أغلقت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، أمس الأحد، ملف ترشح وزير الخارجية الأسبق، القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، هوشيار زيباري، لمنصب رئاسة الجمهورية، بحكم قضائي يمنع ترشحه للمنصب حالياً ومستقبلاً، وذلك استناداً إلى دعاوى قضائية تتعلق بالفساد وهدر المال العام.
وهذا أول حكم قضائي عراقي تكسبه القوى السياسية المنضوية ضمن "الإطار التنسيقي"، الذي يضم عدداً من الكتل والأحزاب الحليفة لإيران، منذ بدء الأزمة السياسية التي تفاعلت عقب إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية، نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
المحكمة الاتحادية تقصي زيباري
واعتبرت المحكمة الاتحادية، في جلسة شارك فيها كامل أعضائها في بغداد، أن ترشح زيباري غير قانوني، لمخالفته المادة 68 من الدستور، بسبب شكاوى غير محسومة بحقّه تتعلق بالفساد وهدر المال العام، مؤكدة أن القرار يشمل أيضاً منع ترشحه مستقبلاً. كما قررت المحكمة، استمرار رئيس الجمهورية برهم صالح في منصبه، إلى حين اختيار رئيس جديد.
أقيمت دعوى أيضاً ضد فتح باب الترشح للرئاسة مجدداً
وقالت المحكمة في بيان، إن "استمرار الرئيس في ممارسة مهامه يرتبط بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وفي حال عدم الانتخاب لظروف ما أو لحالة طارئة، فإن الضرورة تستوجب الموازنة بين وجود رئيس للجمهورية، تحتمها المصلحة العليا في البلاد، وبين انتهاء ولايته بأربع سنوات، يستلزم استمرار رئيس الجمهورية في ممارسة مهامه لحين انتخاب رئيس جديد يحل محله"، مشيرة إلى أن "القرار صدر بالاتفاق، وهو باتّ وملزم للسلطات كافة".
وسارع زيباري إلى وصف قرار المحكمة الاتحادية باستبعاده بأنه "مسيّس". وقال زيباري في مؤتمر صحافي عقده عصر أمس، في مقر إقامته ببغداد: "تفاجأنا من قرار المحكمة الاتحادية باستبعادنا من الترشيح. القرار غبن بحقنا وظلم"، مضيفاً أن "القرار هو ضدنا، ومع الأسف الشديد، فإنه قرار مسيّس".
ولفت زيباري إلى أن "القوانين والشروط المطلوبة لرئاسة الجمهورية كانت نصب أعيننا، ونحن لسنا غرباء عن العملية السياسية، وعند ترشيحنا إلى رئاسة الجمهورية استوفينا الشروط كافة، ولدينا كتب رسمية من الهيئات التي وافقت على الترشيح". وشدّد على أن "النواب المقدمين للطعون في ترشيحنا لدى المحكمة الاتحادية، هم أربعة، ثلاثة منهم من الاتحاد الوطني الكردستاني، وهم خصوم لنا".
العراق...أزمة الرئاسة متواصلة
القرار القضائي الصادر بحق زيباري، لن يُنهي دور المحكمة الاتحادية في الأزمة السياسية العراقية الحالية، إذ عليها النظر في طعن آخر تقدّم به نواب ضد قرار رئاسة مجلس النواب الأسبوع الماضي إعادة فتح باب الترشيح مجدداً لمنصب رئاسة الجمهورية، وهي خطوة اعتبرتها قوى "الإطار التنسيقي"، محاولة لتوفير بديل للحزب الديمقراطي عن زيباري.
وقالت مصادر سياسية عراقية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن المحكمة تلقت طعناً من النائب باسم الخشان بشأن دستورية إعادة فتح باب الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، والذي يعتبره مخالفاً للدستور.
وأكدت المصادر أن باب الترشح الذي أغلق منتصف أمس الأحد، بعد تحديده مسبقاً بثلاثة أيام عمل فقط، دخله عدد من المرشحين الجدد يتحفظ البرلمان على ذكرهم إلى حين اكتمال الإجراءات القانونية المتعلقة بتدقيق ملفاتهم، وسط تأكيدات أن وزير الخارجية الحالي فؤاد حسين قد يكون من بين الذين قدموا أوراق ترشحهم للمنصب.
