استمع إلى الملخص
- الصراعات الداخلية بين الفصائل، مثل رفض "صقور الشمال" فتح معابر تجارية مع النظام، تؤدي إلى توترات وعدم استقرار في مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، مما يعكس التحديات في التوفيق بين الأجندات المختلفة.
- تلعب تركيا دوراً محورياً في إعادة هيكلة "الجيش الوطني السوري"، حيث تدعم الفصائل المتماشية مع سياساتها، رغم اتهامات بانتهاكات ضد المدنيين، مما يثير تساؤلات حول استقرار مناطق النفوذ التركي.
يأتي حلّ فصيل "صقور الشمال" الذي كان يتبع لـ"الجيش الوطني السوري" المعارض والحليف لتركيا، ليفتح الباب أمام خيارات عسكرية في شمال سورية قد تغلّفها السياسة، وربما تكون لها تطوراتها على أرض الميدان في المستقبل القريب، لا سيما أن تركيا التي تتحكم بقرار "الجيش الوطني" ووزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، آخذة بالذهاب في مسار تطبيع العلاقات مع النظام السوري. وأكدت أنقرة، منذ بدء الحديث عن التطبيع على لسان كبار مسؤوليها، في الكثير من التصريحات، عدم تخليها عن فصائل المعارضة التي تدعمها، بالتوازي مع رغبتها في التطبيع، لكن كان واضحاً لجوء أنقرة إلى خيار "تدجين" بعض الفصائل التي لا توافق على الأجندات التركية بالمطلق، ومنها فصيل "صقور الشمال" الذي تم حلّه بعد معارك دموية.
تدجين فصائل المعارضة بشمال سورية
وأنهى فصيلا القوة المشتركة (فرقة الحمزة وفرقة سليمان شاه)، مساء الخميس، وجود "صقور الشمال"، الذي كان انضم أخيراً إلى فصيل "الجبهة الشامية"، العاملة جميعها تحت مظلة الجيش الوطني السوري المعارض والحليف لتركيا، وذلك بعد حصار لأسابيع ومعارك استمرت ليومين في منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" بريف حلب الشمالي، شمال سورية.
"صقور الشمال" رفض فتح معابر تجارية مع مناطق سيطرة النظام، ودعم تظاهرات الشمال السوري
وأعلن "صقور الشمال"، عن حلّ نفسه، قائلاً في بيان، إنه "بسبب المتطلبات الميدانية في الآونة الأخيرة، ومن أجل جعل القوة العسكرية للثورة أكثر فعالية في محاربة الأعداء وأكثر كفاءة، تم حلّ فصيل صقور الشمال، وإعلان خروجه من الجبهة الشامية وتسليم إدارة الفصيل لوزارة الدفاع". واعتبر الفصيل في بيانه أن "عملية إعادة هيكلة الجيش الوطني السوري مستمرة منذ عامين. وفي هذا السياق، تتم الآن إعادة توزيع الأدوار والوظائف الموكلة إلى بعض التشكيلات".
وكان الفصيل قد رفض في السابق حلّ نفسه بعد قرار من وزارة الدفاع بالحكومة المؤقتة، وأعلن انضمامه إلى "الجبهة الشامية"، في منحى لتحالف جديد وتأمين الحماية، لكن يبدو أن القوة التي استخدمت ضده أرغمته على خيار الإقرار بحلّ نفسه، خصوصاً بعد سيطرة فصيلي القوة المشتركة المتمثلين بفرقة سليمان شاه التي يقودها محمد الجاسم أبو عمشة، وفرقة الحمزة التي يقودها سيف بولاد، على مقرات "صقور الشمال" في منطقة حور كلس وناحية بلبل ومحيط بلدة كفرجنة في منطقة غصن الزيتون شمالي محافظة حلب، شمال سورية.
وفي 17 سبتمبر/أيلول الماضي، أعلن "صقور الشمال" في بيانٍ له عن انضمامه إلى "الجبهة الشامية" العاملة تحت مظلة "الفيلق الثالث"، وذلك بعد ساعات من إعلان وزارة الدفاع لدى الحكومة السورية المؤقتة حينها عن حلّ "صقور الشمال" بهدف إعادة هيكلة "الجيش الوطني السوري" المعارض والحليف لتركيا، الأمر الذي تسبب باستنفار فصائل "الجيش الوطني" والجيش التركي في منطقتي أعزاز وعفرين في ريف محافظة حلب الشمالي، شمال سورية منذ ذلك الحين.
وتأسس "صقور الشمال" في منطقة جبل الزاوية وتحديداً في بلدة كنصفرة جنوبي محافظة إدلب عام 2012، ويقود الفصيل حسن حاج علي، المعروف باسم "حسن خيرية". وينتشر الفصيل في كلٍ من قرى كمروك، بيلان، دوراقلي، وسعرينجك في ناحيتي بلبل وحور كلس بريف حلب الشمالي، ويضم قرابة 2500 مقاتل معظمهم من أبناء محافظة إدلب، وقسم من ريف محافظة حماة وريف محافظة حلب.
