إقالة كبار المسؤولين الصينيين: الرئيس يعيد تشكيل فريقه

إقالة كبار المسؤولين الصينيين: الرئيس يعيد تشكيل فريقه

05 اغسطس 2023
شي خلال مؤتمر الحزب الشيوعي ببكين، أكتوبر الماضي (كيفن فراير/Getty)
+ الخط -

أدت حملة مكافحة الفساد التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013، إلى سقوط العديد من كبار القادة السابقين والحاليين في عدة قطاعات عسكرية وسياسية، الأمر الذي طرح تساؤلات حول طبيعة عمل لجنة الانضباط المسؤولة عن الحملة، وما إذا كانت تعمل لصالح الرئيس الصيني من خلال تصفية خصومه ومنافسيه، أم أنها تمثل ظاهرة طبيعية لتطهير الحزب الشيوعي من الفاسدين والمرتشين.

هذه الحملة طاولت أخيراً قائد القوة الصاروخية، لي يوتشاو. وذكر تلفزيون الصين المركزي، أن وانغ خو بين، نائب قائد القوات البحرية السابق، سيصبح القائد الجديد للقوة الصاروخية في "جيش التحرير الشعبي" (الاسم الرسمي للجيش الصيني)، بينما سينتقل شو شي شنغ، من قيادة المنطقة الجنوبية ليصبح مفوضها السياسي الجديد.

وتم الإعلان عن التعيينات الجديدة وترقية كل من وانغ، وشو من رتبة فريق إلى رتبة جنرال في فعالية أقيمت الاثنين الماضي في العاصمة بكين، ولم يخدم أي منهما في القوة الصاروخية من قبل. وقد أفادت تقارير محلية الأسبوع الماضي، بأن لجنة مكافحة الفساد التابعة للجنة العسكرية المركزية تحقق مع لي يوتشاو، ونائبيه، الحالي تشانغ تشن تشونغ، والسابق ليو قوانغ بين.


لين تشين: من الحكمة عزل كل من تثبت عليه التهمة

ويعد لي يوتشاو الذي تمت ترقيته إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المكونة من 205 أعضاء، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أحد الوجوه العامة للقوة الصاروخية، وهو أكبر جنرال عسكري يخضع للتحقيق.

كما أنه القائد الثالث فقط للقوة الصاروخية التي تم إنشاؤها خلال إصلاح شامل للجيش في عام 2015. كما يُعتبر سلاح الصواريخ التابع للجيش الشعبي، عنصراً أساسياً في الترسانة النووية للبلاد.

وتتحمل الوحدة مسؤولية ضمان سلامة جميع الصواريخ النووية الاستراتيجية، وكذلك نشر جميع الرؤوس الحربية النووية في مواقع محددة بموجب تعليمات اللجنة العسكرية المركزية. وبالإضافة إلى دورها في الردع النووي للبلاد، فإن القوة الصاروخية هي أيضاً عنصر مهم في جهود بكين لتكثيف الضغط العسكري على تايوان.

إقالة كبار المسؤولين الصينيين

وتأتي هذه الخطوة بعد أسبوع واحد من إقالة وزير الخارجية السابق تشين غانغ، بعد أقل من سبعة أشهر من تعيينه، وتسمية سلفه وانغ يي وزيراً للخارجية. وكان تشين، قد توارى عن الأنظار لأسابيع ما أثار تكهنات بشأن مصيره، قبل الكشف عن خضوعه للمساءلة بتهم لا تزال غير معلنة.

أيضاً في يوليو/تموز الماضي، أُعلن عن إقالة دونغ يون خو، رئيس الهيئة التشريعية في شنغهاي، وخضوعه للتحقيق بشأن انتهاكات تتعلق بالانضباط والقانون.

ودونغ هو أول مسؤول على المستوى الوزاري تتم إقالته منذ المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الذي عُقد في أكتوبر 2022. وتولى دونغ منصبه كرئيس للجنة الدائمة لمجلس نواب الشعب في شنغهاي في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، أي أنه لم يبق في منصبه سوى ستة أشهر.

كذلك في سبتمبر/أيلول الماضي، سُجن نائب وزير الأمن السابق سون لي جون، الذي اتُهم بقيادة "زمرة سياسية"، مدى الحياة بتهم فساد. كما تم سجن خمسة من كبار مسؤولي الشرطة على صلة بالقضية في عملية تطهير استهدفت أعضاء من المؤسسة الأمنية.

ولعل أبرز ضحايا حملة مكافحة الفساد في الصين، المدير السابق للشرطة الدولية (الانتربول)، مينغ هونغ وي. وكان مينغ، وهو أول صيني يترأس الإنتربول، قد اختفى عندما كان يزور بلده قادماً من مقر عمله في فرنسا في سبتمبر 2018، قبل أن يحكم عليه بالسجن 13 عاماً وستة أشهر. وأعلنت السلطات الصينية في حينه أن مينغ، أقر بالذنب في القضية المرفوعة ضده والتي تتعلق بتقاضيه رشى تتجاوز مليوني دولار.

كذلك كان الجيش أحد الأهداف الرئيسية لحملة شي ضد الفساد والتي دخلت الآن عقدها الثاني واستهدفت مئات الآلاف من المسؤولين على جميع المستويات. كان اثنان من أبرز الأهداف هما: قوه بوشي ونغ، وشو تساي خو، وكلاهما نائب رئيس سابق للجنة العسكرية المركزية. حكم على قوه بالسجن مدى الحياة بتهمة الرشوة في عام 2016، بينما توفي شو بسبب السرطان في عام 2015 أثناء استعداده للمثول أمام المحكمة.

