توجه الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشعب الأميركي بكلمة متلفزة، ليلة الأربعاء، دعا فيها إلى "حماية الديمقراطية"، في دعوة يبدو أنها محاولة لاستدراك ما تبقى من أملٍ قبيل الانتخابات النصفية التي تجرى الأسبوع المقبل.
يأتي خطاب بايدن، الذي تقرر على عجل، قبل 6 أيام من الانتخابات النصفية، ووسط ظروف تنذر بأزمة قادمة بغض النظر عن نتائج الانتخابات؛ فمن جهة، لو فاز الحزب الجمهوري بالأغلبية في مجلسي الكونغرس، كما في المقاعد والمناصب التشريعية والتنفيذية للولايات (وهذا ما ترجحه الأرقام)، فسيكون المسرح قد جرى إعداده لتكرار سيناريو انتخابات 2020، حسب ما يتوعد به الفريق المتشدد المتوقع بأن يحظى بحصة وازنة في المقاعد الجمهورية المنتخبة، كما يتوقع فوز معظم أعضائه إن لم يكن جميعهم بمقاعد في الكونغرس، وهم من أعلنوا صراحة بأنهم لا يعترفون برئاسة بايدن.
ومن جهة ثانية، لو فاز الحزب الديمقراطي بالأغلبية في النصفية (وهذا احتمال ضئيل وفق الأرقام أيضاً، التي قلما تخطئ أو تتغير في الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية)، فإن اليمين الجمهوري، على الأقل في عدة ولايات فاصلة، مصمم على رفض النتائح تحت شعار "لا نقبل بفوز غيرنا". وبذلك يبدو التحدي كبيراً و"خطيراً" في الحالتين لرئاسة جو بايدن.
كان الهدف من خطابة بايدن ليلة أمس هو قرعُ ناقوس الخطر، أكثر مما كانت محاولةً لإنقاذ حزبه، فعملية إنقاذ الحزب الذي يعاني من عدة مشاكل فات آوانها، إلا إذا حصل تطور خارق أو كانت الاستطلاعات خاطئة، وهي نادراً ما تكون كذلك عشية الاستحقاق.
الوصول إلى هذه النقطة من التوتر كان حصيلة عدة عوامل، أبرزها ازدياد التضخم مؤخراً، ثم إن حملة الديمقراطي بدا فيها الديمقراطيون متخبطين، حتى قال البعض إنها حملة مغلوطة من البداية، إذ افتقرت الإشارة إلى القضايا المقرِّرة في خيارات الناخب، كما تحاشت قدر الإمكان مواجهة موضوع التضخم، بحيث بدا وكأنه نتيجة لأخطاء الإدارة التي استبدلته بتسليط الأضواء إما على سلبيات الجمهوريين مثل قضية الإجهاض، وإما على إنجازاتها التي تمكنت من تمريرها في الكونغرس، ولكنها لا تدخل حيز التنفيذ قبل سنة أو أكثر.
انطلاقاً مما سبق، فقد اتسعت المساحة أمام الحزب الجمهوري الذي نجح في توظيف ورقة التضخم، وهو ما أدى إلى ترجيح كفة الميزان لصالحه بعد تراجع حظوظ المرشحين الديمقراطيين، الذين احتفظوا بمواقع متقدمة طوال الصيف الماضي. لكن في سبيل مداركة الأمر، استعان البيت الأبيض وحزبه بالرئيس السابق أوباما، الذي نزل إلى ساحة الحملة في الأيام الأخيرة، علّه يقدر في اللحظات الأخيرة على استنفار القواعد واستقطاب ما أمكن من المستقلين.
لكن الصورة العامة ما زالت تبدو على حالها، وتزداد معطياتها غير المؤاتية للديمقراطيين، إذ إن الوضع ينذر بالأسوأ، فاليوم على سبيل المثال، رفع "الاحتياط الفيدرالي" (البنك المركزي) سعر الفائدة مرة أخرى بـ0.75% كخطوة ضرورية لكبح التضخم، والتي قد لا تكون كافية، والثمن في هذه الحالة سيكون تسريع دفع الاقتصاد إلى الركود، الذي لا بد أن يلعب دوره ضد الحزب الديمقراطي في 2024.
في ضوء ذلك، عاد بايدن إلى موضوع "الديمقراطية الأميركية" والمخاطر المحيطة بها، عساه يؤثر في تحريك الناخب المتردد وحمله باتجاه يؤدي إلى تغيير المعادلة في أيامها الأخيرة، لكن خطبته كانت أقرب إلى الوعظ حول فضائل الديمقراطية وشرور بدائلها، وبدت في لحظتها، وبالرغم من حيثياتها، محاولة تخويف من قبل من يخشى هزيمة انتخابية كاسحة.
صحيح أن هذا الموضوع قضية بقيت مطروحةً منذ ما بعد اجتياح الكونغرس في 6 يناير/ كانون الثاني من عام 2021، وأنه بات مسألة حساسة لأكثر من 20% من الناخبين حسب الاستطلاعات، لكنها في الوقت الراهن ليست أولوية، ولو أن بعض تعبيرات الخطر والعنف السياسي بدأت تتوالى كما تبين من اقتحام منزل رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي قبل أيام قليلة، والاعتداء على زوجها.
إلا أّن دخول العنف بهذا المستوى لم يكن صدفة أو حادثا عرضيا، فقد سبقه انحدار غير اعتيادي في جزء من الخطاب، الذي تحول من المنافسة إلى التحريض حتى على قتل الخصم، خاصة على المواقع والمنابر ووسائل التواصل الاجتماعي، بحيث صار التهديد بضاعة انتخابية وصل الحال بها حتى إلى استخدام عباراتٍ بذيئة على جوانب الطرق والساحات العامة ضد بايدن وحزبه الديمقراطي.
دخل الرئيس بايدن البيت الأبيض في ظل أزمة انتخابية مستعصية، ما زالت ذيولها تجرجر حتى الآن، وتهدد بالمزيد من التفاقم في انتخابات الأسبوع القادم، كما في أواخر رئاسته بعد سنتين، إنها حالة يتفرد بها دون غيره من أسلافه. فأميركا التي يترأسها مأزومة من الداخل، كما لم تكن من قبل، وتواجه تحديات غير مسبوقة في الخارج، ومن دون توفر الشروط المطلوبة للتصدي الفعال على الجبهتين.