في وقتٍ يحاول فيه النظام المصري الحاكم تحسين صورته أمام الغرب، خصوصاً في ملف حقوق الإنسان بتشكيل لجنة عفو رئاسي عن السجناء السياسيين، يقول خبراء قانون ومنظمات مجتمع مدني إن هذه التحسينات ما هي إلا "ثقوب في ثوب العدالة"، لكونها انتقائية لا جذرية.
وتم تشكيل لجنة العفو الرئاسي على هامش لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعدد من الرموز السياسية والحكومية في مصر، في إفطار الأسرة المصرية في 26 إبريل/ نيسان الماضي، من أجل إعداد قوائم عفو عن المستحقين، سواء الصادرة بحقهم أحكام قضائية ليعفو عنهم رئيس الجمهورية بصفته، أو المحبوسين احتياطياً لتخلي سبيلهم النيابة العامة، بحسب ما يقوله أعضاء باللجنة.
حدود العفو الرئاسي في مصر
وعلى الرغم مما يروج له بعض الأعضاء في لجنة "العفو الرئاسي" من أنهم "لديهم القدرة على التدخل للإفراج عن المتهمين المحبوسين احتياطياً بقرارات من النيابة العامة على ذمة قضايا"، يؤكد خبراء في القانون أن "العفو الرئاسي لا ينطبق إلا على الصادر بحقهم أحكام نهائية وباتة غير قابلة للطعن، ولا ينطبق على المحبوسين احتياطياً بقرار من النيابة العامة، إلا في حالة صدور عفو شامل في قضية معينة، فيتم على أساس ذلك وقف القضية تماماً والإفراج عن المحبوسين على ذمتها، ولكن في هذه الحالة يتطلب العفو الشامل صدور قانون يوافق عليه مجلس النواب".
وقالت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" إن العفو الذي أصدره السيسي عن الصحافي حسام مؤنس، بعد وساطة حمدين صباحي في إفطار الأسرة المصرية، تسبب في إحراج للنيابة العامة، إذ إن مؤنس رغم أنه مدان بحكم نهائي وبات في قضية، إلا أنه محبوس احتياطياً على ذمة القضية المعروفة بتنظيم الأمل".
العفو الرئاسي لا ينطبق إلا على الصادر بحقهم أحكام نهائية
وأضافت المصادر أن "حضور المرشح السابق إفطار الأسرة المصرية، ومشاركته في المشهد، أمر اعتبره الرئيس السيسي جميلاً، لذلك أمر فوراً بالإفراج عن مؤنس، على عجل ومن دون مراعاة القانون، فكان من الممكن الانتظار حتى تخلي النيابة العامة سبيله في قضية تنظيم الأمل، ثم يصدر عفو رئاسي عنه في القضية الأخرى، حتى لا تجد النيابة العامة نفسها في وضع محرج".
وتأتي لجنة العفو الرئاسي كمحاولة من النظام لتجميل صورته أمام الغرب بشأن ملف حقوق الإنسان وعدد السجناء الكبير، استجابة لضغوط خارجية.
واستعان السيسي بشخصيات سياسية وأسماء محسوبة على المعارضة لمشاركته تلك الخطوة، وكأن إشراك الأطراف السياسية في قضايا الحريات، أيضا من أجل تجميل صورته أمام الغرب.
أستاذ القانون المصري نور فرحات انتقد قرارات الإفراج عن عدد من سجناء ومسجوني الرأي، لأنها "تصدر بناء على توصية لجنة رئاسية أنيط بها مراجعة قرارات وأحكام قضائية"، وقال "إن هذه القرارات بالإفراج قد تشير إلى ما سماه عبد العظيم رمضان في مقالاته بالأهرام في التسعينيات ثقوب في ثوب العدالة".
وفسّر أستاذ القانون، عبر حسابه على "فيسبوك"، موقفه من تلك القرارات التي شملت المحبوسين احتياطياً والمحكوم عليهم بعقوبات نهائية.
وقال إنه من المفترض أن الحبس الاحتياطي إجراء احترازي مؤقت لمصلحة التحقيق عند وجود دلائل قوية على ارتكاب المتهم جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس، والذي يقدر كل ذلك هو جهة التحقيق، وأن يطول الحبس لسنوات ثم يفرج عن المتهم، بتوصية من لجنة مشكلة رئاسياً، يعني أن سلطة التحقيق قد حبست الناس من دون مقتضى ثم أفرجت عنهم بإيعاز من لجنة غير قضائية.