وحث الرئيس الصيني الأسبوع الماضي، الجيش على تكثيف جهوده للتصدي للفساد إلى جانب حملته للتحديث، وذلك خلال خطاب ألقاه في قاعدة جوية بمقاطعة سيتشوان جنوب غربي البلاد، قبيل الذكرى السنوية الـ96 لتأسيس جيش التحرير الشعبي، في 1 أغسطس/آب الحالي.

وقال شي، نحن بحاجة إلى دفع الانضباط الصارم وجهود مكافحة الفساد للحزب إلى مستوى أعمق. وظلت محاربة الفساد من أولويات شي منذ أن أصبح الأمين العام للحزب في عام 2012. كما تعهد شي بمواصلة حملته لمكافحة الفساد في مؤتمر الحزب في أكتوبر الماضي. وقال: "ما دامت أرضيات وظروف الفساد لا تزال موجودة، يجب أن نستمر في جهودنا حتى تطهير الحزب والدولة".

يعتقد أستاذ الدراسات السياسية في معهد قوانغدونغ، لين تشين، في حديث مع "العربي الجديد"، أن حملة الإقالات التي شهدتها البلاد منذ مطلع العام الحالي، ظاهرة صحية تشير إلى مبدأ المساءلة والمراجعة داخل الحزب الشيوعي وعلى مستوى القيادة العليا.

ويضيف أن الرئيس الصيني منذ وصوله إلى سدة الحكم قبل عقد من الزمن، أدرك أنه سيواجه تحديات داخلية كبيرة في ظل الانفتاح الاقتصادي، وتعاظم الثروة في المجتمع وطبقة النخبة، خصوصاً إذا تسربت شهوة التملك وشرارة الفساد إلى المستوى السياسي، لذلك كان لابد من الضرب بيد من حديد.


لي يوان مارتن: قد تندرج تحت كلمة "انتهاك"، محاولة انقلاب أو تجسس

ويلفت لين إلى أن فساد من يتبوأون مناصب حساسة في الدولة ينعكس بشكل خطير على أمن البلاد وسلامتها، لذلك من الحكمة عزل كل من تثبت عليه التهمة واستبدالهم بدماء جديدة لمنع سوء السلوك في المستقبل.

ويتابع: لذلك كان لا بد من التمسك بقيادة الحزب وتعزيزها وتوحيدها تحت قيادة الرئيس الصيني الذي يشرف بنفسه على حملة مكافحة الفساد. ويستدرك بأن شي جين بينغ، يمثل صمام الأمان بالنسبة للقيادة المركزية، وأنه لولا جهوده في مكافحة الفساد لكان الحزب عرضة للتآكل من الداخل ضمن مخططات خارجية تستهدف تماسك البلاد ووحدتها.

تصفية خصوم الرئيس الصيني ومنافسيه

من جهته، يعتبر الباحث في مركز كولون للدراسات السياسية (مقره هونغ كونغ)، لي يوان مارتن، أن حملة مكافحة الفساد ليست سوى أداة لتصفية خصوم ومنافسي الرئيس الصيني على السلطة. ويقول في حديث مع "العربي الجديد"، إنه على الرغم من عدم وجود أي مؤشر على أي تحد صريح لحكم شي، استمرت لجنة الانضباط في استهداف المسؤولين المتهمين بعدم الولاء.

ويتابع: لطالما تفاخرت بكين علناً بحقيقة أن حربها ضد الفساد أسقطت أكثر من مائة جنرال، أي أكثر من عدد الذين قُتلوا في معارك تأسيس جمهورية الصين الشعبية (تأسست في 1 أكتوبر 1949). ويضيف أنه في اتجاه آخر، يجب البحث عما وراء إلصاق التهم بالمسؤولين، فقد تخفي المفردات المتداولة في الإعلام الصيني قضايا خطيرة، إذ لا يعقل، حسب لي، أن يُعزل وزير الخارجية السابق بعد أقل من سبعة أشهر من تعيينه بالرغم من أنه من المقربين من الرئيس، لمجرد انتهاك قواعد الحزب.

ويقول إن كلمة "انتهاك" هي تعبير ملطّف عن الفساد، يخفي في طياته الكثير من القصص التي تظل غامضة. فقد تندرج تحتها محاولة انقلاب، أو تجسس وتعاون مع جهات خارجية، لكن أدبيات الحزب لا تسمح بنشر مثل هذه القضايا للرأي العام، فيتم تجميل الصورة باختزالها في جملة انتهاك القواعد والسلوك الحزبي.

يشار إلى أن لجنة الفحص والانضباط، يقودها الرئيس السابق لمقاطعة قوانغدونغ الجنوبية لي شي، الذي تولى منصبه في أكتوبر الماضي خلفاً لتشاو لي جي. وكانت اللجنة التي تعتبر أكبر هيئة رقابية لمكافحة الفساد في الصين، قد لفتت إلى أنه لن يكون هناك أي تهاون في حملتها حيث تعهدت بقمع المؤامرات السياسية.

وكتبت اللجنة المركزية لفحص الانضباط في مقال نشرته صحيفة "الشعب" اليومية الناطقة باسم الحزب، قبل أيام "يجب أن نمنع بحزم التوقع الخاطئ بتغيير اتجاهنا أو تخفيف قبضتنا، سنحافظ على لهجة صارمة وإجراءات صارمة وأجواء صارمة على المدى الطويل وسنقوم بالثورة الذاتية العظيمة للحزب حتى النهاية". هذا ويستخدم مصطلح "الثورة الذاتية" بانتظام للإشارة إلى جهود الحزب في تخليص نفسه من سوء سلوك الأعضاء.

المساهمون