شهد مجلس العموم البريطاني، مساء أمس الاثنين، جلسة نقاش طويلة استمرّت حتى العاشرة والنصف بالتوقيت المحلّي، للتصويت على مشروع قانون اقترحته الحكومة بزعامة رئيسها بوريس جونسون، يمنح الوزراء صلاحية رفض أجزاء مهمّة من بروتوكول أيرلندا الشمالية.
واستطاع مشروع القانون الذي يعتبره الجانب الأوروبي "خرقاً" للقوانين الدولية، أن يجتاز أول عقبة أمام مجلس العموم، بعد أن حصل على 295 صوتاً مقابل 221.
وكان الاتحاد الأوروبي قد ندد باستمرار بأي خطوة أحادية، ولوّح باتخاذ تدابير تجارية رداً على ذلك، فيما ترى لندن أنّ الوقت ينفد نظراً إلى الشلل السياسي الناجم عن هذه المعاهدة الدولية في المقاطعة البريطانية.
واكتسبت جلسة النقاش المطوّلة تلك أهمية استثنائية بالنسبة إلى المتربّصين بمستقبل جونسون السياسي، فكان من شأنها أن تكشّف حجم التمرّد الذي يعيشه حزب المحافظين بعد يومين فقط من هزيمة موجعة مني بها في الانتخابات الفرعية. إلا أن الأصوات المتمرّدة في الحزب "ضاعت" أمام أصوات الحكومة المؤيّدة لمشروع القانون، والمدافعة عنه بشراسة، ما دفع جونسون إلى القول إنّ قيادة حزب المحافظين استقرّت الآن.
وكانت رئيسة الوزراء السابقة، تيريزا ماي، من أبرز المعارضين للقانون، هي التي سبق لها أن واجهت العديد من الهزائم أمام مجلس العموم، بسبب صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست". واعتبرت ماي أن مشروع القانون الذي تقترحه الحكومة "غير قانوني، وسيقلّل من مكانة المملكة المتحدة عالمياً".
يهدف بروتوكول أيرلندا الشمالية إلى حماية السوق الأوروبية الموحدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون العودة إلى حدود فعلية بين المقاطعة البريطانية وجمهورية أيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي، ما قد يؤثر باتفاقية السلام الموقعة في عام 1998 بين الموالين المرتبطين بالتاج البريطاني والجمهوريين المؤيدين لإعادة التوحيد، بعد ثلاثة عقود من العنف الذي أودى بحياة 3500 شخص.
كانت حكومة بوريس جونسون قد وافقت على أن تظل المقاطعة بحكم الواقع داخل السوق الأوروبية، وأنشأت حدوداً جمركية في بحر أيرلندا مع ضوابط ومعاملات.
مجلس اللوردات حيث لا تمثّل الحكومة الأغلبية فيه، هو العقبة الثانية أمام مشروع القانون. وفي الطريق إليه، سيكون على الأغلبية التي صوتت لمشروع القانون أن تدرسه بدقّة متناهية خلال الأسابيع المقبلة. وتعتقد مصادر مقرّبة من حزب المحافظين في حديث إلى "العربي الجديد"، أنّ تمرير مشروع القانون أمس بفارق 74 صوتاً، لا يعني على الإطلاق استعادة جونسون لمكانته وشعبيته بين أعضاء حزبه، إذ إنّ أعضاء الحزب الطامحين إلى مناصب سياسية عليا، ليس في مصلحتهم الكفاح من أجل علاقات ودّية مع الاتحاد الأوروبي.
من جهته، أعلن "الحزب الوحدوي الديمقراطي" المؤيد للتاج البريطاني ولـ"بريكست"، نيّته إعادة النظر في العودة إلى ترتيبات تقاسم السلطة، بعد أن كان مصرّاً على رفض القانون ما لم تنظر الحكومة إلى مخاوفه بشأن البروتوكول بشكل جدّي، ومن طريق "الأفعال وليس الأقوال". ويرفض الحزب المشاركة في حكومة محلية ما لم يجرِ التخلّي عن الضوابط، باعتبار أنّ ذلك يطرح تهديداً لوحدة المملكة المتحدة.
وسيتيح القانون إنشاء ممرّات خضراء مخصّصة للبضائع التي تصل من المملكة المتحدة إلى أيرلندا الشمالية فقط، ما يجعلها معفاة من الرقابة الجمركية والتدقيق، فضلاً عن أخرى حمراء للبضائع المتّجهة إلى الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك جمهورية أيرلندا، على أن تخضع لضوابط جمركية ورقابية كاملة.
كذلك سيفرض مشروع القانون تغييرات على القواعد الضريبية، لأنّ أيرلندا الشمالية تخضع حالياً لقواعد الاتحاد الأوروبي بشأن القواعد الضريبية والقيمة المضافة. وتسعى الحكومة البريطانية عبر مشروع القانون، لتحييد دور محكمة العدل الأوروبية في تسوية النزاعات حول البروتوكول، عبر المطالبة بوجود هيئة مستقلة تقوم بهذه المهمة.