وتابع الفقيه القانوني: "إن سلطة رئيس الجمهورية في الإفراج عن المحكوم عليهم بعقوبة، هي سلطة بدورها استثنائية لمعالجة ظروف خاصة في حالات خاصة لا يتصور أن تكون كثيرة أو متكررة، فإذا شاعت وتكررت حالات الإفراج عن المحكوم عليهم فلا بد أن تثير التساؤلات حول مبررات واستقلالية الأحكام القضائية".
وتمنح المادة 155 من الدستور المصري رئيس الجمهورية الحق في إصدار قرارات بالعفو الرئاسي عن المسجونين بأحكام نهائية، إذ تنص المادة على: "لرئيس الجمهورية بعد أخذ رأي مجلس الوزراء العفو عن العقوبة، أو تخفيفها. ولا يكون العفو الشامل إلا بقانون، يُقر بموافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب".
وأكد فرحات أن وجود نظام عدالة قوي ومستقل وعادل في مرحلتي التحقيق والمحاكمة هو خير ضمان لسلامة المجتمع. في القضية ذاتها، شرح المحامي الحقوقي نجاد البرعي أن لجنة العفو الرئاسي "لا علاقة لها بالمحبوسين احتياطياً على ذمة التحقيق".
وأشار البرعي، عبر حسابه الخاص على "فيسبوك"، إلى أن "المحبوسين احتياطياً المسؤول عنهم هو النائب العام والنيابة العامة المصرية، والقادر على إطلاق سراحهم هو أيضاً وحده النائب العام".
وقال: "ليس من العدل ولا من حسن سير العدالة أن يستمر شخص محبوس على ذمة التحقيق لمدة سنة وسنتين وثلاث وأربع من دون أن يُفرج عنه أو يحال إلى المحاكمة".
الإفراج عن المحبوسين أمر يتحكم فيه الأمن الوطني
وأضاف البرعي: "هذا الحبس كله غير قانوني وإن تم بإجراءات قانونية"، داعياً لاتخاذ إجراءات فورية لتصفية ملف الحبس الاحتياطي المطول والمكرر. ووجّه البرعي دعوة لمجلس القضاء الأعلى، إلى توفير ما يطلبه من كوادر للانتهاء من هذا الملف المهم لو كانت المشكلة هي نقص الكوادر.
أما عن لجنة العفو الرئاسي، فأكد أنها "لا تختص إلا بمن حكم عليهم نهائياً بأحكام سجن". وأكدت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" أن "الإفراج عن المحبوسين على ذمة قضايا أمر يتحكم فيه الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية، وهو صاحب القرار بالتعاون مع النيابة العامة".
وقالت المصادر إن "الأمن الوطني حريص على التمسك بدوره في ملف المعتقلين بعيداً عن تدخل أي أجهزة أخرى في الدولة، خصوصاً المخابرات العامة"، مضيفة أنه "في أحيان كثيرة تقع خلافات بين الجهازين حول هذا الملف".
معايير الإفراج عن المعتقلين المصريين
ورفضاً للانتقائية، وتأكيداً على مبدأ الحل الجذري لملف السجناء السياسيين في مصر، قدمت منظمات حقوقية مصرية، مقترحات لمعايير وضوابط للإفراج عن جميع السجناء السياسيين في مصر، على خلفية تشكيل لجنة العفو الرئاسية.
وأكدت المنظمات وجوب إعطاء قرارات الإفراج عن المسجونين السياسيين أولوية عاجلة لحالات المرضى والقاصرين وكبار السن، إضافة إلى أولويات الإفراج عن جميع المحبوسين في قضايا النشر، بالمخالفة لنص الدستور الذي يحظر توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية.
كما شددت على ضرورة الإفراج عن جميع من تجاوزوا الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، حتى لو تم حبسهم على ذمة قضايا جديدة بتهم مماثلة لضمان استمرار حبسهم فيما بات يعرف بظاهرة "تدوير المعتقلين السياسيين"، وإصدار أمر من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بحقهم.
كذلك أكدت وجوب الإفراج عن كل المحبوسين احتياطياً ممن مر على حبسهم ستة أشهر كحد أقصى دون أن يتوافر لدى النيابة ما يكفي من الأدلة لإحالتهم للمحاكمة. والعفو عن باقي العقوبة لمن سبق الحكم عليهم بتهم سياسية وقضوا أكثر من نصف العقوبة وتم حرمانهم من حقهم في الإفراج الشرطي دون مبرر سوى طبيعة تهمهم. عن العفو عن باقي العقوبة لمن صدرت ضدهم أحكام من محاكم أمن الدولة طوارئ.