خطيرة، حيث يترتب على انخراطه في الحيز المدني انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والمواطن الأساسية".
الحرس القومي
أما "الحرس القومي"، الذي يسعى بن غفير لإقامته، ويواجه معارضة شرطة إسرائيل التي ترى فيه تهديداً لصلاحيتها، فيشكل بدوره، خطراً حقيقياً على فلسطينيي الداخل، خصوصاً في البلدات المختلطة، التي شهدت مرات عديدة أوضاعاً متوترة، ومواجهات واعتداءات من قبل أوساط إسرائيلية ومتطرفين على السكان العرب، مثلما حدث في اللد والرملة وعكا وغيرها خلال هبّة الكرامة في مايو 2021.
ويسعى بن غفير من خلال هذا "الحرس"، عند إقامته، لفرض سيطرة أكبر على المواطنين العرب، والعمل على لجمهم، حتى لدى دفاعهم عن أنفسهم في وجه الاعتداءات الإسرائيلية.