وتعليقاً على قرار المحكمة، قال النائب عن تحالف "الفتح" رفيق الصالحي، لـ"العربي الجديد"، إن "استبعاد هوشيار زيباري من الترشح لرئاسة الجمهورية، لا يعني حل الأزمة، خصوصاً مع استمرار الخلاف الكردي - الكردي على هذا المنصب".
واعتبر الصالحي أن الحزب الديمقراطي الكردستاني "لن يتخلى عن المنصب، ويبدو أنه هيأ البديل لزيباري، والمعلومات التي سمعناها هي أن مرشحه البديل هو وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، وهذا يعني أنه لا وجود لأي حلول تسوية بين المعسكرين الكرديين حتى الآن".
ورأى النائب عن تحالف "الفتح"، أنه "في حال اتفق الحزبان الكرديان على مرشح تسوية لرئاسة الجمهورية، نذهب إلى مرحلة أخرى، وهي أهمية أن تقبله القوى الموجودة في بغداد، خصوصاً القوى السياسية الشيعية، فالخلاف أثّر على حسم الملف، لا سيما في ظل الانقسام الواضح بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري".
التزام بالتصويت لمرشح الديمقراطي الكردستاني
أما تحالف "السيادة"، الذي سبق أن أعلن دعمه ترشيح زيباري لمنصب رئاسة الجمهورية، فاعتبر أنه ما زال ملتزماً بتعهداته مع الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وقال عضو التحالف أمجد الدايني، لـ"العربي الجديد": "إننا في التحالف الثلاثي (الكتلة الصدرية، تحالف السيادة، الحزب الديمقراطي)، ملتزمون بالتصويت على أي مرشح يطرحه (رئيس الديمقراطي الكردستاني) مسعود البارزاني، لمنصب رئيس الجمهورية، ولهذا نحن ننتظر طرح اسم المرشح الجديد، حتى يكون هناك توجه في دعمه".
زعيم التيار الصدري، سيوجّه نواب كتلته بالتصويت حصراً لأي مرشح يحظى بدعم الحزب الديمقراطي الكردستاني
واعتبر الدايني بدوره أن استبعاد زيباري "لا يحل الأزمة السياسية المتعلقة بحسم منصب رئاسة الجمهورية، بل سيعمّق الخلافات، خصوصاً أن هناك دعوى ضد فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، وهذا الأمر ربما يمنع مرشح الديمقراطي البديل عن زيباري من الترشح، في ظل عدم حسم المحكمة الاتحادية هذه الدعوى حتى اللحظة".
من جهته، قال نائب في البرلمان عن التيار الصدري، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، سيوجّه نواب الكتلة بالتصويت حصراً لأي مرشح يحظى بدعم زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهذا القرار لا رجوع عنه، كونه ضمن متطلبات مشروع حكومة الأغلبية".
وبيّن النائب أن "أبرز الأسماء المرشحة لهذا المنصب فؤاد حسين، وهناك قدرة على تمريره من قبلنا، كما تمّ تمرير استحقاق رئاسة البرلمان الشهر الماضي"، معتبراً أن قرار استبعاد زيباري "كان متوقعاً".
ويفرض الدستور وجود ثلثي أعضاء البرلمان، البالغ عددهم 329، في الجلسة، ليتحقق نصاب انتخاب رئيس الجمهورية. في المقابل، يحق للبرلمان عقد جلساته الأخرى بتحقق الأغلبية البسيطة (نصف الأعضاء+1)، وهو ما لم يتحقق أيضاً في الجلسة التي كانت مقررة للبرلمان الإثنين الماضي.
في المقابل، لم يستبعد المحلل السياسي العراقي علي البيدر، أن تكون المحكمة الاتحادية قد تعرضت لضغوط سياسية دفعتها إلى إصدار قرار بحرمان هوشيار زيباري من الترشح لرئاسة الجمهورية.
وأوضح في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "القضاء دخل على خط محاولة إيجاد حلول للأزمة السياسية الراهنة، وهو ما خلق عرفاً أدى إلى حرمان زيباري من الترشح، وإلا فما تفسير قبول ترشح أوراقه سابقا من قبل الهيئات القضائية ولجان النزاهة؟".