ورأى مراقبون ومتابعون أن إنهاء الفصيل جاء نتيجة عدم انصياعه للأجندات التركية الراغبة في حلحلة بعض الإشكاليات التي قد تفضي إلى تطبيع مع النظام، مع الإبقاء على دعم الفصائل من قبل تركيا. وأكدت مصادر من "الجيش الوطني" لـ"العربي الجديد"، أن "صقور الشمال" رفض في السابق فتح معابر تجارية مع مناطق سيطرة النظام، لا سيما معبر أبو الزندين الذي أثار لغطاً وإشكالات كثيرة حيال قرار فتحه، لكن "القشة التي قصمت ظهر البعير" حيال اتخاذ قرار بإنهائه، هي دعمه للتظاهرات التي خرجت في شمال سورية ومناطق النفوذ التركي ضد تركيا من قبل محتجين، على خلفية الاعتداءات على اللاجئين السوريين في ولايات تركية عدة في يوليو/تموز الماضي.
درويش خليفة: الصراعات بين الفصائل ستكون حاضرة في المستقبل، وربما تسيل مزيدا من الدماء
حلّ "صقور الشمال"... الغلبة للأقوى
وقال رضوان عنكير، وهو من مكتب العلاقات الإعلامية لـ"صقور الشمال"، إن عناصر الفصيل تعدادهم 2400 مقاتل، وهؤلاء سيتم دمجهم في الفصائل المنضوية تحت "الجيش الوطني". ورفض عنكير في حديثه لـ"العربي الجديد"، الإجابة عن الأسباب الحقيقية التي أدّت إلى حل الفصيل وإنهائه بالقوة. لكن قيادياً عسكرياً من الفصيل، فضّل عدم الكشف عن هويته، أشار في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن قرار مصير عناصر الفصيل وقيادته سيتخذ خلال الأيام القليلة المقبلة. أما بالنسبة لقرار إنهاء الفصيل، فلم يعط إجابات واضحة، وقال إن "القرار لم يكن لحظياً، لكنه جاء نتيجة مسار طويل تخلله إعطاء خيارات لقيادة الفصيل من قبل وزارة الدفاع، ولم يتم التفاهم عليها".
من جهته، رأى المحلّل السياسي درويش خليفة، أن حلّ الفصيل جاء نتيجة لكونه "لم يكن مطيعاً" لبعض الرغبات التركية في الشمال السوري، لاسيما فتح معبر أبو الزندين، مضيفا لـ"العربي الجديد": "لاحقاً تمّ سوق التهم للفصيل والتي تتعلق بمسألة تجارة أو ترويج المخدرات، وهذه التهم لا يمكن لنا إثباتها أو نفيها". وتوقع خليفة أن تكون الصراعات من هذا النوع حاضرة في المستقبل، وربما ستجر مزيدا من الدماء، بحسب تعبيره.
أما الباحث في مركز جسور للدراسات، وائل علوان، فاستبعد أن يكون حلّ الفصيل جاء نتيجة عدم انصياعه للأجندات التركية، معتبراً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تلك "حجة" تستخدمها بعض الفصائل لعدم الرضوخ لحالة الفوضى التي تنخر "الجيش الوطني"، وبالتالي فإن تلك الفصائل تحاول الترويج أن محاربتها تأتي بسبب دفاعها عن الأجندة الوطنية. ودافع علوان عن خيار "الجيش الوطني" ووزارة الدفاع والوقوف التركي وراء عملية إعادة هيكلة الجيش الوطني، معتبراً أن "العملية تأتي للمحافظة على المكتسبات الاجتماعية والأمنية التي تمّ تحقيقها في مناطق المعارضة"، بالإشارة إلى مناطق النفوذ التركي شمال حلب وبعض المناطق الأخرى.
لكن المعطيات تشير إلى أن الفصيلين اللذين شاركا بإنهاء "صقور الشمال"، أي فرقة سليمان شاه وفرقة الحمزة، هما الفصيلان الأكثر تهديداً لأمن منطقة سيطرة المعارضة والنفوذ التركي، نظراً للانتهاكات التي يرتكبانها بحق المدنيين، وتغولهما على باقي فصائل "الجيش الوطني"، علماً بأن الفصيلين يعدان اليد الضاربة لأنقرة في وجه الفصائل المعارضة لها. وأعلن عن تشكيل "الجيش الوطني السوري" في ديسمبر/كانون الأول 2017، من قبل "الحكومة المؤقتة"، التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وبدعم واسع من الجانب التركي، لمحاصرة النزعة الفصائلية التي تسود الشمال السوري. ويسيطر "الجيش الوطني" على منطقة "درع الفرات" في ريفي حلب الشمالي والشمالي الشرقي، والتي تضم العديد من المدن والبلدات، أبرزها الباب وجرابلس ومارع. كما ينتشر في مدينة أعزاز في ريف حلب الشمالي، التي تحتضن العديد من مؤسسات المعارضة السورية، وفي منطقة "غصن الزيتون" التي تضم منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية من السكان، فضلاً عن كونها تحتضن عشرات الآلاف من النازحين والمهجرين. كما انتشر لاحقا في مناطق عملية "غصن الزيتون" التي تضم بشكل رئيسي مدينتي رأس العين وتل أبيض.